الإنجيل هدانى للإسلام/الإسلام هو العهد الجديد
الجمعة، 16 مايو 2014
طعامك علاجك / العلاج بالأعشاب / العلاج الطبيعى
طعامك علاجك
الحمد لله رب العالمين .دى العظمة والجبروت .والملك والملكوت
الدى أنشأنا من الأرض نسما .ويسر لنا منها أرزاقا وقسما .واستعمرنا فيها
أجيالا وأمما .
وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له .واهب النعم السابغة .والمنن
الجسام
المترادفة .
وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله .سيد المرسلين .وإمام المتقين .الدى لاينطق
عن الهوى .بل ينطق عن وحى يوحى .ليهدى الناس إلى الصراط
المستقيم .وقد كانوا من قبله لفى ضلا ل مبين .
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه .ومن اهتدى
بهديه إلى يوم الدين .
أما بعد : فإن الغداء هام للإنسان سواء غنى أوفقير.وبدأ علم التغدية بنزول
القرآن الحكيم
حيث احتوى على المبادىء العلمية فى تغدية الإنسان مصدقا لقول الحق تبارك
وتعالى وهو أصدق القائلين: (إِنَّمَا
حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ
بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ
عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) البقرة
(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ
الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ
وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ
إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا
بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ
اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (3) المائدة
(وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ
عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا)مريم 25
(وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا
يُؤْمِنُونَ (30) الأنبياء
(وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ
الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ
كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا
شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)النحل
(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا
صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26)
فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا
وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا
لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)عبس
وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم :نحن قوم لانأكل حتى نجوع
وإدا أكلنا لانشبع ) (لكل داء دواء .فإدا أصاب دواء الداء .برأبإدن الله عز وجل )
(إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء.علمه من علمه .وجهله من جهله ) ( المعدة
بيت الداء . والحمية رأس الدواء )
وتفسير الحديث : امتلاء المعدة بالطعام يسبب العد يد من
الأمراض
مثل : كسل الكبد . وقرحة المعدة .وإجهاد القلب .وتصلب
الشرايين .والسكر .والعديد من الأمراض .والحمية :وهى الصيام
والإقلال من الطعام .هى رأس الدواء والشفاء . (السواك مطهرة
للفم .مرضاة للرب ) (عليكم بالشفائين : العسل والقرآن )
. وهكدا وضع الإسلام قواعد علم
التغدية حيث
لايستغنى الإنسان عن الغداء حيث أن الغداء يقيم أود الإنسان
ويكسبه المناعة ضد الأمراض كما أن الغداء يبنى الجسم .ويمده بالطاقة .وللغداء
وظيفة اجتماعية ودلك بتنمية أواصر المحبة بين الناس ففى الأعياد وحفلات الزواج
يلتف الناس حول موائد الغداء والتغدية بالطعام تختلف حسب ظروف الإنسان وسنه وحالته
الصحية فالحوامل والمرضعات يحتاجون للألبان والبيض والحوم بعكس كبار السن لايحتاجون
لهدا .
علا ج أمراض العيون :
الإكتحال : كيف نصنع الكحل فى منزلنا ؟
نحضر نوى التمر الجاف أو نوى البلح الأحمر أو الرطب أو نوى بلح العجوة
ويجفف فى الشمس ثم يحرق نوى التمرالجا ف على نار هادئة
حتى الإسوداد والتفحم .ويتر ك حتى يبرد .ثم يدق فى الهاون ويطحن
حتى ينعم ثم يطحن فى الخلاط لز يادة النعو مة ثم الإ كتحال به فى العين
وهدا يحد البصر ويقويه إن شاء الله
مع تناول الجزر والبقدونس
علاج المياه البيضاء فى العين : الإ كتحال بماء البصل
ودلك بإحضار بصلة وغرس مورد المكحلة فيها
أو أى شىء صلب يغرس
طعامك علاجك
علا ج أمراض العيون :
الإكتحال : كيف نصنع الكحل فى منزلنا ؟
نحضر نوى التمر الجاف أو نوى البلح الأحمر أو الرطب أو نوى بلح العجوة
ويجفف فى الشمس ثم يحرق نوى التمرالجا ف على نار هادئة
حتى الإسوداد والتفحم .ويتر ك حتى يبرد .ثم يدق فى الهاون ويطحن
حتى ينعم ثم يطحن فى الخلاط لز يادة النعو مة ثم الإ كتحال به فى العين
وهدا يحد البصر ويقويه إن شاء الله
علاج المياه البيضاء فى العين : الإ كتحال بماء البصل
ودلك بإحضار بصلة وغرس مورد المكحلة فيها
أو أى شىء صلب يغرس
فى البصلة فيخرج على المورد أو العود ماء من البصلة يتم الإكتحال به فى
العين أعلى الرموش وأسفل الرموش .وفيما بينهما ويكرر دلك العديد من المرات خصوصا
قبل النوم
روى الإمام البيهقى رحمه الله بسنده عن أبى رافع رضى الله عنه قال :(
كان رسول الله يكتحل قبل النوم ثلاثا )
علاج الام الأدن
نحضر بصلة ونقطعها طرنشات .ونحضر قطعة قطن وندعك بها طرنشات
البصل فتبتل بماء البصل ونضع القطعة فى الأدن ونكرر دلك للأدن الأخرى إن
شاء الله سيتم الشفاء
علاج الكروش والترهلات عند الرجال والنساء .
نحضر ليمونة ونقطعها نصفين .وندعك بالنصف الأول كرش البطن ونترك اليمون حتى
يجف وندعك بالنصف الأخر الأ ليتين والأكتاف ونترك اليمون
حتى يجف واعلم أن اليمون نبات عطري يحافظ على الجلد ويطريه واستمر على دلك
لمدة أسبوعين يوميا تكررالعملية للكروش والترهلات
وبعد الأسبوعين ستتمتع بجسد رشيق
لزيادة الوزن والسمنة :
لزيادة الوزن والسمنة : حيث أن النحافة الزائدة للنساء تسبب العقم وعلاج
النحافةأكل شوربة لسان العصفور بالخبز يسمن الجسدمع تناول الجزر والسبانخ
والجرجيروالبنجر والتفاح إن شاء الله ويجب
اللإبتعاد عن تعاطى المخدرات والمنبهات والتدخين .كما أن تناول العنب والحلويات
يزيد الوزن.
علاج العظام :شوربة اللحم أو العظم .أوالدجاج بالبصل يقوى العظام والأعصاب
.
أكل التفاح والأناناس والبطاطس والفلفل الأخضر يقوي العظام ويقلل من ألام المفاصل
وجع الظهر :نحضر ورقتى كرنب ونضعهم على الظهر ونلفهم بشال ونجدد الورق
الكرنب يوميا لمدة أسبوع سيتم الشفاء إن شاءالله
ضعف الإنتصاب عند الرجال :
دهان القضيب بقليل من اللبن
شرب منقوع الحمص وأكل الحمص نيئا
مع عدم الإسراف فى تناوله
شرب اللبن .وتناول العنب .والإكثار من الفاكهة وخاصة التفاح والجزر والبنجر
والبقدونس والكرنب . وشرب القرفة مع اللبن البودرة .وشرب
مغلى الشمر ينبه الغدد الجنسية .وكدا شرب منقوع الزعفران . تناول .الفراولة
. والموز .والريحان واللفت .والسلمون .والتونة .والفجل والبصل
والكرفس .والقرنفل . المغات .والإكثار من تناول الخس .وشرب منقوع البان
المر .وشرب الزنجبيل .وتناول التوت .وشرب التمر مع الحليب ولعلاج الضعف الجنسي عند
النساء شرب العرقسوس والحلبة والمشمش والموز والجزر والتمر والقلقاس والمشمش
والبرتقال وتناول الينسون والسمسم وعسل النحل .
علاج الإمسا ك :
شرب الحلبة .شرب زيت الزيتون .شرب اللبن والجزر والتفاح
علاج الكبد:
آكل التمر يقوى الكبد .آكل الزبيب .آكل الشبت وشرب العسل النحل يعالج الكبد
والمعدة والرئتين والكلى .وأفضل أنواع العسل النحل الأحمر الناصع .
وعصير العنب يعالج احتقان الكبد والعدة وتضخم الطحال ويديب حصى الكلى. ويؤكل قبل الطعام آكل حب العزيز المطحون مع أي عصير.الكركم يحسن
وظائف الكبد ويحميه من فيرس سى و يشفى
الكبد إن شاء الله .ويجب على مرضى الكبد
عدم تناول الشيوكولاتة والموز
:وكدا مرضى النقرس والسمنة .وكدا
مرضى السكر .وكدا عدم تناول العدس لمرضى الكبد والكلى والمرارة .
علاج حب الشباب:
نحضر نصف ليمونة وندهن الوجه بها لمدة أسبوعين يوميا نصف ليمونة ونترك
الدهان على الوجه على حب الشباب . مع تناول الجزر والفلفل الأخضر والتفاح والبطاطس
والبقدونس والجرجير .دلك الوجه بعسل النحل
يعيد الحيوية لخلاياه ويزيل
التجاعيد .زيت الخروع يعالج النمش والبقع الجلدية بالوجه وابتعد عن العينين .مغلى
ثمار البرقوق يدعك بها الوجه
لإزالة حب الشباب .دلك الوجه بعصير العنب يعيد له الحيوية . دلك حب
الشباب بمغلى أوراق الخس .وأيضا تدلك الحبوب بخليط الصبار والجرجير
دلك الحبوب بطحين حبة البركة والعسل النحل .تناول السبانخ .تناول الخميرة
البيرة .دلك الوجه بعصير الجزر
لجلاء الصوت للخطباء :
نواة التمر دائما فى فمك تجري الريق وتنقى الصوت .مع تناول الخيار والجزر
والطماطم واليمون والفلفل الأخضر والكرنب والسبانخ .ماء مغلى
القرنبيط يعيد الصوت بعد انقطاعه .
وجع الأسنان :
مضغ أوراق النعناع يزيل وجع الأسنان مؤقتاويمنع ورم اللثه .ويمكن استخدام
النعناع الجاف لحشو أسنان الأطفال الصغار . ولعلاج تآكل الأسنان تناول العنب
والأناناس والفجل
لإزالة رائحة الفم النتنة (البخر ) (عفونة رائحة الفم )يؤخد فص ثوم مقطع
ويسحق بالأسنان فتنقطع الئحة النتنة ويشرب معلقة عسل بكوب ماء . ولعلاج اللثة تناول البرتقال والفراولة
والأناناس والفجل
لعلاج الإجهاد نشرب منقوع الخروب فهو يعالج الهبوط ومضاد للإسهال
لعلاج الحموضة والإنتفاخ تناول الجزر والجرجير والبطاطس والتفاح والبقدونس
لعلاج التوتر والهموم تناول التفاح
والعنب واليمون والأنانس
لعلاج نزلات البرد والقىء تناول
التفاح والجزر. والثوم فص واحد على الر يق
بعد تقطيعه أو مضغه بالأسنان
لعلاج الإرهاق الجزر والتفاح والبقدونس والبنجر
لعلاج مشاكل التدخين :تناول الأناناس والفراولة والجزر والسبانخ واللفت
والبقدونس والجرجير والبطاطس
للنوم الهادىء تناول الخميرة البيرة .والتفاح .والكمثري
لعلاج اضطرابات المعدة تناول الجزر والبطاطس والتفاح والبقدونس
لعلاج المسالك البولية الملتهبة :تناول التفاح والرمان
لعلاج جهاز المناعة :تناول الجزر. والتفاح. والثوم فص واحد على الريق
لعلاج ارتفاع ضغط الدم : تناول فص ثوم على الريق والإكثار من تناول الجزر
والكرفس والبقدونس والبطيخ
لعلاج حصوات الكلى تناول الجزر والبقدونس والتفاح والعنب والتين ومشروب
منقوع الترمس بدون إضافة ملح بكثرة . وشرب الماء بكثرة
وشرب مغلى حبة البركة .والعسل النحل يشرب . شرب زيت الزيتون
وحلفا بر وعصارة الجعضيض والورد ولب الفول الأخضر وزيتونة
إسرائيل لتوسيع الحالب .وشراب هالوك .مع شرب الماء بكثرة.
وأسباب تكون حصوات الكلى : عدم شرب الماء.كثرة تناول اللحوم
تناول الفراولة والطماطم والسبانخ والقرنبيط بكثرة والباد نجان
لعلاج تآكل العظام تناول الكرنب والجزر لأنهما غنيان بالكالسيوم
لعلاج البروستاتا تناول البطيخ مع نحت قشرة البطيخ شرب مغلى البقدونس
أو بدور القرع ساخنا .يؤكل الكرنب
وتناول البصل المقطع فى خل التفاح لمدة أسبوع
لعلاج قرحة المعدة :تناول الطماطم والكرنب والكرفس والبطاطس والجزر
والتفاح والبقدونس والعرقسوس
لعلاج الشعر الضعيف تناول الجزر والفلفل الأحمر الرومى والبقدونس والكرنب
والسبانخ واللفت والتوت حيث يتوافر بها
عنصر السيليكون الدى
يقوى الشعر ويلمعه
لعلاج أمراض الشيخوخة تناول الجزر
والكرفس والبطيخ والبقدونس والكرنب والسبانخ .شرب اللبن الرائب مع الخميرة البيرة
والعسل الأسود
والإستمرار فى د لك يبعد عنك الشيخوخة إنشاء الله
لعلاج خشونة الجلد :تناول المشمش والعنب والكمثرى والتفاح والكرفس
دهان الجلد بزيت الزيتون والجلسرين .دهان الوجه بعصير الخيار والخس
وعسل النحل .ومهروس الفرولة ينشط الجلد ويعالج تجاعيد الوجه ويشرق اللون
. ويجب الإبتعاد عن مستحضرات التجميل
لأنها تضر البشرة
وتوقف عمل الغدد التى ترطب البشرة . دلك الجلد بخل التفاح يزيد نعومة
الجلد .
لتحسين الدهن وروقان البال وتنشيط الدورة الدموية :مشروب القرفة مع اللبن
ولو كان بودرة
لتهدئة الأعصاب والشعور بالفرح شرب مغلى الريحان .وكدا شرب مغلى
الشعير
لتقوية عضلة القلب :شرب العسل النحل الأصلى ولن تجده
تناول الرمان .شرب القرنفل باللبن الحليب الطازج .أكل التفاح
لعلاج السرطان :تناول الثوم فص واحد على الريق بعد تقطيعه ومضغه
وتناول الجزر .والقرنبيط
الثوم :يشفى بإدن الله تعالى أربعين مرضا وينقى الدم من الدهون
والكوليسترول .وضيق الشرايين .وأمراض القلب .ولعلاج تصلب الشرايين
أيضا :شرب عصير التفاح الساخن .
زيت الزيتون :يعالج القلب والشراييين والكبد والمرارة ويمنع تكوين الحصوات
فى ا لمرارة .وكدا حبة البركة وزيتها
لتسكين ألام المفاصل :تدهن بزيت الورد .كيف نصنع زيت الورد ؟
نأتى بزيت زيتون أو عباد الشمس ونضعه فى زجاجة ونأخد كمية من الورد الأ صفر
ونضعه بالزجاحة التى بها الزيت ونضع الزجاجة فى الشمس لمدة أسبوعين مع خضها يوميا
.ويصفى الزيت بشاشة من القماش
والدهان منه يسكن ألام المفاصل
علاج الشعر :عصير البرسيم يطول الشعر للنساء .وعصير الجر جير يمنع
سقوط اشعر .وزيت الخروع يمنع سقوط الشعر .وزيت الزيتون يمنع الشيب وسقوط
الشعر .وكدا مغلى الصبار يمنع سقوط الشعر ويعطيه بريقا
ولمعانا .وكدا عصير البصل يمنع سقوط الشعر .ومغلى البقدونس يمنع سقوط الشعر
.
وللقضاء على قشرة الشعر :يرش مسحوق الملح الناعم على الشعر يقضى
على القشرة .
مغلى السلق يقوى الشعر .وزيت السمسم يطول الشعر وينعمه
لعلاج دوالى الساقين عصارة الصبار ندهن بها الأماكن المصابة.وكدا الدهان
بخل التفاح.مع إنقاص الوزن .وعدم الوقوف كثيرا.والتدليك بعسل النحل .
علاج
الأطفال
علاج الإسهال عند الرضع : يعطى لهم حساء الجزر والتفاح .ودلك بتقطيع الجزر والتفاح قطع صغيرة وغليها
فى الماء جيدا ويصفى ويضاف له درة ملح ويسقى للطفل كرضعة .ولزيادة لبن الأم فى
ثديها تأكل الشحوم والدهون والينسون والفجل .والبقدونس . وتبتعد عن شرب الخل لأنه
يجفف لبن الثدي . وعلاج التهاب الثدى بوضع كمدات مياه باردة .وإرضاع الطفل
طبيعيا حتى لايختزن اللبن ويزداد الإلتهاب .
لقتل الديدان عند الأطفال :ينقع شرائح البصل فى قليل من الماء طيلة الليل
ويصفى ويسقى للطفل .والثوم يقتل الديدان المعوية للأطفال
علاج الإمساك عند الكبار :شرب التمر هندى والإبتعاد عن شرب الشاى
والمخدرات والتدخين . وشرب الحلبة والجرجير والملوخية .والتوت والعنب وزيت
السمسم .
علاج تصلب الشرايين :تناول معلقة زيت درةعلى الريق .ومعلقتان عند النوم
لمدة أسبوعين .تناول الشيكوريا .تناول الثوم بعد مضغه على الريق
ومع السلطة .إضافة الكزبرة كتوابل على الأطعمة .وتناول الخرشوف
وعسل النحل .وأكل التفاح .
لعلاج ارتفاع ضغط الدم :شرب الكركديه المثلج والنعناع والخوخ والعسل الأسود
.والخميرة البيرة وشرب مغلى حبة البركة .
لعلاج وتنقية الدم :تناول التمر والكرفس والجرجير والخيار وشرب نقيع التمر
هندي .والقرفة .والرمان وعصير البرتقال وأكل الكرنب .
لعلاج الإيدز :يؤكل الثوم مهروسا فى العسل النحل على الريق مع شرب زيت حبة
البركة محلى بالعسل النحل .وشرب مغلى حبة البركة أثناء النهار
ويحلى بالعسل . وأسباب الإيدز (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ
كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) الإسراء
(وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا
تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ
وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) الأنعام (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ
مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ
أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) الشعراء (وَلُوطًا إِذْ قَالَ
لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ
الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ
النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) الأعراف (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ
الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) فالشدود الجنسى من أسباب مرض الأيدز وكدا
نقل
الدم الملوث أو الزنا بحاملين مرض الإيدز .وكدا أطفال مرضى الإيدز وحضانة
الفيروس للإيدز تمتد من 6شهور إلى 6سنوات ويشعر مريض الإيدز بإلارهاق مدد طويلة
بدون أى سبب .وارتفاع الحرارة وتصبب العرق بغزارة .ضيق فى النفس وسعال مستمر .ظهور
بقع حمراءعلى سطح الجلد .فقد سريع فى الوزن .ظهور أمراض الجهاز الهضمى وهى
كاند يا الأبيض على اللسان وتجويف الفم والبلعوم وصعوبة البلع.
علاج الإنفلونزا: شرب الشوربة باللحم أو الطيور باليمون .تناول فص ثوم على
الريق ومضغه .شرب الزنجبيل .ومغلى النعناع .والقرفة .
لعلاج الكحة :
تناول عتصير البرتقال وعسل النحل .مشروب العرقسوس .مشروب الينسون .بلع
الثوم با للبن .تناول التين يخلص الشعب من المخاط الزائد المتراكم ويطرده للخارج
.تناول الشطة الخضراء .شرب الزنجبيل .
وتناول الخس .والكزبرة وشرب مغلى حبة
البركة .وورق الجوافة .
علاج التهاب المثانة
البولية وانحباس البول
شرب مغلى الشعير .ويؤكل الخس .آكل البصل نيئا .شرب نقيع التمر هندي
تناول الزبيب .شرب مغلى ورق العنب .تناول البقدونس والتفاح والكمثرى
شرب زيت الزيتون
لعلاج القراع
تدلك الرأس بعصير البصل أوالبقدونس أو الثوم أو الصبار
علاج التينيا والتهاب
الجلد
يدلك الجلد بمهروس تفاحة مع زيت بدر الكتان
علاج السنطة
تدلك بمهروس الثوم .اوكمادة من البصل المهروس لمدة أسبوع
علاج بلع طفل مسمار
نطعم الطفل بطاطا مسلوقة .فتغلف المسمار وغيره حتى يصل للأمعاء بسلام
للوقاية من
الإجهاد
تناول السكر أو اللحوم أو مارس الرياضة
علاج عضة الثعبان
نعمل قطع طولى ونشفط السم .ولو تعثر دلك تبول على العضة
مرض الخرف (الزايمر )
يجب عدم حفظ الخضار فى الأوانى الألومنيوم حتى لايحدث تفاعلات وتسبب مرض
الخرف وتأخر نمو الداكرة عند الأطفال وتناول الموز .
والقرنفل مقاوم لضعف الداكرة
علاج فقر الدم
تناول العسل الأسود.وكدا البنجر المسلوق .والطماطم والتفاح .
تفتيح لون الجلد عند النساء :
تستخدم الحلاوة لنزع الشعر وهى تفتح لون الجلد وتخفف كثافة الشعر
وتصنع كالأتى : ( كوب سكر .نصف ليمونة .كوب ونصف ماء .فص مستكة )يغلى الجميع
على النار .حتى اللون الدهبى .وحتى يصل إلى التماسك .باختبار جزء منها على طرف
المعلقة على رخامة .وحاولى تحريكها .وإلا يعاد للنار حتى يتماسك القوام .
لإخراج الشعيرات تحت الجلد بعد إستخدام الحلاوة .ادعك عصير ليمون مضاف إليه
ملح ناعم وافركى فتخرج الشعيرات الضئيلة المختفية .
لتبيض الأسنان
اعصر ليمونة على قطنة وادعك بها أسنانك.
لإزالة الخلايا الميتة من
الوجه :
ادعك وجهك بالليمون والسكر الناعم ودلك للوجه والكعبين وكلف الحمل ثم
بعد دلك الجلد بقطرات من زيت الزيتون .وكدا ورق البقدونس . والصبار.
ولعلاج اللون الداكن للجلد بين الفخدين وتحت الأبط وثناياالجسم :
ضع مقدار من النشا مع معلقة عصير ليمون وادعكهم كالكريم وادهن المناطق
الداكنةبها واتركه ربع ساعة ثم اغسل الجلد
علاج الإنتفاخ :
شرب الكمون .والقرفة .والبقدونس والثوم والجزر .
علاج المغص المعدي والمعوى
شرب العرقسوس والسحلب والبقدونس والكمون والكراوية
لقتل الديدان المعوية :
تناول الرمان وحبة البركة والخيار
والترمس والجزر والبصل وبدور القرع مع السكر على الريق تقتل الدودة الشريطية
علاج الحموضة :
تناول الطماطم والبرتقال والجزر والتين والخس .
لعلاج الضعف العام :
تناول الحلبة والمغات والبلح والتين والعنب والموز والطماطم والفجل والعدس
والبصل والجزر .
لإفاقة المغمى عليه :نقرب بصلة مشقوقة من أنف المغمى عليه فيفيق.
لعلاج السكر :
تناول ومضغ فص ثوم على الريق .تناول الحلبة والترمس والبصل والخس
والكرات والتين الشوكى والليمون
للبول السكرى والقرنبيط والخيار
والجزر
لعلاج الدوسنتاريا :
تناول الرمان وورق العنب .والريحان والشعير والخروب والسحلب
لعلاج القولون :
تناول شراب البابونج .والسحلب .والميلسيا
لعلاج البواسير :
تناول الكرات والريحان .وحبة البركة .والكرنب .والطماطم والعنب
وكف مريم وقشر الرمان
علاج الربو:
شرب مغلى حبة البركة .والينسون والنعناع وتناول البصل والثوم على
الريق وتناول الكرنب
علاج ارتفاع الحرارة :
شيح بلدي شعير بقدونس
شمر خرشوف تمر هندى
علاج البهاق
ماء البصل والخل .الرمان .الثوم .عسل النحل .
علاج طفح الجلد :
تفاح .حلبة .جرجير بصل .
علاج توتر الأعصاب :
شرب مغلى حبة البركة .تناولالخميرة البيرة مع أي عصير .الريحان يؤكل أو
يشرب بعد غليه .البرتقال .مغات .تليو .نعناع بلدى .جزر ثوم زيت كرفس .ملوخية .خس .كرات .
علاج ضعف الداكرة :
تناول الموز .والقرع والخيار والشمر والحصلبان .والدمسيسة .
وفيما يلى بعض فوائد بعض الأغدية :
الأناناس :يحارب
السموم ويقوي الشهوة .والتهاب المفاصل
وتصلب الشرايين والصرع .وفقر الدم وعصر الهضم ويقوى الأعصاب
البرتقال :ينشط الدورة الد موية .ويفتح الشهية .ويعالج الأسنان
البصل :ينقى الدم ويعالج البروستاتا بنقعه فى الخل
التمر : يشفى الكبد بإدن الله عز وجل
الثوم :مطهر معوى ويطرد الرياح .ويخفض ضغط الدم المرتفع .ويعالج تصلب
الشرايين ويحدر الإفراط فى تناول الثوم فيؤخد فص واحد فقط
لأن له تأثير كاو .
الجرجير :يعالج الكبد والكلى .والإستسقاء .والحصى .والنقرس .والشهوة
الجزر :يقوى البصر ويسرع نمو الأطفال ويطرد الدود ومطهر للكلى
ويعالج الكبد
حبة البركة :تقوي الشهوة .ومهدئة للأعصاب .وتطرد الريح والنفخ
الحلبة :تقوى الشهوة .والحلبة المطحونة تسبب السمنة للضعفاء وتشربها
المرضعة فيزيد لبنها
الخميرة البيرة :تعالج أمراض المراهقة والطيش .تسبب النوم الهادىء
تعالج الدمامل وحب الشباب .
الشعير : مقوي للأعصاب والقلب ويفرحه .منشط للكبد مخفض لضغط الدم المرتفع
.ويعالج التهاب المثانة والكلى والمجارى البولية
الخروب :طارد للديدان ويعالج الإجهاد
والحمد لله رب العالمين
.
المراجع
القرأن الحكيم
الأحاديث النبوية
تدكرة داود د/سامى محمود
الأعشاب والجن منصور عبد الحكيم
ا
الخميس، 15 مايو 2014
لطرد الباعوض والذباب
لطرد الباعوض والذباب ورق النعناع والريحان يطرد الناموس والذباب بأخذ أفرع خضراء وتركها بالغرفة أونحضر نصف ليمونة ونضع بها عيدان القرنفل لطردالبرص من المنزل تبخير المنزل باللبان المر والشيح وحبة البركة ولمنع النمل من دخول المنزل من الشبابيك تدهن حواف الشباك بزيت السيارة المستعمل فتهرب من رائحته جميع الحشرات ولطرد القمل والبراغيث من المنزل نرش مغلى حبة البركة فىالمنزل
جمع الجوامع في الخطب المنبرية
جمع الجوامع في الخطب المنبرية
الإسلام
بين يديك
الجزء الأول
للشيخ/
سيد عبد الحميد حبيشه العنوان:19ح دبور من شارع
مسجد الرحمة قسم الساحل القاهرة
إمام
وخطيب مسجد الرحمن
ت022014079
المقدمة
المقدمة
الحمد لله
رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين
وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ,اشهد
أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله
اللهم
صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلي اله وصحبه والتابعين
أما بعد فإن
الأمة الإسلامية تمر اليوم بمنعطف خطير إذ تعيش في عصر العولمة الذي تحاول فيه
القوي الكبرى أن تذيب كل ضعيف وتصهره في بوتقتها لتفرض سياستها واقتصادها وثقافتها
بل وأساليب معيشتها حتى تتحول الأمم إلي دمي في يدها تتحرك بحركتها وتسكن بسكونها
تفكر بعقلها وتعمل لصالحها ومن يشعر بهذا الخطر الداهم يتحسس عناصر القوة في بني
قومه لتحفظ علي الأمة هويتها وعناصر القوة في أمة الإسلام تتمثل في الإسلام
بتعاليمه المحه عقائده وقواعده وشعائره وشرائحه
ذلكم أننا أمة يمثل الدين بالنسبة لها الروح من
الجسد فقد قوينا بقوته ونهضنا بنهضته وضعفنا بفتوره في قلوبنا وفي واقعنا ، وما
ذلك إلا أنه الدين القويم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
وأعداؤنا المتربصون بنا يدركون ذلك حق اليقين
ولذا فهم يسعون لاستئصال الدين من الجذور واجتثاثه من القلوب
لذا كتبت هذا الكتاب
لمواجهة المحاولات المبذولة لتشكيك المسلمين في دينهم بالأدلة المقنعة والبراهين
الساطعة
وهذا الكتاب هو باكورة عملي في مجال الخطابة ولقد واصلت الليل بالنهار حتى كان نورالمصباح يلتقى بنور الصباح وأدعو الله
أن يكون إسهاماً في توضيح سبيل الحق والخير وأدعو الله لجميع الذين أسدوا إلي
العون والمساندة في إخراج هذا الكتاب وإنجازه بجهودهم ودعواتهم وتشجيعهم وأرسل ذلك الجزء إلى موقع المنبر
حيث أننى لاأستطيع طباعته لإرتفاع التكاليف وخوفا من كتمان العلم وأطلب من سيادتكم
مساعدتى بمكافأة مالية لإرسال باقى الأجزاء.
ولا حول ولا
قوة إلا بالله العلي العظيم
وصلي
الله علي سيدنا محمد وعلي ء اله وصحبه وسلم
الشيخ
/ سيد عبد الحميد حبشه
خطيب مسجد الرحمن ت022014079
الخطبة
الأولي ذكرى
المولد النبوي الشريف
1
1
|
الحمد لله رب العالمين
الذي عطر الأزمان بذكري حبيبه ومصطفياه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
شرح لنبينا صدره ووضع عنه وزره ورفع له ذكره .
وأشهد
أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله خير من سعدت به الحياة والشفيع الأجل يوم الموقف
العظيم بين يدي الله عز وجل
اللهم
صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي ء اله وصحبه والتابعين
أما
بعد / فيا أيها المسلمون / نحمد الله تعالي الذي أنار الوجود بميلاد أكرم مولود /
ونعمة الله علي كل موجود / يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق العالمين / "
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ
حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ
رَّحِيمٌ " {128} التوبة
أيها
المسلون / إن خير ما نحيي به ذكري ميلاد النبي صلي الله عليه وسلم / أن تذكر ما
تحلي به من مكارم الأخلاق / وجميل الخصال / وعظيم الفعال / حتى يكون لنا فيه
الأسوة الحسنة / والقدوة الطيبة /
يقول
الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ
وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً " {21}
الأحزاب
أيها
المسلمون / لقد ولد رسول الله صلي الله عليه وسلم يتيماً / وأنه صادف من اليتم
أقسى صوره / ووصل إلي أبعد حدوده / فقد مات والده ولم يزل في بطن أمه / وخرجت به
أمه وهو دون السادسة إلي المدينة / لتزور به أخواله بيثرب / وطافت به أمه دور الحي
/ حتى وصلت إلي قبر زوجها عبد الله باكية منتحبة / وعرف سيدنا محمد صلي عليه وسلم
/ أن هذا قبر والده / الذي يضم أمله / فبكي / ثم رجعت به أمه ولكن في منتصف الطريق
/ أصابها المرض / وفاجأها الموت / ودفنت في قرية الإبراء / ورجع رسول الله صلي
الله عليه وسلم مع أم أيمن خادمة أمه / وحيداً بلا أب أو أم أو أخ أو أخت /لقد جعل
الله عز وجل اليتم له مهداً / وحين كان أترابه يلوذون بآباء لهم / ويمرحون
بين أيديهم / كان سيدناً محمد صلي الله عليه وسلم يقلب وجهه في السماء لم يقل قط
يا أبي / لأنه لم يكن له أب يدعوه / ولكنه قال / كثيراً ودائماً يارب / أي سر في
اليتم / حتى يختاره الله لأعظم عاملين لكلمته / مبلغين لرسالته / سيدنا المسيح
عيسي ابن مريم عليه السلام وسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم / أجل / فالمسيح أيضاً
كان يتيماً / وحين جاء الدنيا لم يجد له أباً / بل لقد أنبئ أنه لم يكن له أب علي
الإطلاق / وحين كان أترابه كذلك يباهون بآبائهم / ذهب هو يباهي بخير أب / فيشير
بكفه المضيئة إلي فوق / ويقول يارب / لقد اختار الله عز وجل لهما اليتم / ليفجر
الرحمة في نفسيهما تفجيراً / لقد جعل رسول الله صلي الله عليه وسلم / الرحمة
دستوراً وقانوناً / فقال صلي الله عليه وسلم " الراحمون يرحمهم الرحمن /
ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " 3353الترغيب والترهيب روي الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه
/
عن
جابر رضي الله عنه قال / كان النبي صلي الله عليه وسلم في سفر / فرأى رجلاً قد اجتمع
الناس عليه وقد ظلل عليه / فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم / ما له ؟ / قالوا
رجل صائم / فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم /
"
ليس البر أن تصوموا في السفر / وعليكم بر خصة الله التي رخص لكم / 1591 / الترغيب والترهيب
وروي
الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن جابر رضي الله عنه / أن رسول الله صلي
الله عليه وسلم " خرج عام الفتح إلي مكة في رمضان / حتى بلغ موضعاً يدعي كراع
الغميم / فصام وصام الناس / ولما رأي بعض الناس قد شق عليهم الصيام / بسبب وعثاء
السفر / دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه / ثم شرب / ولما قيل له / إن
بعض الناس لا يزال صائماً / فقال صلي الله عليه وسلم / أولئك العصاه " 1950 /
الترغيب والترهيب
أيها
المسلمون / إن رحمة النفس تفوق في اعتبار رسول الله صلي الله عليه وسلم كل شئ /
فهؤلاء الذين صاموا في السفر / وأدركهم الإعياء فلم يتخلوا عن صيامهم / يدمغهم
رسول الله صلي الله عليه وسلم بالعصيان / لأنهم حولوا العبادة إلي تعذيب / ولأنهم
تخلوا عن أعظم فضائل الإنسان / ألا وهي الرحمة / ولاسيما الرحمة بالنفس / واستبقاء
عافيتها وقوتها / روي الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه / عن أنس بن مالك رضي
الله عنه قال / جاء رهط إلي بيوت أزواج النبي صلي الله عليه وسلم / يسألون عن
عبادة النبي صلي الله عليه وسلم / فلما أخبروا كأنهم تقالوها / فقالوا / وأين نحن
من النبي صلي الله عليه وسلم ؟ / قد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر / قال
أحدهم / أما أنا فإني أصلي الليل أبداً / وقال ء اَخر / أنا أصوم الدهر ولا أفطر
أبداً / وقال ء اَخر / وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً / فجاء رسول الله صلي
الله عليه وسلم إليهم / فقال أنتم القوم الذين قلتم كذا وكذا ؟ / أما والله إني
لأخشاكم لله / وأتقاكم له / لكني أصوم وأفطر / وأصلي وأرقد / وأتزوج النساء / فمن
رغب عن سنتي فليس مني ) 2888/الترغيب والترهيب
لقد حمي رسول الله صلي الله عليه
وسلم حقوق النفس البشرية من كل عدوان / حتى ولو كان عدوان المبالغة في العبادة
والفضيلة / روي الإمام أبو داود رضي الله عنه بسنده / عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال / جاء رجل إلي رسول
الله صلي الله عليه وسلم / فقال / جئت أبايعك علي الهجرة / وتركت أبوي يبكيان ؟ /
فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم / أرجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما ) 3660 /الترغيب
والترهيب وروي الإمام الطبراني رضي الله عنه بسنده / عن أنس رضي الله عنه قال /
أتي رجل رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه / قال
رسول الله صلي الله عليه وسلم / هل بقي من والديك أحد / قال الرجل أمي / فقال رسول
الله صلي الله عليه وسلم / قابل الله في برها / فإذا فعلت ذلك / فأنت حاج ومعتمر
ومجاهد ) 3663/الترغيب والترهيب
أيها
المسلمون / إن رحمة النفس تتم عند رسول الله صلي الله عليه وسلم برحمة الوالدين
وبرهما / لأنهما مصدر هذه النفس ووعاؤها /
روي
الإمام الطبراني رضي الله بسنده / عن أبي ذر رضي الله عنه قال / سأل رسول الله صلي
الله عليه وسلم / ماذا ينجي العبد من النار /
قال
صلي الله عليه وسلم / الإيمان بالله واليوم الآخر / قلت يا رسول الله / مع الإيمان
عمل /
قال
صلي الله عليه وسلم / أن تعطي مما رزقك الله / قلت يا رسول الله / أرأيت إن كان
فقيراً لا يجد ما يعطي / قال صلي الله عليه وسلم / يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر
/ قلت يا رسول الله / إن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف / ولا يستطيع أن ينهي عن
المنكر /
قال
صلي الله عليه وسلم / فليعن الأخرق / أي الذي لا يحسن الصنعة )
قلت
يا رسول الله / أرأيت إن كان لا يحسن أن يصنع /
قال
صلي الله عليه وسلم / فليعن مظلوماً / قلت يا رسول الله / فإن كان ضعيفاً لا
يستطيع أن يعين مظلوماً / قال صلي الله عليه وسلم / ما تريد أن تترك لصاحبك من خير
/ ليمسك أذاه عن الناس / قلت يا رسول الله / أو إن فعل هذا يدخل الجنة / قال صلي
الله عليه وسلم / " ما من مسلم فعل خصلة من هذه الخصال / إلا أخذت بيده حتى
تدخله الجنة " 3434/الترغيب والترهيب
في
هذا الحديث النبوي الشريف / أوضح الرسول صلي الله عليه وسلم / أن أعمال الرحمة
والخير كثيرة / ولم يجعل قمة الثواب وقفاً علي من يفعلها جميعاً /بل إن واحدة منها
/ تأخذ بعد صاحبها حتى تدخله الجنة /
روي
الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه / عن أبي هريرة رضي الله عنه قال / سمعت
رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول / "جعل الله الرحمة مائة جزء / فأمسك عنده
تسعة وتسعين / وأنزل في الأرض جزءاً واحداً / فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق / حتى
ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه " رياض الصالحين صـ166ـ في هذا
الحديث النبوي الشريف / يوضح لنا الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم رحمة الله
الواسعة / فكل ما علي الأرض من رحمة تري مظاهرها / ليست سوي جزء واحد من مائة جزء
/ وأن الأجزاء التسعة والتسعين / أستأثر الله بها كي يرحم الناس بها / في يوم تشتد
إلي رحمته حاجتهم / فهذه صورة باهرة لرحمة الله عز وجل / تطرد عن الأفئدة كل فزع /
فالله أرحم بعباده من الأم بولدها /
والحمد
لله رب العالمين / وقال ربكم أدعوني أستجب لكم / أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة
الثانية
الحمد
لله رب العالمين
الحمد لله علي نعمة
الإسلام وكفي بها نعمة / الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران{102}
أما بعد / فيا أيها المسلمون / إن خير ما نحيي
به ذكري ميلاد النبي صلي الله عليه وسلم / أن تذكر ما تخلي به من مكارم الأخلاق /
وجميل الخصال / وعظيم الفعال / فتذكر في ميلاد الرسول صلي الله عليه وسلم ثباته
علي المبدأ / يوم عرض أشراف قريش عليه مباهج الحياة وزخارف الدنيا /فأبي إلا وفاء
للعقيدة / وفناء في سبيل الحق / فعندما جاءه أشراف قريش / يعرضون عليه الزعامة
والمال / أو يزوجوه أجمل إبكارهم / علي أن يترك الدعوة إلي الحق الذي بعث به / رفض
رسول الله صلي الله عليه وسلم ذلك / وقرأ عليهم صورة فصلت / حتى وصل إلي قول الحق
تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين / "
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ
وَثَمُودَ " فصلت{13} فأمسك عتبة بن ربيعه يفيه / وناشده الرحيم /
أن يكف عن القرءاة / وذلك خوفاً مما تضمنته الآية من تهديد / ونذكر في ميلاد رسول
الله صلي الله عليه وسلم / القائد الذي يتقدم الصفوف / ويحتمي به أصحابه في الشدة
يوم حنين وهو يقول صلي الله عليه وسلم ( أنا النبي لاكذب / أنا بن عبد المطلب /
روي الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال / كان
رسول الله صلي الله عليه وسلم / أحسن الناس / وأجود الناس / وأشجع الناس / لقد فزع
أهل المدينة ليلة / فانطلق ناس قبل الصوت / فتلقاهم رسول الله صلي الله عليه وسلم
راجعاً / قد سبقهم إلي الصوت / واستبرأ الخبر علي فرس لأبي طلحة عري والسيف في
عنقه / وهو يقول لن تراعوا " الشفا صـ89ـ
وقال
عمران بن حصين رضي الله عنه / ما لقي رسول الله صلي الله عليه وسلم كتيبة
إلا
كان أول من يضرب / الشفا صـ89ـ أيها المسلمون / إن احتفالنا بميلاد الرسول صلي
الله عليه وسلم/ هو أن نوحد كلمتنا وصفوفنا / ونبذل أقصي طاقاتنا للنهوض بأمتنا /
حتى نستطيع استرداد أرض الله المقدسة وأن نتمسك بكتاب الله وسنة نبيه / لتسعد بنصر
الله لنا الذي وعد / " وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
" الروم{47}
والحمد لله
رب العالمين / اللهم إنك عفو تحب العفو فأعف عنا
اللهم
اكفنا بحلالك عن حرامك / واغننا بفضلك عمن سواك /
اللهم
اغفر للمسلمين والمسلمات / والمؤمنين والمؤمنات / الأحياء منهم والأموات / إنك
سميع قريب مجيب الدعوات /
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة
المسلمين /
وصلي الله
علي سيدانا محمد وعلي آل سيدنا محمد وسلم تسليما" /
"وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" العنكبوت{45}
الخطبة
الأولي
ذكرى المولد النبوي الشريف
|
الحمد
لله رب العالمين الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له بدل
ظلمات الضلال بنور رسولنا إمام الرسل
وأشهد
أن محمداً عبد الله ورسوله أفضل والد ومولود وصاحب المقام المحمود والحوض المورود
والشفاعة العظمي يوم القيامة
اللهم صل
وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي ءاله وصحبه والتابعين
أما بعد / فيا أيها
المسلمون / نحمد الله سبحانه وتعالي الذي اصطفي من ينابيع / جوده سيدنا محمد صلي
الله عليه وسلم /
أكمل
الخلق روحاً وعقلاً / وأقومهم بدناً ورسماً / وأعلاهم قدراً وذكراً /وأرفعهم فضلاً
ونبلاً / وأشرفهم مجداً وعزاً / وأحسنهم خلقاً وخلقاً / وأصدقهم قولاً وفعلاً/
وأصفاهم طوية وقلباً / وأطهرهم نية وقصداً / وأهداهم طريقاً وهدياً / وأرشدهم
سلوكاً ومنهجاً / وأسددهم رأياً ومسلكاً / وأنبلهم غاية ومقصداً / وأكرمهم أصلاً /
وأعزهم بيتاً ومنبعاً أرسلةالله عز وجل برسالة عامة وشاملة للناس أجمعين / في جميع
الأزمنة والأمكنة/
يقول
الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين / " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا
كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَعْلَمُونَ " سبأ{28} أي ما أرسلناك يا محمد إلا للناس أجمعين /
مبشراً بثواب الله / ومنذراً عقابه / ويقول رب العزة تبارك وتعالي وهو اصدق
القائلين / " قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ
جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ
يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ
الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
" الأعراف{158} وضمانا لهذا العموم في الزمان والمكان/ وتحقيقاً
له / فقد تكفل الله عز وجل بحفظ الوحي /
يقول
الله سبحانه وتعالي وهو أصدق القائلين / " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا
الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " الحجر {9}
روي
الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن أبي هريرة رضي الله عنه قال / قال رسول
الله صلي الله عليه وسلم / " أنا سيد ولد ءآدم يوم القيامة / وأول من ينشق
عنه القبر / وأول شافع وأول مشفع " مسلم كتاب الفضائل باب تفصيل بينياً علي
جميع الخلائق
روي
الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه /
عن
محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال / قال رسول الله صلي الله عليه وسلم /
(
أنا محمد وأنا أحمد / وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر / وأنا الحاشر الذي
يحشر الناس علي عقبي / وأنا العاقب " الشفا حـ1 صـ189
فمن
أشهر أسمائه صلي الله وسلم محمد وأحمد / وهي مبالغة في الحمد لله عز وجل / وكثرة
الحمد عز وجل
فهو
صلي الله عليه وسلم أحمد المحمودين وأحمد الحامدين / ومعه لواء الحمد يوم القيامة
ليتم له كمال الحمد / ويشتهر في تلك العرصات (المواقف) بصفة الحمد /
ويبعثه
الله عز وجل مقاماً محموداً كما وعده / يحمده الأولون والآخرون بشفاعته لهم /و أما
الماحي فجاء معناه في الرواية للحديث بأنه الذي يمحو الله الكفر /
وفي
رواية أخري يمحو الله به سيئات من اتبعه
وأما
الحاشر الذي يحشر الناس علي عقبي / أي زماني وعهدي / فليس بعده
صلي
الله عليه وسلم نبي / مصدقاً بقول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين "
مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ
وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً " الأحزاب{40}
فلما كان لا أمة بعد أمته / لأنه لا نبي بعـده / نسب الحشر إليه / لأنه يقع
عقبه (الشفا حـ1 صـ191ـ) / وأما العاقب أي الذي ليس بعده نبي / فهو صلي الله عليه
وسلم خاتم النبيين / ومن أسمائه أيضاً نبي الرحمة / مصدقاً لقول الحق سبحانه
وتعالي وهو أصدق القائلين " وَمَـا أَرْسَلْنـَاكَ إِلَّا رَحْمَـةً
لِّلْعَالَمِينَ " الأنبياء {107} فهو صلي الله عليه وسلم مبعوث
بالرحمة / حيث أن الله عز وجل وضع في شريعته عن أمته ما كان في شرائع الأمم من
الآصال والأغلال / فلقد رفع الله عز وجل الحرج عن الأمة الإسلامية / مصدقاً لقول
الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين / " هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ
سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً
عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا
الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى
وَنِعْمَ النَّصِيرُ " الحج{78}
فالله عز وجل اصطفي أمة
الإسلام لحمل دينه / وقد من الله عز وجل علي هذه الأمة / بأن جعل شريعة الإسلام
سمحة/ ليس فيها تضيق ولاتشديد في تكاليفها وأحكامها كما في بعض الأمم قبلكم / فهذه الملة السمحة هي ملة أبينا
إبراهيم عليه السلام / وقد سمي الله عز وجل هذه الأمة الموحدة بالمسلمين / سمها
كذلك من قبل في الكتب المنزلة السابقة / وسماها كذلك في القرءان / ولقد اختص الله
عز وجل هذه الأمة بهذا الاختيار والاجتباء / ليكون خاتم الرسل سيدنا محمد صلي الله
عليه وسلم / شاهداً عليها بأنه بلغها رسالة ربه / وتكون هذه الأمة شهيدة علي الأمم
السابقة / بأن رسلهم قد بلغتهم / بما أخبرها الله عز وجل به في كتابه /
فعلي
أمة الإسلام أن تعرف لهذه النعمة قدرها / فتشكر ربها وتحافظ علي معالم الدين /
بأداء الصلاة بأركانها وشروطها / وإخراج الزكاة المفروضة / وأن تلجأ إلي الله عز
وجل وتتوكل عليه / فهو نعم المولي لمن تولاه / ونعم النصير لمن استنصره /
أيها المسلمون : / إن
الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون / روي الإمام البيهقي رحمه الله بسنده / عن أنس بن
مالك رضي الله عنه قال / قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (الأنبياء أحياء قي
قبورهم يصلون) روي الإمام ابن حبان رضي الله عنه في صحيحه / عن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال / قال
رسول الله صلي الله عليه وسلم /
"
إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة / فيه خلق ءآدم / وفيه قبض / وفيه النفخة / وفيه
الصعقة / فأكثروا علي من الصلاة فيه / فإن صلاتكم معروضة علي /
قالوا
يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت / يعني بليت ؟ / فقال صلي الله عليه
وسلم / إن الله عز وجل حرم علي الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ) 2520ت(كتاب الترغيب
والترهيب)
فالحياة
البرزخية حياة حقيقية ليست بوهيمية ولا خيالية / وهي ليست كحياتنا هذه / بل هي
حياة خاصة لائقة بهم / وبالعالم الذي هم فيه / كما أنه لا ينفي وجودها لكونا لا
ندركها / لأن ذلك من الغيب / والجوارح الدنيوية ليست لها قدرة علي إدراك أمور
الملكوت / إلا من شاء الله سبحانه وتعالي له ذلك /
فحياة
الأنبياء حقيقية للبدن وللروح معاً / وحياة الروح ثابتة للجميع / أما حياة البدن
فإن الله عز وجل حرم علي الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء /
يقول
الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين / " وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ
فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ "
البقرة {154} فهذه الدرجة حصلت للشهداء أجراً علي جهادهم وبذلهم أنفسهم
/ والأنبياء أعلي درجة وأكمل من الشهداء / فالأنبياء أحياء في قبورهم يصلون / ولله
در الشاعر حين قال /
تواترت الأدلة والنقول
بأن
المصطفي حي طري
وأن
الجسم منه بقاع لحد
وأن
الهاشمي بكل وصف
وتأتيه
الملاءك كل وقت
وتأتيه بأرزاق حسان
كذا
الأعمال تعرض كل يوم
فإن
كانت صلاحاً قام يدعو
وإلا
غير ذلك فهو يدعو
|
فما
يدري المصنف ما يقول
هلال ليس يطرقه أفول
كورد
لا يدنسه الذبول
جميل
لا يغيره الحلول
تحييه
وتسمع ما يقول
وبر
حيث يأمرها الجليل
عليه
كي يسر بها الرسول
إلي
المولي ليقبل ما يقول
ليغفرها
وقد صفح الجليل
|
روي
الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه / عن أبي هريرة رضي الله عنه قال / سمعت
النبي صلي الله عليه وسلم يقول ( من رءاني في المنام فسيراني في اليقظة / ولا
يتمثل الشيطان بي )
أخي
المسلم / هذا الحديث النبوي الشريف / من أعظم البشائر للمؤمن المحب
لسيدنا
رسول الله صلي الله عليه وسلم / الذي يتمني لو راءاه بأهله وماله / فقوله صلي الله
عليه وسلم من رءاني في المنام / فسيراني في اليقظة / أي سيري تفسير ما رأي / لأنه
حق وغيب ألقاه إليه الملك / وقيل معناه / فسيراه في القيامة /
والحمد لله
رب العالمين / وقال ربكم أدعوني أستجب لكم / أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة /
الخطبة
الثانية
الحمد
لله رب العالمين
الحمد لله علي نعمة
الإسلام وكفي بها نعمة / الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران{102}
أما بعد / فيا أيها المسلمون / روي الإمام
الترمذي رضي الله عنه بسنده /
عن
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال / قال رسول الله صلي الله عليه وسلم / ( أنا سيد
ولد ءآدم يوم القيامة ولا فخر / وبيدي لواء الحمد ولا فخر / وما من بني ءآدم يومئذ
فمن سواه إلا تحت لوائي / وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر ) 5292 الترغيب
والترهيب
فهو
صلي الله عليه وسلم قائد الخلائق في هذا الوقت إذا وفدوا علي ربهم / وهو خطيبهم /
وبيده صلي الله عليه وسلم لواء الحمد يوم القيامة / وتحت هذا اللواء سيدنا ءآدم
فمن سواه من الخلق / واللواء هو الراية التي يمسكها صاحب الجيش ورئيسه /
وأضيف
إلي اللواء الحمد / وهو الثناء علي الله عز وجل بما هو أهله / لذلك أعطي لواء
الحمد لأحمد الخلائق حمداً / وهو رسول الله صلي الله عليه وسلم /
روي
الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال / قال رسول
الله صلي الله عليه وسلم / ( أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة / وأنا أول من
يقرع باب الجنة ) وروي الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن أنس بن مالك رضي
الله عنه قال / قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( آتي باب الجنة يوم القيامة /
فأستفتح / فيقول الخازن من أنت / فأقول محمد / فيقول بك أمرت لأفتح لأحد قبلك / رواه مسلم كتاب الإيمان
وروي
الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما
/ أنه سمع النبي صلي الله عليه وسلم يقول / ( إذا سمعتم المؤذن / فقولوا مثل ما
يقول / ثم صلوا علي / فإنه من صلي علي صلاة صلي الله عليه بها عشراً / ثم سلوا
الله لي الوسيلة / فإنها منزلة في الجنة / لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله / وأرجو
أن أكون أنا هو / فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة )389 (كتاب الترغيب والترهيب)
فهو
صلي الله عليه وسلم أول من يأخذ بيده الشريفة حلقة باب الجنة / ويطرق بابها / وأنه
صلي الله عليه وسلم أول من يدخل الجنة من الخلق أجمعين /
وقيام
خازن الجنة له خاصة ليفتح له / فيه إظهار لمزيته ومرتبته صلي الله عليه وسلم / فخازن
الجنة مأمور ومنتظر لقدومه صلي الله عليه وسلم / وهذا يدل أن منزلته صلي الله عليه
وسلم أعلي منزله في الجنة وهي الوسيلة / اللهم ءآت سيدنا محمداً الوسيلة والفضيلة
/ وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد / والحمد لله رب العالمين
/
اللهم
اغفر للمسلمين والمسلمات / والمؤمنين والمؤمنات / الأحياء منهم والأموات / إنك
سميع قريب مجيب الدعوات / أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين /
وصلي
الله علي سيدانا محمد وعلي آل سيدنا محمد وسلم تسليما" /
"وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" العنكبوت{45}
ذكرى المولد
النبوي الشريف
|
الخطبة الأولي
الحمد
لله رب العالمين الذي شرفنا وجعلنا من أمة حبيبه ومصطفاة خاتم النبيين وسيد
المرسلين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شرح لنبينا صدره/ ووضع عنه
وزره / ورفع له ذكره.
وأشهد
أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله خير من سعدت به الحياة /والشفيع الأجل يوم الموقف
العظيم بين يدي الله عز وجل.
اللهم
صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي ء اله وصحبه والتابعين
أما
بعد / فيا أيها المسلمون / نحمد الله تعالي الذي أرسل رسوله رحمة للعالمين / يقول
الله تعالي وهو أصدق القائلين " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً
لِّلْعَالَمِينَ " {107} الأنبياء
روي
الإمام الحاكم رضي الله عنه بسنده / عن أبي هريرة رضي الله عنه قال / قال رسول
الله صلي الله عليه وسلم ( إنما أنا رحمة مهداه) 2583 الجامع الصغير للسيوطى
روي
الإمام البيهقي رضي الله عنه بسنده / قال معرض اليمامي رضي الله عنه / حججت مع
النبي صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع / فدخلت داراً بمكة / فرأيته صلي الله
عليه وسلم وفيها / ووجهه مثل دارة البدر / ورأيت منه عجباً / جاء رجل من أهل
اليمامة بغلام يوم ولد / وقد لفة في خرقة
/ فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم / يا غلام من أنا ؟ / فقال الغلام / أنت
رسول الله / فقال صلي الله عليه وسلم صدقت / بارك الله فيك / ثم إن الغلام لم
يتكلم بعد ذلك حتى شب / فكنا نسميه مبارك اليمامة /
أيها
المسلمون / فكما أنطق الله تعالي سيدنا عيسي عليه السلام وهو صبي / فأيده وبرأ أمه
/ أنطق الله عز وجل غلام اليمامة قبل أن يبلغ سن الكلام تأييداً لرسولنا صلى الله
عليه وسلم الله عليه وسلم الله عليه وسلم الله عليه وسلم الله عليه وسلم الله عليه
وسلم فشهد برسالته ومما أيد به رسولنا وقواه / ونشربه فضله / ورفع ذكره وأعلاه / تبشير
سيدنا عيسي عليه السلام به صلي الله عليه وسلم / يقول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق
القائلين " وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ
إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ
التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ "
{6} الصف
أيها
المسلمون / إن بشارة المسيح بأحمد صلي الله عليه وسلم ثابتة بهذا النص / وقد قيد
عليه السلام رسالته بالتبشير بقدوم رسولنا حبيب الله مصطفاة / وما يبشر إلا بالمهم
/ الذي تعني به النفوس وتهتم / فتبشير
عيسي عليه السلام برسولنا تعظيم له صلي الله عليه وسلم / وتنويه بجاهه
الكبير الذي دونه كل جاه / وما فوقه إلا جاه مولاه جل علاه / "رَفِيعُ
الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ" {15} غافر
روي
الإمام مالك رضي الله عنه في الموطأ / عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال / قال
رسول الله صلي الله عليه وسلم : / (لي خمسة أسماء / أنا محمد / وأنا أحمد / وأنا
الماحي الذي يمحو الله بي الكفر / وأنا الحاشر الذي يحشر الناس علي قدمي{ أي عهدي }/
وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي ) الشفا 189 حـ1
أيها
المسلمون : / إن اختيار سيدنا عيسي عليه السلام في ندائه من أسمائه صلي الله عليه
وسلم / ا سمه أحمد / الدال علي أنه صلي الله عليه وسلم / أكثر الناس حمداً / فهو
صلي الله عليه وسلم أعظم المحمودين / وأحمد الحامدين من الأنبياء والمرسلين /
ولذلك خص بلواء الحمد يوم القيامة / ليتم له كمال الحمد / ويشتهر في تلك (المواقف)
بصفة الحمد / ويبعثه الله مقاماً محموداً كما وعده / يحمده فيه الأولون والآخرون /
بشفاعته لهم صلي الله عليه وسلم
روي
الإمام الترمذي رضي الله عنه بسنده / عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال / قال
رسول الله صلي الله عليه وسلم / " أنا سيد ولد ءآدم يوم القيامة ولا فخر /
وبيدي لواء الحمد ولا فخر / وما من بني
ءآدم يومئذ فمن سواه إلا تحت لوائي / وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر / وأنا لوائي / وأنا
أول شافع / وأول مشفع ولا فخر " 5292 الترغيب والترهيب
فهو
صلي الله عليه وسلم بإذن الله تعالي / صاحب الشفاعة العظمي في فصل القضاء / والشفيع
الأعظم لمؤمني أمته في الخروج من النار / ورفع الدرجات يوم القيامة /
روي
الإمام ابن عساكر رضي الله عنه بسنده / عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال / قال
رسول الله صلي الله عليه وسلم ( أنا دعوة إبراهيم / وكان آخر من بشربي عيسي ابن
مريم) 2703 الجامع الصغير للسيوطى روي الإمام مسلم رضى الله عنه فى صحيحه/ عن
عائشة رضى الله عنها قالت فىمجمل أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم
الله عليه وسلم الله عليه وسلم الله عليه وسلم الله عليه وسلم:"كان خلقه
القرءان "638 الجامع الصغير للسيوطى
فما
تضمن القرءان الكريم من أخلاق كريمة هي أخلاق رسولنا / أفضل الخلق علي الإطلاق صلي
الله عليه وسلم / والأخلاق الكريمة هي شريعة الحق / التي لا يختلف في فضلها ومزاياها
أحد من الخلق / وبها ملك صلي الله عليه وسلم قلوب العقلاء / وغني بها عن المعجزات
وخوارق العادات الحسيات / علي أنه صلي الله عليه وسلم ظهر علي يديه كثير من تلك .
المعجزات / عندما سئل أهل مكة النبي صلي الله عليه وسلم أن يريهم ءاية / فأراهم
انشقاق القمر / ونزل قول الله تعالي وهو أصدق القائلين "اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ
الْقَمَرُ {1} وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا
وَيَقُولُوا
سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ "{2} سورة القمر " أخبر الله تعالي بوقوع انشقاقه بلفظ
الماضي / وإعراض الكفرة عن ءآياته / وأجمع المفسرون وأهل السنة علي وقوعه / وتكثير
الطعام ببركته صلي الله عليه وسلم ودعائه / العديد من المرات /ومثال ذلك / يوم
الخندق / عندما أكل رجال الخندق / صاع شعير وعناق / {وهي أنثي الماعز }/ وكان
عددهم ألف رجل / وقال سيدنا جابر رضي الله عنه / أقسم بالله أن الجيش أكل حتى
تركوا الأكل / وأن البرمة لتغط كما هي /{ أي مليئة باللحم }/ , وأن عجيننا
ليخبز ببركة الرسول صلي الله عليه وسلم
ودعائه / وكذلك كلام الشجر وشهادتها بالنبوة وإجابتها دعوته / عن بريده رضي الله
عنه قال : / سئل أعرابي النبي صلي الله عليه وسلم ءآية / فقال صلي الله عليه وسلم
له / قل لتلك الشجرة رسول الله صلي الله عليه وسلم يدعوك / قال فمالت الشجرة عن
يمينها وشمالها وبين يديها وخلفها / فتقطعت عروقها / ثم جاءت تخ الأرض / تجر
عروقها مغبرة / حتى وقفت بين يدي رسول الله صلي الله عليه وسلم / فقالت السلام
عليك يا رسول الله / قال الأعرابي مرها فلترجع إلي متبتها / فرجعت / فدلت عروقها
فاستوت / فقال الأعرابي : / ائذن لي أسجد لك / قال صلي الله عليه وسلم / لو أمرت
أحداً أن يسجد لأحد / لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها / قال الأعرابي فإذن لي أن أقبل
يديك ورجليك / فأذن له ) الشفا صـ253ـ حـ1 ، وهناك الكثير من معجزاته الحية التي
لا تعد ولا تحصي / وصدق من قال
أليس انشقاق البدر معجزة له
وسجدة أجمال وسجدة ظبية
وتسبيح حصباء اليمين يمينه
وإخبار عضو الشاة أني مسمم
ويوم دعا الأشجار من غير حاجة
وأشبع يوم الخندق الجيش كله
وفي ثمد أهوي بسهم فلم يزل
ومسرى رسول الله من بطن مكة
فأم بها الأملاك والرسل وانثني
فلمادنا من قاب قوسين رفعة
|
وظل غمام الجو عند الهوا جر
وحنة جذع من هشيم المنابر
وفيض زلال الماء يوم العساكر
فتبا لأفعال اليهود الأصاغر
سعت نحو خير الخلق سعي مبادر
بصاع شعير كان في بيت جابر
يجيش لهم بالري من غير حافر
إلي المسجد الأقصى كلمحة ناظر
إلي الملا الأعلى بقدرة قادر
وألبسه الرحمن تاج المفاخر
|
أيها المسلمون : / إن
الرسول صلي الله عليه وسلم يكفيه فخراً المعجزة الخالدة القرءان العزيز / الباهرة
ءآياته / الظاهرة معجزاته/ الباقية ءآياته ما بقيت الدنيا/ مع تكفل الله عز وجل
بحفظه يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين
"
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " الحجر {9}
يقول
الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين " لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ
يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ " فصلت{42}
والقرءان الكريم هو الذي لم تنته الجن حين سمعته
أن قالوا " إِنَّا سَمِعْنَا
قُرْآناًعَجَباً "{1} يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ
وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً " الجن{1 ،2} هو الذكر الحكيم
/ والنور المبين / والصراط المستقيم / وحبل الله المتين / والشفاء النافع / عصمة
لمن تمسك به / ونجاة لمن اتبعه / فتح الله به أعينا عمياً ، و ءآذنا صما / وقلوباً
غلفا / فيه ينابيع العلم وفهم الحكمة / وربيع القلوب / يسر الله حفظه لمتبعيه يقول
الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين \وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ
فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ " القمر{17}أما سائر الأمم لا يحفظ كتابها
الواحد أما القرءان الكريم ميسر حفظةً للغلمان في أقرب مدة/.والحمد لله رب العالمين ، وقال ربكم أدعوني أستجب لكم ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة
الثانية
الحمد
لله رب العالمين
الحمد
لله علي نعمة الإسلام وكفي بها نعمة /
الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ
اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم
مُّسْلِمُونَ
}{102}ءال عمران
أما
بعد / فيا أيها المسلمون / لما نزل قول الله تعالي علي الرسول صلي الله عليه وسلم{
وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }المائدة67 صرف صلي
الله عليه وسلم حراسه من أصحابه / فقد تولي حراسته مالك الملك / من لا يغفل ولا ينام /
"
اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ
نَوْمٌ " البقرة{255}
روي رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يقيل تحت
شجرة / {أي نائم وقت الظهيرة }/ فأتاه أعرابي فأخذ سيفه ثم قال / من يمنعك مني ؟ /
فقال صلي الله عليه وسلم : / الله عز وجل / فأرعدت يد الأعرابي / وسقط السيف من
يده وضرب برأسه الشجرة حتى سال دماغه / وعفا عنه الرسول صلي الله عليه وسلم فرجع
إلي قومه وقال / جئتكم من عند خير الناس / صـ290ـ الشفا
أيها
المسلمون : / إن رسول الله صلي الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً مع الخلق والخالق
/ وصدق من قال : /
رحمة كله وحزم وعزم
لا تحل البأساء منه عري الصبر
كرمت نفسه فما يخطر السوء
|
ووقار وعصمة وحياء
ولا تستخفه السراء
علي قلبه ولا الفحشاء
|
روي الإمام البزار رضي
الله عنه بسنده / عن أبي ذر رضي الله عنه قال : / قال رسول الله صلي الله عليه
وسلم : / " أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من قبلي / جعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً
/ وأحلت لي الغنائم ولم تحل لنبي كان قبلي / ونصرت بالرعب مسيرة شهر علي عدوي /
وبعثت إلي كل أحمر وأسود / وأعطيت الشفاعة / وهي نائلة من أمتي من لا يشرك بالله
شيئاً " 5283 الترغيب والترهيب والحمد لله رب العالمين / اللهم إنك عفو تحب
العفو فأعف عنا / / اللهم أجعل القرءان الكريم ربيع قلوبنا / وجلاء همومنا / وذهاب
أحزاننا / ربنا أتمم لنا نورنا وأغفر لنا إنك علي كل شئ قدير / اللهم أنصر الإسلام وأعز المسلمين / اللهم وفق
ولاة أمور المسلمين لما تحبه وترضاه / اللهم انصرهم علي أعداءك أعداء الدين /
اللهم أجعل مصر بلد ءآمنا وسائر بلاد المسلمين / اللهم ارزقنا خير العمل .
ربنا
هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً / اللهم أشف أمراضنا
وأمراض المسلمين / اللهم وفق أبناءنا لما تحبه وترضاه
اللهم
أغفر للمسلمين والمسلمات / والمؤمنين والمؤمنات / الأحياء منهم والأموات / إنك
سميع قريب مجيب الدعوات
"
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين / وصلي الله علي سيدنا محمد
وعلي ءآل سيدنا محمد وسلم تسليماً /
"وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" العنكبوت{45}
الخطبة
الأولي
ذكري المولد النبوي الشريف
|
الحمد لله رب العالمين ، أذن للبشرية أن تستكمل رشدها ببعثه
النبي الخاتم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، أرسل رسوله هادياً
ومبشراً ونذيراً ، وداعياً إلي الله بإذنه وسراجاً منيراً ،
وأشهد أن محمداً عبد
الله ورسوله ، خير صدوق أمين ، بعث بخير دين
اللهم صل وسلم وبارك
علي سيدنا محمد وعلي ءاَله وصحبه والتابعين
أما بعد / فيا أيها
المسلمون / نحمد الله تعالي الذي أنار الوجود بميلاد أكرم مولود / ونعمة الله علي
كل موجود / يقول الله تبارك تعالي وهو أصدق القائلين " الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً
عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ
عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي
كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ
وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {157}
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي
لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ
فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ
وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " الأعراف {158}
روي الإمام مسلم رضي
الله عنه في صحيحه / عن أبي هريرة رضي الله عنه قال / قال رسول الله صلي الله عليه
وسلم / " (والذي نفس محمد بيد / لا يسمع لي أحد من هذه الأمة يهودي ولا
نصراني / ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به / إلا كان من أصحاب النار ) صحيح مسلم
باب الإيمان
وروي الإمام البخاري
رضي الله عنه في صحيحه / عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال / قال رسول الله
صلي الله عليه وسلم / ( أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي / نصرت بالرعب
مسيرة شهر / وجعلت علي الأرض مسجداً وطهوراً / فأيما رجل من أمتي أدركنه الصلاة فليصل
/ وأحلت لي الغنائم / ولم تحل لأحد قبلي / وأعطيت الشفاعة / وكان النبي يبعث إلي
قومه خاصة / وبعث إلي الناس عامة ) السيوطي صـ76ـ
يقول الحق تبارك وتعالي
وهو أصدق القائلين " وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي
إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ
مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ
" الصف{6}
أيها المسلمون / إن
أخبار رسول الله سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم موجودة في الكتب المتقدمة / فالأناجيل الموجودة حالياً
/ وإن كانت محرفة / إلا أنها قد بقي فيها ما يدل علي البشارة برسول الله صلي الله
عليه وسلم /ففي إنجيل يوحنا / في الفصل الخامس
عشر منه / قال يسوع المسيح عليه السلام / " إن البار قليط روح الحق /
الذي يرسله أبي يعلمكم كل شئ "
وقال يوحنا أيضاً / قال
المسيح عليه السلام ( إني لست عندكم بمقيم / والبار قليط روح القدس / الذي يرسله
أبي / هو يعلمكم كل شئ / وهو يذكركم كل ما قلت لكم / وقال أيضاً ( إن خيراً لكم أن
أنطلق لأبي / لأني إن لم أذهب لم يأتكم البار قليط ) / فقال أيضاً ( إذا جاء روح
الحق / ذلك الذي يرشدكم إلي جميع الحق / لأنه ليس ينطق من عنده / بل يتكلم بما
يسمع / ويخبركم بكل ما يأتي ) أيها المسلمون / إن البار قليط كلمة يونانية قديمة /
تعني أحمد باللغة العربية / كما أن بار قليط / اسم فريد لم يعط لأحد من قبل / إذ
حجز بصورة معجزة لخاتم الأنبياء والرسل وأجدرهم بالثناء / ذلك لأن اسم بار قليط /
لم يطلق علي آي عربي قبل النبي صلي الله عليه وسلم / " وَإِذْ قَالَ عِيسَى
ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم
مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ
يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ " الصف{6} ورسولنا أحمد صلي
الله عليه وسلم / هو أحمد الحامدين / كما أن اسمه في السماء أحمد / ولأنه أحمد
الناس لربه / وأن الله عز وجل بفتح عليه
في المقام المحمود / بمحامد لم يفتح بها علي أحد قبله / ومن ذلك قوله صلي الله
عليه وسلم / ( فأنطلق يوم القيامة فأتي تحت العرش / فأقع ساجداً لربي / ثم يفتح
الله علي / ويلهمني من محامده / وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه علي أحد قبلي /
ثم يقال / يا محمد ارفع رأسك / سل تعطه / واشفع تشفع / فأرفع رأسي فأقول أمتي يارب
/ أمتي يارب / أمتي يارب / فيقال يا محمد
/ أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة / وهم شركاء
الناس فيما سوي ذلك من الأبواب " 5293 ت روي الإمام البخاري رضي الله عنه في
صحيحه / عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال / قال رسول الله صلي الله عليه وسلم
/ ( لي خمسة أسماء / أنا محمد وأنا أحمد / وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر /
وأنا الحاشر الذي يحشر الناس علي قدمي زماني وعهدي / وأنا العاقب ) الشفاصـ189ـ
(أي الذي ليس بعده نبي /
أيها المسلمون / إن
التوراة وإن كانت محرفه / إلا أنه قد بقي فيها ما يدل علي البشارة برسول الله صلي
الله عليه وسلم / فالبشارة الأولي في الباب الثامن من سفر التثنية / وردت هكذا علي
لسان سيدنا موسى عليه السلام / " وسوف أقيم لهم نبياً مثلك من بين أخوتهم /
واجعل كلامي في فمه / ويكلمهم بكل شئ ءآمره به / ومن لم يطع كلامه الذي يتكلم به
باسمي / فأنا أكون المنتقم " والمقصود بهذه النبوة في التوراة هو سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وجاء في التوراة أيضاً
أخبار عن رسول الله سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم / وأوصاف تؤيد صدقة في نبوته /
وهي دلائل قوية لإقامة الحجة علي أهل الكتاب / فقد روي عن ثعلبة بن هلال / وكان من
أحبار اليهود حينما سأله أمين المؤمنين سيدنا عمر أبن الخطاب رضي الله عنه وقال له
/ أخبرني بصفات النبي صلي الله عليه وسلم في التوراة / فقال إن صفته في توراة بني
هارون التي لم تتغير ولم تبدل هي / أحمد من ولد إسماعيل بن إبراهيم / وهو ءآخر
الأنبياء / وهو النبي العربي / الذي يأتي بدين إبراهيم الحنيف / معه صلاة لو كانت
في قوم نوح ما أهلكوا بالطوفان / ولو كانت في عاد ما أهلكوا بالريح / ولو كانت في
ثمود ما أهلكوا بالصيحة / يولدا بمكة / وهو أمن لا يكتب ولا يقرأ المكتوب / وهو
الحماد يحمد الله في الشدة والرخاء / صاحبه من الملائكة جبريل / يلقي من قومه آذى
شديد / ثم تكون له الدولة عليهم / فيحصدهم حصيداً / تكون الواقعات بيثرب / منها له
/ ومنه عليها /. ثم له العاقبة / معه قوم هم أسرع إلي الموت من الماء علي رأس
الجبل إلي أسفله / صدورهم أناجيلهم / وقرباتهم دما ؤهم / ليوث النهار / أي أسود /
رهبان الليل وهو يرعب العدو مسيرة شهر / يباشر القتال بنفسه / ثم يخرج ويحكم لا
حرس ولا حجاب / الله يحرسه /
وعندما ذهب وفد نصاري
نجران لرسول الله صلي الله عليه وسلم / ليناقشوه في الدين الإسلامي / وقف خبرهم
أبو حارثة بن علقمة علي بغلة له / وبجانبه أخ له يقال له كوز بن علقمه / وكان أبو
حارثة متعجرفا / وهنا ظهرت معجزة لرسول الله صلي الله عليه وسلم / بأن غاصت أرجل
بغلة أبي حارثة بن علقمه / فقال كوز / تعس الأبعد / يريد رسول الله صلي الله عليه
وسلم / فقال له أخوه / بل أنت تعست / فقال ولم يا أخي / فقال والله إنه للنبي الذي
كنا ننتظر / فقال له كوز / وما يمنعك من الإسلام وأنت تعلم هذا / قال لولا شرفنا وخوفنا من ضياع هيبتنا بين
الرومان / الذين يعينونا بالأموال / لا تبعناه وبشرنا به بين قومنا / فأسلم كوز بن
علقمه / وبشر بما سمع من أخيه / يقول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين /
"الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ
أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ "
الأنعام{20}
والحمد لله رب العالمين
/ وقال ربكم أدعوني أستجب لكم /ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة /
الخطبة
الثانية
الحمد
لله رب العالمين
الحمد لله علي نعمة
الإسلام وكفي بها نعمة / الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران{102}
أما بعد / فيا أيها المسلمون / يقول الله تبارك
وتعالي وهو أصدق القائلين " وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ
لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ
وَحِكْمَةٍ
ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ
وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي
قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ{81}
فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" آل عمران{82}
روي
الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه / عن ابن عباس رضي الله عنهما قال / ما بعث
الله نبياً إلا أخذ عليه العهد / لئن بعث محمد صلي الله عليه وسلم وهو حي ليؤمنن
به ولينصرنه / وأمره بأخذ الميثاق علي أمته / إن بعث محمد صلي الله عليه وسلم وهم
أحياء / ليؤمنن به ولينصرنه " سبل الهدي حـ1 صـ108ـ فالنبي صلي الله عليه
وسلم نبي الأنبياء / فجميع الأنبياء تحت لوائه في الآخرة / وفي الدنيا كذلك / حيث
صلي بهم ليلة الإسراء والمعراج /
ولهذا
يأتي سيدنا عيسي عليه السلام في آخر الزمان / علي شريعته صلي الله عليه وسلم / وفي
هذا يقول الرسول صلي الله عليه وسلم ( لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني )
سبل الهدي والرشاد حـ1 صـ110ـ وصدق من قال
وكل
ءآي أتي الرسل الكرام بها / فإنما اتصلت من نوره
بهم
فإنه شمس
فضل هم كواكبها / يظهرن أنوارها للناس
في الظلم
لك
القرب من مولاك يا أشرف الورى / وأنت لكل المرسلين
ختام
وأنت
لنا يوم القيامة شافع / وأنت لكل الأنبياء
إمام
عليك
من الله الكريم تحية / مباركة مقبولة وسلام والحمد لله رب العالمين /
اللهم إنك
عفو تحب العفو فاعف عنا / اللهم فقهنا في ديننا / اللهم اجعل القرءان الكريم ربيع
قلوبنا / وجلاء همومنا / وذهاب أحزاننا / ربنا أتمم لنا نورنا وأغفر لنا إنك علي
كل شئ قدير ربنا ءاَتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً / ربنا هب لنا من
أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً اللهم شتت شمل اليهود ومن
عاونهم / اللهم رد المسجد الأقصى وما حوله للمسلمين / اللهم انصر الإسلام شتت شمل
اليهود ومن عاونهم / اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لما تحبه وترضاه / اللهم انصرهم
علي أعداءك أعداء الدين / اللهم اجعل مصر بلداً ءآمناً وسائر بلاد المسلمين /
اللهم اشف أمراضنا وأمراض المسلمين / اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات / والمؤمنين
والمؤمنات / الأحياء منهم والأموات / أنك سميع قريب مجيب الدعوات / أقول قولي هذا
وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين / وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي ءآل سيدنا
محمد وسلم تسليماً /
"وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" العنكبوت{45}
الخطبة
الأولي ذكري
المولد النبوي الشريف
|
الحمد لله رب العالمين
الذي أنار الوجود بميلاد أكرم مولود ونعمة الله علي كل موجود/ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بدل ظلمات الضلال
بنور رسولنا إمام الرسل/ وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الموصوف في التوراة
والإنجيل اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي ءاَله وصحبه والتابعين أما بعد
فيا أيها المسلمون / يقول الله تعالي وهو أصدق القائلين / " الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً
عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَاهُـمْ
عَنِ الْمُنكَرِ
وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ
عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ
آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ
مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " الأعراف{157} ويقول
الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين / " وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا
بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي
اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ
{6} وأحمد اسم لنبينا محمد صلي الله عليه وسلم / ومعني أحمد أي أحمد
الحامدين لربه / أيها المسلمون :/ لقد تنبأ موسى عليه السلام بتوجيه الله له /
ببعث الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم في عدة مقاطع من التوراة منها / قال سيدنا
موسى عليه السلام / (جاء الرب من سيناء / وأشرق لهم من سعير / وتلألأ من جبال
فاران) إصحاح33 هذه البركة هي نبوءة بالأديان الثلاثة / فكما أعطي الله موسى عليه
السلام التوراة من جبل الطور بصحراء سيناء / سيشرق لهم من سعير / وهي الأرض
المباركة التي ولد فيها المسيح عيسى عليه السلام / وسكن بها / وهي مدينة علي بعد
كيلو ونصف / من مدينة بيت لحم / أما فاران :/ فهي مكة / وهي التي استقرت بها
السيدة هاجر رضي الله عنها أم إسماعيل عليه السلام / وقد ورد في التوراة أن سيدنا
إبراهيم عليه السلام أسكن ولده برية فاران / والمعروف أنه أسكنه بجوار الكعبة /
فتكون فاران هي مكة باعتراف التوراة نفسها / وتكون النبوة هي نزول الوحي بمكة /
وهذا كم يتم إلا لرسول الله سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وقال سيدنا موسى عليه
السلام (أقيم لهم نبياً من وسط إخواتهم مثلك / وأجعل كلامي في فمه / فيكلمهم بكل
ما أوصيه ) 18:18
وهذا معني قول الله عز
وجل :" وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى {3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {4}
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَي"النجم {3: 5}
وإذا قارنا بين قول
سيدنا موسى عليه السلام / وأجعل كلامي في فمه (فيكلمهم بكل ما أوصيه به ) وقول
سيدنا عيسي عليه السلام : (لأنه لا يتكلم من نفسه / بل كل ما يسمع يتكلم به /
ويخبركم بأمور ءآيته / وهذا النبي هو سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم / وهذا
الإعجاز هو القرءان الكريم / الذي يكشف لنا العلم كل يوم جديداً من وجوه إعجازه /
مما يثبت رسالة الرسول صلي الله عليه وسلم / وأن
القرءان الكريم تنزيل من حكيم حميد / لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه / وفي إنجيل متي / قال لهم يسوع :/ ( أما قرأتم قط في الكتب / الحجر الذي
رفضه البناءون / هو قد صار رأس الزاوية / من قبل الرب كان هذا / وهو عجيب في
أعيننا / لذلك أقول لكم : / إن ملكوت الله ينزع منكم / ويعطي لأمه تعمل أثماره )
[21: (42،43 ] ثم جاء الرسول الصادق الأمين صلي الله عليه وسلم / ليبين أن رسالته
خاتمة الرسالات / وأنه الذي أتم الله به البناء / وذلك في حديثه الشريف /
روي الإمام مسلم رضي
الله عنه في صحيحه / عن أبي هريرة رضي الله عنه / أن رسول الله صلي الله عليه وسلم
قال : ( مثلي ومثل الأنبياء من قبلي / كمثل رجل بني بنياناً فأحسنه وأجمله / إلا
موضع لبنه من زاوية من زواياه / فجعل الناس يطوفون به / ويعجبون له / ويقولون هلا
وضعت هذه اللبنة / قال : فأنا اللبنة / وأنا خاتم النبيين / صحيح مسلم ك حـ15
أيها المسلمون :/ وفي
إنجيل برنابا وهو أحد تلاميذ السيد المسيح عليه السلام اعتراف واضح باسم رسول الله
محمد صلي الله عليه وسلم / ورسالته إلي الناس كافة / وضوح الشمس في رابعة النهار
ومن عباراته :/
(فلما كان الناس قد دعوني الله وابن الله / علي
أنني كنت بريئاً في العالم / أراد الله أن يهزأ الناس بي في هذا العالم بموت يهوذا
/ معتقدين أنني الذي مت علي الصليب / لكيلا تهزأ الشياطين بي في يوم الدينونه /
وسيبقي هذا إلي أن يأتى محمد رسول الله / الذي متي جاء كشف هذا الخداع للذين
يؤمنون بشريعة الله / ومنها أيضاً لأن الله سيصعد بي من الأرض / وسيغير منظر
الخائن (يهوذا) حتى يظنه كل أحد إياي / ومع ذلك فإنه لما يموت شر ميته / أمكث في
ذلك العار زمناً طويلاً في العالم / ولكن متي جاء محمد رسول الله المقدس / تزال عني
هذه الوصمة / وسيفعل الله هذا لأنني اعترفت بحقيقة مسياً/ ومسياً كلمة أراميه / تعني رسول الله / الذي سيعطيني هذا
الجزاء / أي أن أعرف أني حي / وأني بريء من وصمة
تلك الميتة) وجاء رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم وفند هذة الفرية / يقول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين /
" وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ
اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ
الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ
إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً " النساء {157} روي الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه / عن
عطاء بن يسار قال :/ لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما / فقلت أخبرني
عن صفة رسول الله صلي الله عليه وسلم في التوراة / قال أجل / والله إنه لموصوف في
التوراة ببعض صفته في القرءان :/ ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً
ونذيراً / وحرزاً للأميين / أنت عبدي ورسولي / سميتك المتوكل / ليس بفظ ولا غليظ /
ولا سخاب في الأسواق / ولا يدفع بالسيئة السيئة / ولكن يعفو ويغفر / ولن يقبضه
الله حتى يقيم به الملة العوجاء / بأن يقولوا :/ لا إله إلا الله / ويفتح بها
أعيناً عمياً / وءآذنا صماً وقلوباً غلفاً ) صحيح البخاري كتاب
وري الإمام أبو داود
رضي الله عنه بسنده / عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال :/ (سمعت النجاشي يقول
:/ أشهد أن محمداً رسول الله / وأنه الذي بشر
به
عيسي / ولولا ما أنا فيه من أمر الملك / وما تحملت من أمر الناس / لأتيته حتى أحمل
نعليه ) كتاب أبو داود / هذا وقت ظهوره قد
اقترب ) سبل الورى الرشاد حـ1 صـ410ـ
أيها المسلمون :/ وهكذا
نجد الأخبار الماضية قد تضافرت علي البشارة برسول الله صلي الله عليه وسلم / حتى
أصبح ذلك عند أهل الكتاب من الأمور البديهية اليقينية / وصدق من قال
وغداً نبياً حيث كان
وءآدمُ سيكون
من ماءٍ وطيِن ترابِ
قضي الزمانُ ونعته وصفاته من
قبل مبعثه بكل كتابِ
أخباره مع سائر الأحبار
والرهبان والكهان والحساب
عرفوه قبل شهودِهِ بدلائلٍ عنوانهن مناسب الأنسابِ
ورأوه بدراً ساطعاً
متنقلاً بالنور
في الأرحام والأصلاب/
والحمد لله رب العالمين
/ وقال ربكم أدعوني أستجب لكم / أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة
الثانية
الحمد
لله رب العالمين
الحمد لله علي نعمة
الإسلام وكفي بها نعمة / الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران{102}
أما بعد / فيا أيها المسلمون / ذكر الإمام وهب
بن منبه في قصة داود عليه السلام / وما أوحي إليه من الزبور
"
وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً "
النساء{163} يا داود إنه سيأتي من بعدك نبي اسمه أحمد ومحمد صادقاً سيدا / لا أغضب عليه أبداً / ولا
يغضبني أبداً / وقد غفرت له قبل أن يعصيني ما تقدم من ذنبه وما تأخر / أمته مرحومة
/ أعطيهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء / وافترضت عليهم من الفرائض علي
الأنبياء والرسل / حتى يأتون يوم القيامة ونورهم مثل نور الأنبياء / وذلك أني
افترضت عليهم أن يتطهروا إلي كل صلاة / ما افترضت علي الأنبياء قبلهم / وأمرتهم
الغسل من الجنابة كما أمرت الأنبياء قبلهم / وأمرتهم بالجهاد كما أمرت الرسل قبلهم
/ يا داود إني فضلت محمداً وأمته علي كل الأمم / أعطيتها ست خصال لم أعطها
غيرهم من الأمم / لا أخذت بالخطأ والنسيان
/ وذنب ارتكبوه علي غير عمد واستغفروني منه غفرته لهم / ولهم في المدخر عندي أضعاف
مضاعفة من ذلك / وأعطيتهم علي المصائب في البلايا إذا صبروا وقالوا / إنا لله وإنا
إليه راجعون / الصلاة والرحمة والهدي إلي جنات النعيم / وإن دعوني أستجب لهم /
فإما يروه عاجلاً / وآمنا أن أصد عنهم سوءاً / وإما أدخره لهم في الأخره / يا داود
من لقيني من أمة محمد يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له صادقاً بها / فهو
في جنبي وكرامتي / ومن لقيني وقد كذب محمداً وكذب بما جاء به / واستهزأ بكتابي
صببت عليه العذاب في قبره / ثم أدخله الدرك الأسفل من النار / وروي الإمام البيهقي
رضي الله عنه بسنده / أخبرتنا أم عثمان بنت سعد بن محمد بن جبير ابن مطعم عن أبيها
/ عن أبيه قال : سمعت أبي جبيراً بن مطعم يقول / لما بُعث النبي صلي الله عليه وسلم وظهر أمره بمكة / خرجت إلي
الشام / فلما كنت ببصري أتتني جماعة من النصارى / فقالوا : / أمن الحرم أنت ؟ قلت
نعم / قالوا / أفتعرف هذا الذي تنبأ فيكم ؟ / قلت نعم / قال : فأخذوا بيدي
فأدخلوني داراً لهم فيها تماثيل وصور / فقالوا لي أنظر / هل تري صورة هذا النبي
الذي بعث فيكم / فنظرت فلم أر صورته / فقلت لا أري صورته / فأدخلوني ديراً أكبر من
ذلك الدير / فإذا فيه تماثيل وصور أكثر مما في ذلك الدير / فقالوا لي : / أنظر هل
تري صورته ؟ / فنظرت فإذا أنا بصفة رسول الله صلي الله عليه وسلم / فقالوا لي / هل
تري صفته ؟ / قلت نعم / قالوا هو هذا ؟ / وأشاروا إلي صفة رسول الله صلي الله عليه
وسلم / قلت :/ اللهم لقد أشهد أنه هو / قالوا : أتعرف هذا الذي ءاَخذٌ بعقبيه ؟/ قلت نعم / قالوا نشهد أن هذا صاحبكم وأن هذا
الخليفة من بعده ./ يقول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين " الَّذِينَ
آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ
فَرِيقاً
مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ " البقرة{146}
اللهم اغفر للمسلمين
والمسلمات / والمؤمنين والمؤمنات / الأحياء منهم والأموات / أنك سميع قريب مجيب
الدعوات /
أقول قولي
هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين / وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي ءآل
سيدنا محمد وسلم تسليماً "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا
تَصْنَعُونَ" العنكبوت{45}
ذكري المولد
النبوي الشريف
|
الخطبة الأولي
الحمد لله رب العالمين
الرحمن الرحيم / وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه الحكيم
" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ " الأنبياء{107}
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله المبعوث رحمة للعالمين .
اللهم صل وسلم وبارك
علي سيدنا محمد وعلي ءاَله وصحبه والتابعين
أما بعد / فيا أيها المسلمون
/ نحمد الله تعالي الذي أنار الوجود بميلاد أكرم مولود / ونعمة الله علي كل موجود
/ إن سيرة الرسول الأعظم صلي الله عليه وسلم هي القمة في كل أحوالها / حيث تفوق في
فضلها كل فضل معتبر للبشرية جميعاً / بما فيهم إخوته من الأنبياء عليهم السلام /
فسيرة النبي صلي الله عليه وسلم لها مذاق متميز عن سير غيره من الأنبياء والعظماء
/ يدركه عن كثب كل من أشرب قلبه حبه واطلع علي أحواله كلها / قبل البعثة وبعدها
حتى لقي ربه راضياً مرضياً صلي الله عليه وسلم / كما أن سيرة الرسول الأعظم صلي
الله عليه وسلم تفيض بها البرية في كل أحيانها (أوقاتها) هداية ورشداً / وتمتلأ
الدنيا بها أريجاً وعبيراً / فسيرته صلي الله عليه وسلم تحيى موات القلوب / وتذهب
بأدرانها/ فتعيش بتأسيها بالسيرة النبوية العطرةآمنة فىالدنيا /متطلعةإلى رضوان اللة تعالى ومغفرتة في أخراها / أيها
المسلمون : / إن الرسول صلي الله عليه وسلم هو السراج المنير / الذي تستضئ به
القلوب / وتستنير بهديه النفوس / ويهتدي بهدية السائرون / ويسير بنوره الحائرون /
أمد الله به نور البصائر / فكانت بعثته صلي الله عليه وسلم بشري صلاح/ وباب أمل /
ومفتاح سعادة / جاءت إلي الدنيا فغمرتها باليمن والبركة / لم تتوله عناية الأب /
لأنه صلي الله عليه وسلم ولد يتيماً / ولكنه تولته عناية الله عز وجل / ولم يقم
علي تربيته وتثقيفه معلم / لأنه صلي الله عليه وسلم ولد ليكون أستاذاً للبشرية
وصدق من قال
ولد الهدي فالكائنات
ضياء وفم
الزمان تبسم وثناء
يوم يتيه علي الزمان
صباحهُ ومساؤه
بمحمد وضاءُ
أيها المسلمون :/ إن
الرسول صلي الله عليه وسلم نشأ علي الأمانة والصدق والوفاء والود / وشب مبرءاً من
ضلالات الوثنية وإفكها الآثم / فكان ذلك تهيئةً له صلي
الله عليه وسلم / ليحمل أعظم أمانة وأكبر عبء لم يكن يستطيع تحملها غيره في تاريخ
الإنسانية كلها / لم يكن رسول الله صلي الله عليه وسلم مجرد إنسان درج علي هذه
الأرض كما يدرج آلاف الناس الذين تلدهم أمهاتهم في كل ساعة / ولكنه صلي الله عليه
وسلم كان روحاً للحياة / ونوراً للأحياء / لقد أطل الرسول صلي الله عليه وسلم علي
الدنيا إطلاله الفجر الصادق / فنشر النور في ربوعها / فولت جحافل الظلام مقهورة
مذعورة / إنه رسول يهدي ويعلم / وأب يحنو ويرحم / وأخ يبذل عن عراقةِ أصل / وسخاوةِ نفس /
وصديق ودود / يصل الرحم / ويحمل الكل / ويقري الضيف / ويعين علي نوائب الحق / عاش
في الدنيا غريباً كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها / أعطي الحياة كل شئ / لكنه
لم يأخذ منها لنفسه شيئاً / جعله الله سيد الناس / لكنه عاش مع الناس كواحد منهم /
يرقع ثوبه / ويخصف نعله / ويحلب شاته / ويخدم نفسه / ويشهد الجنائز / ويركب دابته
/ وينام علي الحصير /
روي الإمام أحمد رضي
الله عنه بسنده / عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : / (نام رسول الله صلي
الله عليه وسلم علي حصير / فقام وقد أثر في جنبه / فقلنا يا رسول الله : / لو
اتخذنا لك وطاءً ؟ فقال صلي الله عليه وسلم : (مالي وللدنيا / ما أنا في الدنيا
إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها ) السيوطي صـ487ـ
أيها المسلمون :/ إن
الرسول صلي الله عليه وسلم كان يعود المرضى في أقصي
المدينة / ويجيب من دعاه حتى لو دعي إلي كراعٍ لأجاب / غمر فضله كل شئ في أرض الله
الواسعة / فما من مخلوق يدب علي هذه الأرض من إنسان أو حيوان أو طير / إلا وقد
ناله نصيب من فيض رفقه ورحمته /
روي الإمام أحمد رضي
الله عنه بسنده / عن عقبه بن عامر رضي الله عنه / أن رسول الله صلي الله عليه وسلم
قال : (إن أنسابكم هذه ليست
بسبابٍ علي أحد/
وإنما أنتم ولد آدم/ طف الصاع لم تملاؤه ليس لأحد فضل على أحد إلا بالدين
/ أوعمل صالح ) 4352ت
وروي الإمام البيهقي
رضي الله عنه بسنده / عن أبي هريرة رضي الله عنه / عن النبي صلي الله عليه وسلم
قال : ( إن الله عز وجل أذهب عنكم عبية الجاهلية / وفخرها بالأباء / الناس بنو
ءآدم / وءآدم من تراب / مؤمن تقي / وفاجر شقي / لينتهين أقوام يفتخرون برجال إنما
هم فحم من فحم جهنم / أو ليكونن أهون علي الله من الجعلان / التي تدفع النتن
بأنفها) 4356ت
وروي الإمام مسلم رضي
الله عنه في صحيحه / عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :/ سمعت رسول الله صلي
الله عليه وسلم يقول : ( من لطم مملوكاً له أو ضربة/ فكفارته أن يعتقه) 3381ت وروي
الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال / بينما
نحن في سفر مع النبي صلي الله عليه وسلم إذ جاء رجل علي راحله له / فجعل يصرف بصره
يميناً وشمالاً / ينظر من يجود عليه ليسد حاجته / فقال رسول الله صلي الله عليه
وسلم / من كان معه فضل ظهر فليعد به علي من لا ظهر له / ومن كان له فضل من زاد
فليعد به علي من لا زاد له / فذكر من أصناف المال ما ذكر / حتى رأينا أنه لاحق
لأحد منا في فضل ) ( أي فاضل عن حاجته )رياض
الصالحين ص212 وروي الإمام أبو
داود رضي الله عنه بسنده / عن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال / مر رسول الله
صلي الله عليه وسلم ببعير (جمل) قد لصق ظهره ببطنه / فقال اتقوا الله في هذه
البهائم المعجمة / فاركبوها صالحه / وكلوها صالحه)3374ت وروي الإمام الترمذي رضي
الله عنه بسنده / عن ابن عباس رضي الله عنهما قال
: ( نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم) 3379ت وروي الإمام
أحمد رضي الله عنه بسنده / عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال / أردفني رسول
الله صلي الله عليه وسلم خلفه ذات يوم / فأسر إلي حديثاً لا أحدث به أحداً من
الناس / وكان أحب مااستتر به النبي صلي الله عليه وسلم لحاجته هدفاً / أو حايش نخل
/ فدخل حائطاً لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل / فلما رأي الجمل النبي صلي الله عليه
وسلم حن / وذر فت عيناه / فأتاه رسول الله صلي الله عليه وسلم / فمسح ذفراه فسكت /
فقال صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم الله عليه وسلم الله
عليه وسلم الله عليه وسلم الله عليه وسلم من رب هذا الجمل ؟ /
لمن هذا الجمل ؟ / فجاء فتي من الأنصار فقال ِلي يا رسول
الله / فقال صلي الله عليه وسلم :/ أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله
إياها / فإنه شكا إلي / أنك تجيعه وتدئبه ) 3370ت
وروي الإمام ابن حبان
رضي الله عنه في صحيحه / عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :/ مر حمار برسول
الله صلي الله عليه وسلم قد كوي في وجهه / يفور منخراه من دم / فقال رسول الله صلي
الله عليه وسلم ( لعن الله من فعل هذا) ثم نهي عن الكي في الوجه / والضرب في
الوجه) 3405ت
وروي الإمام مسلم رضي
الله عنه في صحيحه / عن أبي هريرة رضي الله عنه / أن رسول الله صلي الله عليه وسلم
قال / بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش / فوجد بئراً / فنزل فيها فشرب ثم خرج
/ فإذا كلب يلهث / يأكل الثري من العطش / فقال الرجل / لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ بي
/ فنزل البئر / فملأ خفه ماء / ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقي الكلب / فشكر الله له /
فغفر له / قالوا يا رسول الله / وإن لنا في هذه البهائم لأجراً / فقال في كل كبد
رطبةٍ أجر ) صحيح
مسلم ج14 صـ242ـ
وروي الإمام أحمد رضي
الله عنه بسنده / عن ابن عمر رضي الله عنهما قال / قال رسول الله صلي الله عليه
وسلم (دخلت امرأة النار في هرة ربطتها / فلم تطعمها /
ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض ) تعني حشرات الأرض 3373ت
وروي الإمام مسلم رضي
الله عنه في صحيحه / عن أبي هريرة رضي الله عنه قال / قال رسول اله صلي الله عليه
وسلم : ( بينما كلب يطيف ببئر قد كاد يقتله العطش / إذ رأته بغيٌّ من بغايا بني إسرائيل / فنزعت موقها (خفها) فاستقت له به
فسقته إياه / فغفر لها به ) صحيح مسلم ك5 ج14 ص242ـ
والحمد لله رب العالمين
/ وقال ربكم أدعوني أستجب لكم/أدعو الله
وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة
الثانية
الحمد
لله رب العالمين
الحمد لله علي نعمة
الإسلام وكفي بها نعمة / الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران{102}
أما بعد / فيا أيها المسلمون / ليس هناك من مسلم
إلا ولهذا الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه في رقبته منَّةٌ وفضل / فإذا أحس المسلم بسكينه الإيمان / وطمأنينة الرضا/ وبرد اليقين / عرف
فضل ذلك النبي الـذي علمه كيف يؤمـن بربه / ويسلم وجهه إليه / وكلما غض بصره عن
محرم / ورد هواه عن مأثم / أدرك أية نعمة سيقت إليه علي يد ذلك النبي صلـي الله عليه وسلم / الذي أدبه ربه فأحسن
تأديبه / وإذا قام إلي صلاته فوقف بيني يدي مولاه خاشعاً متبتلاً / أسدي الشكر
لرسوله صلي الله عليه وسلم / الذي علمه العزة والكرامة / وأنه لا ينبغي أن يحني هامته قط إلا للإله الذي خلقه وسواه /
أيها
المسلمون:/ وليس هناك أيضاً من غير المسلم إلا وللرسول صلي الله عليه وسلم في عنقه
أيادٍ بيض / فلولا الرسول صلي الله عليه وسلم ما ثبتت
نبوة نبي من الأنبياء قبله / روي الإمام ابن ماجة رضي الله عنه بسنده / عن أبي
سعيد الخدري رضي الله عنه قال :/ قال رسول الله صلي الله عليه وسلم / يجئ النبي
ومعه الرجلان / ويجئ النبي ومعه الثلاثة / وأكثر من ذلك وأقل / فيقال له :/ هل بلغت
قومك ؟ / فيقول : نعم / فيدعي قومه / فيقال : هل بلغكم ؟ / فيقولون لا ما ما أتانا
من نذير وما أتانا من أحد / فيقال من يشهد لك ؟ / فيقول محمد وأمته / فيدعي أمه
محمد / فيقال :/ هل بلغ هذا ؟/ فيقولون نعم /
فيقول :/ وما علمكم بذلك ؟ فيقولون :/ أخبرنا نبينا بذلك / أن الرسل قد بلغوا /
فصدقناه / قال فدلكم قوله تعالي :
"
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ
وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً " الأحاديث القدسية صـ424ـ/ البقرة(143)
أيها
المسلمون :/ إن صدق الرسول صلي الله عليه وسلم مستمر بعد مفارقته الدنيا ورحيله
إلي الرفيق الأعلى / فمازالت بينات الحق وشواهد الصدق تتري علي أعين الدنيا
وأسماعها في الغداة وفي العشي / وءاَناء الليل وأطراف النهار / لتؤكد ذلك المعني
من صدقه في كل ما أخبر به من أحوال الماضين قبله / مما يظهر علي أيدي علماء
التنقيب والآثار / كما أن واقع التالين لوفاته من الأمور العينية التي لا تعرف إلا
بالوحي / حتى أضحت هذه البينات / وتلك الشواهد والأدلة من البديهات المسلمات /
التي أعتاد عليها الناس / والتي تبرهن علي نبوته وصدقه / فلولا رسول الله صلي الله
عليه وسلم ما استقامت العقيدة علي عودها / تواكب الفطرة / وتنسجم مع العقل /
وتحترم ءاَدمية الإنسان / والحمد لله رب العالمين /
اللهم اغفر للمسلمين
والمسلمات / والمؤمنين والمؤمنات / الأحياء منهم والأموات / أنك سميع قريب مجيب
الدعوات /
أقول قولي
هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين / وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي ءآل
سيدنا محمد وسلم تسليماً "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا
تَصْنَعُونَ" العنكبوت{54}
الصلاة علي
النبي صلي الله عليه وسلم تحل بها العقد
وتفرج بها الكروب الخطبة
الأولي
الحمد لله رب العالمين
الذي جعل محبته ومحبة رسوله غاية كمال الإيمان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له القائل في كتابه الحكيم "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ
عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيماً"الأحزاب{56}
وأشهد أن سيدنا محمداً
عبد الله ورسوله (القائل من صلي الله علي من أمتي صلاة مخلصاً من قلبه صلي الله
عليه بها عشر صلوات ورفعه بها عشر درجات وكتب له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات
) 2500 (كتاب الترغيب والترهيب)
اللهم صل وسلم وبارك
علي سيدنا محمد الموصوف بأفضل الخلاق والشيم وعلي ءاَله وصحبه والتابعين
أما بعد ، فيا أيها
المسلمون / يقول الله تعالي وهو أصدق القائلين /" إِنَّ اللَّهَ
وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا صَلُّوا
عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً "الأحزاب{56}
أيها المسلمون :/ هذه
الآية شرف الله بها رسوله صلي الله عليه وسلم في حياته وبعد موته / وصلاة الله عز
وجل علي النبي صلي الله عليه وسلم ذكره بالثناء في الملأ الأعلى / وصلاة ملائكته /
دعاؤهم له عند الله سبحانه وتعالي / ويا لها من مرتبة سنية / حيث تردد جنبات
الوجود ثناء الله علي نبيه صلي الله عليه وسلم / ويشرق بها الكون كله / وأين تذهب
صلاة البشر وتسليمهم بعد صلاة الله العلي وتسليمه / وصلاة الملائكة في الملأ
الأعلى وتسليمهم / إنما يشاء الله تشريف المؤمنين / بأن يقرن صلاتهم إلي صلاته /
وتسليمهم إلي تسليمه / وأن يصلهم عن هذا الطريق بالأفق العلوي الكريم / الأزلي
القديم / والصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم / هي نفل الجزء الثاني من الركن
الأول من أركان الإسلام / وهو شهادة أن محمداً رسول الله /
روي الإمام مسلم رضي
الله عنه في صحيحه / عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم
قال (من صلي علي صلاة واحدة صلي الله عليه عشراً )2496ت(كتاب الترغيب والترهيب)
وروي الإمام النسائي رضى الله عنه بسنده / عن أبي بردة رضي الله عنه قال : / قال
رسول الله صلي الله عليه وسلم (من صلي علي من أمتي صلاةً مخلصاً من قلبه / صلي
الله عليه بها عشر صلوات / ورفعه بها عشر درجات / وكتب له بها عشر حسنات / ومحا
عنه عشر سيئات) 2500(كتاب الترغيب والترهيب)
وروي الإمام مسلم رضي
الله عنه في صحيحه / عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما / أنه سمع النبي
صلي الله عليه وسلم يقول :/ إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول / ثم صلوا علي /
فإنه من صلي علي صلاة صلي الله عليه بها عشراً / ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة
من الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله / وأرجو أن أكون أنا هو / فمن سأل الله
لي الوسيلة حلت له الشفاعة)2501 (كتاب الترغيب والترهيب)
اللهم ارزقنا شفاعة
رسول الله صلي الله عليه وسلم / يوم لا ينفع مال ولا بنون / إلا من أتي الله بقلب
سليم /
روي الإمام أحمد رضي
الله عنه بسنده / عن أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه قال / أن رسول اله صلي الله
عليه وسلم / جاء ذات يوم والسرور يري في وجهه / فقالوا يا رسول الله إنا لنري
السرور في وجهك / فقال صلي الله عليه وسلم :(إنه أتاني جبريل عليه السلام الساعة /
فقال : / يا محمد / من صلي عليك من أمتك صلاة كتب الله له بها عشر حسنات / ومحا
عنه عشر سيئات / ورفعه بها عشر درجات / وقال له الملك : مثل ما قال لك / ) قلت يا
جبريل : وما ذاك الملك /؟ قال سيدنا جبريل عليه السلام / إن الله عز وجل وكل ملكاً من لدن خلقك إلي أن يبعثك / لا يصلي
عليك أحد من أمتك إلا قال :/ وأنت صلي الله عليك)2503(كتاب الترغيب والترهيب)
والصلاة من الله :هو ذكرك والثناء عليك في الملأ الأعلى / وإيصال الخير إليك
مباشرة من الله
روي الإمام الترمذي رضي
الله عنه بسنده / عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :/ قال رسول الله صلي الله عليه
وسلم (إن أولي الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة)1152ت(كتاب ترغيب وترهيب)
ومعني الحديث / إن أولي
الناس قرباً أو شفاعة أكثرهم صلاة في الدنيا عليه / ونتبين أهمية الصلاة علي
الرسول صلي الله عليه وسلم من الحديثين التاليين وينبغي أن نتدبرهما في تأمل /
ونتروى في فهم معناهما في عمق /
روي الإمام الطبراني
رضي الله عنه بسنده / عن محمد بن يحيى بن حبان عن أبيه عن جده رضي الله عنه / :أن
رجلاً قال /: يا رسول الله أجعل ثلث صلاتي عليك ؟ قال صلي الله عليه وسلم :/ نعم
إن شئت / قال الرجل /: الثلثين؟ قال صلي الله عليه وسلم: نعم إن شئت / قال الرجل :
فصلاتي كلها ؟ / فقال رسول الله عليه وسلم إذاً يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك
وءاَخرتك)2514(كتاب ترغيب وترهيب)
وروي الإمام الترمذي
رضي الله عنه بسنده / عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال /: كان رسول الله صلي الله
عليه وسلم إذا ذهب ربع الليل قام فقال:/ "يأيها الناس! / اذكروا الله / جاءت
الراجفة تتبعها الرادفة / جاء الموت بما فيه / جاء الموت بما فيه / قال أبي بن كعب
/: فقلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة / فكم أجعل لك من صلاتي ؟/ قال صلي الله
عليه وسلم : ما شئت؟ قال : قلت الربع / قال صلي الله عليه وسلم ما شئت / وإن زدت
فهو خير لك / قال فقلت الثلث / قال : صلي الله عليه وسلم ما شئت / وإن زدت فهو خير
لك / قلت النصف ؟ / قال صلي الله عليه وسلم ما شئت / وإن زدت فهو خير لك / قال: /
أجعل لك صلاتي كلها ؟/ قال صلي الله عليه وسلم : / إذاً يكفي همك / ويغفر لك ذنبك)2513(كتاب
الترغيب والترهيب) وإذا كانت الصلاة علي رسول الله صلي الله عليه وسلم مطلوبةً في
كل وقت / فإنه صلي الله عليه وسلم / قد حث عليها في يوم الجمعة بالذات / وهو يوم
مبارك / فتزيده الصلاة علي الرسول بركة ونوراً /
روي الإمام ابن ماجة
رضي الله عنه بسنده / عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال / قال رسول الله صلي الله
عليه وسلم (أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة / فإنه مشهود تشهده الملائكة / وإن
أحداً لن يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها) قال رضي الله عنه قلت : وبعد
الموت / قال صلي الله عليه وسلم (إن الله حرم علي الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم
الصلاة والسلام)2518(كتاب الترغيب والترهيب)
وروي الإمام أحمد رضي
الله عنه بسنده / عن أوس بن أوس رضي الله عنه قال / قال رسول الله صلي الله عليه
وسلم (من أفضل أيامكم يوم الجمعة :/ فيه خلق ءآدم / وفيه قبض / وفيه النفخة / وفيه
الصعقة / فأكثروا علي من الصلاة فيه / فإن صلاتكم معروضة علي ) قالوا يا رسول الله
/ وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت يعني بليت ؟/ فقال صلي الله عليه وسلم (إن الله
عز وجل حرم علي الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)2520(الترغيب والترهيب) ولقد تفنن
الصالحون في صيغ الصلاة علي رسول الله صلي الله عليه وسلم / حتى أنه ليجد الإنسان
مالا يكاد يعد ولا يحصي من هذه الصيغ / وفيها النور والإشراق والصفاء / وأول مانذكر
من هذه الصيغ / الصلاة الإبراهيمية/
(اللهم صل علي سيدنا
محمد / وعلي ءآل سيدنا محمد / كما صليت علي سيدنا إبراهيم / وعلي ءآل سيدنا
إبراهيم / وبارك علي سيدنا محمد / وعلي ءآل سيدنا محمد / كما باركت علي سيدنا
إبراهيم / وعلي ءآل سيدنا إبراهيم / في العالمين إنك حميد مجيد) وكذا الصيغة
الآتية (اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا ومولانا محمد عبدك / : عدد خلقك / ورضاء
نفسك / وزنة عرشك / ومداد كلماتك /وصيغة أخري)
(اللهم صل علي سيدنا
محمد وعلي ءاَله وصحبه وسلم تسليماً وكن بنا وبالمؤمنين رؤوفاً رحيماً) والحمد لله
رب العالمين / وقال ربكم ادعوني أستجب لكم / أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة/
الخطبة
الثانية
الحمد
لله رب العالمين
الحمد لله علي نعمة
الإسلام وكفي بها نعمة / الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران{102}
أما بعد / فيا أيها المسلمون / وفي فضل الصلاة
علي النبي صلي الله عليه وسلم / يقول سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه / الصلاة
علي النبي صلي الله عليه وسلم / محق للذنوب من الماء البارد للنار / والسلام عليه
أفضل من عتق الرقاب) وقد جاء في ذم من لم يصل علي النبي صلي الله عليه وسلم وءاثمه
/ روي الإمام بن حبان رضي الله عنه في صحيحه / عن أبي هريرة رضي الله عنه / أن
رسول الله صلي الله عليه وسلم / صعد المنبر / فقال آمين / آمين / آمين) قيل : يا
رسول اله إنك صعدت المنبر / فقلت آمين / آمين/ آمين / فقال صلي الله عليه وسلم / (إن جبريل عليه
السلام أتاني فقال :/ من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله / قل آمين/
فقلت آمين / ومن أدرك أبويه / أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله
قل آمين / فقلت آمين/ ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات / فدخل النار فأبعده / قل آمين/
فقلت آمين))2520(كتاب الترغيب والترهيب)
وروي
الإمام الترمذي رضي الله عنه بسنده / عن حسين بن علي رضي الله عنهما / عن النبي
صلي الله عليه وسلم قال :/ (البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي)4352ت(كتاب الترغيب
والترهيب) ومن صيغ الصلاة علي سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم التي يرددها
الصالحون كثيراً
اللهم
صلي علي سيدنا محمد الذي أشرقت به الظلم / اللهم صل علي سيدنا محمد والمبعوث
بالرحمة لكل الأمم / اللهم صل علي سيدنا محمد المختار للسيادة والرسالة قبل خلق
اللوح والقلم / اللهم صل علي سيدنا محمد الموصوف بأفضل الأخلاق والشيم / اللهم صل
علي سيدنا محمد المخصوص بجوامع الكلم وخواص الحكم / اللهم صل علي سيدنا محمد الذي
كان لا تنتهك في مجالسه الحرم / ولا يغضى عمن ظلم /
اللهم صل علي سيدنا محمد الذي كان إذا مشي تظلله الغمامة حيثما يمم (مشي)/ اللهم
صل علي سيدنا محمد الذي أثني عليه رب العزة في سالف القدم / اللهم صل علي سيدنا
محمد الذي صلي الله عليه في محكم كتابه / وأمرنا أن نصلي عليه ونسلم / اللهم صل
علي سيدنا محمد النبي الأمي الطاهر الزكي صلاة تحل بها العقد / وتفك بها الكروب / والحمد لله رب العالمين
1)
اللهم إنك عفو تحب العفو فأعف عنا والحمد لله رب العالمين/ 2) اللهم فقهنا في
ديننا / اللهم اجعل القرءان الكريم ربيع قلوبنا / وجلاء همومنا / وذهاب أحزاننا /
3) ربنا أتمم لنا نورنا وأغفر لنا إنك علي كل شئ قدير / 4) ربنا هب لنا من أزواجنا
وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً / 5) اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين
/ 6) اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لما تحبه وترضاه / 7) اللهم انصرهم علي أعداءك
أعداء الدين / 8) اللهم اجعل مصر بلداً آمنا وسائر بلاد المسلمين / 9) اللهم اشف
أمراضنا وأمراض المسلمين / 01) اللهم وفق أبناءنا لما تحبه وترضاه /
أقول قولي هذا
وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين / وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي ءآل سيدنا
محمد وسلم تسليماً "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا
تَصْنَعُونَ" العنكبوت{54}
الخطبة
الأولي ذكرى ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم
بسم
الله الرحمن الرحيم / الحمد لله رب العالمين
الحمد
لله رب العالمين رفع ذكر رسولنا في الدنيا والآخرة فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب
صلاة إلا يشهد لله سبحانه
وتعالي بالألوهية ولرسوله صلي الله عليه وسلم بالرسالة يقول الله تبارك وتعالي وهو
أصدق القائلين "ورفعنا لك ذكرك" وأشهد أن لا إله إلا الله اختص نبينا
بقدر لم ينله أحد من الأنبياء /وأشهد أن
سيدنا محمداً عبده ورسوله أبهي شموس الهدي نوراً وأبهرها/ وأزكي الخليقة أخلاقاً وأطهرها /وأكرمها خلقاً وأعدلها
اللهم
صل وسلم علي سيدنا محمد وعلي ءاَله وصحبه الهداة
أما
بعد / فيا أيها المسلمون / يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين /"
لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ
حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ " التوبة{128}
أيها
المسلمون / إن ظهور رسول الله صلي الله عليه وسلم تصديق للأنبياء السابقين /
وشهادة لنبواتهم بالصدق / مصدقاً لقول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين /
" بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ " الصافات{37} فإن
الرسل جميعاً صلوات الله وسلامه عليهم / بشروا به / وأخبروا بمجيئه صلي الله عليه
وسلم / فمجيئه هو نفس صدق خبرهم / فكان مجيئه صلي الله عليه وسلم تصديق لهم /
" وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ
اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ
وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ " الصف{6}
أيها
المسلمون / لقد كان صلي الله عليه وسلم أمن الخائف / وغوث المحتاج / وسلوه المحزون
/ وفرج المكروب / ودرع الضعيف / وعز الذليل / وغني المفتقر / وبغيه المرتاد / وري
الظامئ / وهداية الحيران / وشمس المستشرق / ومنية المحب /
روي
الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن أبي موسى رضي الله عنه قال / قال رسول
الله صلي الله عليه وسلم / (إن الله تعالي يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار /
ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل /حتى تطلع الشمس من مغربها) رياض الصالحين
صـ171ـ
وروي
الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه / عن أبن عمر رضي الله عنهما قال / سمعت
رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول / (يدني المؤمن يوم القيامة / من ربه حتى يضع
عليه كنفه /أي ستره ورحمته / فيقرره بذنوبه /ويسترها عن سائر أهل المحشر / فيقول
رب العزة تبارك وتعالي / أتعرف ذنب كذا / أتعرف ذنب كذا ؟ / فيقول المؤمن رب أعرف
/ قال رب العزة تبارك وتعالي / فإني قد سترتها /عليك في الدنيا( بأن لم يطلع عليها أحد من الناس) / وأنا أغفرها لك اليوم / فيعطي صحيفة حسناته ) رياض
الصالحين ص170
أيها
المسلمون / لقد أوضح رسول الله صلي الله عليه وسلم رحمة الله في بهاء عظيم /
روي الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن أبي
سعيد الخدري رضي الله عنه / أن نبي الله صلي الله عليه وسلم قال / (كان فيمن قبلكم
رجل قتل تسعة وتسعين نفساً / فسأل عن أعبد أهل الأرض / فدل علي راهب / فأتاه /
فقال له / إنه قتل تسعة وتسعين نفساً / فهل له من توبه / فقال الراهب / لا / فقتله
فكمل به مائه / ثم سأل عن أعلم أهل الأرض / فدل علي رجل عالم / فقال له / إنه قتل
مائة نفس / فهل له من توبة ؟/ فقال له العالم / نعم / ومن يحول بينك وبين التوبة /
انطلق إلي أرض كذا وكذا / فإن بها أناساً يعبدون الله / فأعبد الله معهم / ولا
ترجع إلي أرضك فإنها أرض سوء / فانطلق حتى إذا نصف الطريق / أتاه ملك الموت /
فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب / فقالت ملائكة الرحمة جاء تائباً
مقبلاً بقلبه إلي الله تعالي / وقالت ملائكة العذاب / إنه لم يعمل خيراً قط /
فأتاهم ملك في صورة ءاَدمي / فجعلوه بينهم حكماً / فقال قيسوا ما بين الأرضيين /
فإلي آيتهما كان أدني / فهو لها / فأوحي الله عز وجل إلي بلد المعصية أن تباعدي /
وإلي بلد التوبة أن اقتربي / فقاسوا بين البلدين / فوجدوه إلي بلد التوبة أقرب
بشبر / فقبضته ملائكة الرحمة / فغفر له ) 4598(كتاب الترغيب والترهيب)
أيها
المسلمون / إن الرسول صلي الله عليه وسلم لا يرضي القتل / ولا يشجع عليه / بل أنه
صلي الله عليه وسلم / لم يعرف جريمة تعادل الشرك بالله / سوي الإضرار بالناس
/فمجرد الإضرار بالناس / يعادل الشرك بالله /فما البال بقتل الناس / وإزهاق حياتهم
/ إن الرسول صلي الله عليه وسلم في هذا الحديث / يوضح رحمة الله عز وجل تجاه أكبر
الكبائر / وأفدح الجرائم / ليرينا أن
التوبة الصادقة محت جرائم كثراً / وأفاءت علي صاحبها عفو الله غدقاً /
أيها
المسلمون / إن رحمة الله عز وجل حين تجئ / لا يقف في طريقها شئ / حتى القوانين
الطبيعية والكونية / فلقد نقص الله عز وجل الأرض من أحد أطرافها / حتى إذا قيست
المسافة بين الرجل وبلد التوبة / كان إليها أقرب / فتأخذه ملائكة الرحمة / إن
التوبة باب مفتوح بين الله عز وجل وعباده / يصلهم به بالليل وبالنهار / وإن الله
عز وجل ليفرح بتوبة الإنسان / ورجوعه عن الخطأ / اشد من فرح أب حنون فقد ابنه في
فلاة موحشة / وفجأة يلقاه أمامه سليماً معافى /
روي
الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما / أنه
سمع النبي صلي الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول / ( لا يموتن أحدكم إلا
وهو يحسن الظن بالله عز وجل ) رياض الصالحين صـ174ـ كما أن رسول الله صلي الله
عليه وسلم / يكافح جميع أولئك الذين يقنطون الناس من رحمة الله / ويمقتهم مقتاً
شديداً / ويضرب لهم مثلاً /
روي
الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال / قال
رسول الله صلي الله عليه وسلم / قال رجل / والله لا يغفر الله لفلان / فلما
توفاهما الله / قال الله عز وجل / من ذا الذي يتألي علي أن لا أغفر لفلان /
والمعني أي من الذي يتحكم في رحمتي ويحلف علي ما لا يملك / اذهبوا به إلي النار /
وقال للآخر / ادخل الجنة برحمتي / رياض الصالحين صـ452ـ
أيها
المسلمون / إن رحمة الله عز وجل ليست ترفاً / وإنما هي ضرورة / وأحق الناس بها
أكثرهم حاجة إليها / وفي هذا المقام / مقام الخطيئة والذنب / يصير العصاة أحوج
العالمين إلي رحمة الله عز وجل / وإلي الأمل في الله عز وجل / ومن ثم فهو صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم الله عليه وسلم الله عليه
وسلم الله عليه وسلم الله عليه
وسلم يرفض أي تقنيط لهم من رحمة ربهم / ويعتبر مثل هذا العمل ذنباً أكبر من كل ذنب
/ ورسول الله صلي الله عليه وسلم / ينحي كل قوي التثبيط واليأس عن علاقة الناس
بالله عز وجل / ويذكر قصة تحكي بر الله بالناس / وأبوته الحانية لهم جميعاً / يقول
صلي الله عليه وسلم / ما من يوم تطلع فيه
شمسه إلا وتقول السماء / يارب ائذن لي أن اسقط كشفاً علي ابن ءآدم / فقد طعم خيرك
/ ومنع شكرك / وتقول الأرض / يارب ائذن لي أن ابتلع ابن ءآدم / فقد أكل خيرك /
ومنع شكرك / وتقول البحار / يارب ائذن لي أن أغرق ابن ءآدم / فقد أكل خيرك / ومنع
شكرك / وتقول الجبال يارب ائذن لي أن أطبق علي ابن ءآدم / فقد أكل خيرك / ومنع شكرك
/ فيقول الله عز وجل لهم جميعاً / لو خلقتموه لرحمتموه / دعوني وعبادي / إن تابوا
إلي فأنا حبيبهم / وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم )
فالحديث
النبوي الشريف / يوضح حالة يحاط فيها الإنسان بالإخطار والعداوات من كل جانب / من
فوقه ومن تحته / وعن يمينه وعن شماله / ثم لا يجد إلا رحيماً ودوداً واحداً / هو
ربه ومولاه / إنها رحمة الخالق بخلقه / إنها رحمة الوالد بولده / لو خلقتموه
لرحمتموه / إن مكان الناس من الله عز وجل / مكان الرائح الغادي بين حبيب وطبيب /
دعوني وعبادي / إن تابوا إلي فأنا حبيبهم / وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم /
فلا
فزع و لا خوف / أكرم به من حبيب / وانعم به من طبيب / والحمد لله رب العالمين /
وقال ربكم أدعوني أستجب لكم / أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة
الثانية
الحمد
لله رب العالمين
الحمد لله علي نعمة
الإسلام وكفي بها نعمة / الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران{102}
أما بعد / فيا أيها المسلمون / إن خير ما نحيي به
ذكري ميلاد النبي صلي الله عليه وسلم / أن نذكر ما تحلي به من مكارم الأخلاق /
وجميل الخصال / وعظيم الفعال / فنذكر في ميلاد الرسول صلي الله عليه وسلم / رحمته
بالإنسانية جميعاً / روي الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال / قال رسول الله صلي الله عليه وسلم / (إذا سمعتم الرجل يقول / هلك
الناس فهو أهلكهم )4349(كتاب الترغيب والترهيب) إن رسول الله صلي الله عليه وسلم
أب للإنسانية وملاذ لها / لا يعرف القسوة ولا الغرور ولا التشفي ولا اليأس / وانتهي
بالناس إلي رب رءوف رحيم / يقبل العثرة / ويقبل التوبة / ويغفر الذنب / ويفرح
بعودة عباده إليه /
روي
الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه عن / أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله
عنها قالت / (قدم ناس من الأعراب علي رسول الله صلي الله عليه ويلم / فقالوا
أتقبلون صبيانكم /فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم /نعم / قالوا لكننا والله مانقبل / فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله
عليه وسلم الله عليه وسلم الله عليه وسلم الله عليه وسلم الله عليه وسلم أو أملك إن
كان الله نزع من قلوبكم الرحمة( 3361) (كتاب
الترغيب والترهيب)
أيها
المسلمون / إن القبلة الأبوية الحانية التي نعرب بها عن
حبنا لأطفالنا / هامة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم / فهي ليست من أعمال التسلية
واللهو / إنها الرحمة تتخذ مظهراً هاماً بين الأباء وأطفالهم / فالكلمة الطيبة
رحمة / والنظرة العاطفة رحمة / والهدية المتواضعة رحمة / والصفح الجميل رحمة / وعيادة
المريض رحمه /بل وتشميت العاطس رحمه / إن رسول الله صلي الله عليه وسلم / يكافح
دواعي خوف الناس من الناس / بإنعاش دواعي الثقة والمودة بينهم / وإتباع التي هي
أحسن في كل ما يقال وما يصنع /
روي
الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن أبي هريرة رضي الله عنه / أن رسول الله
صلي الله عليه وسلم قال / (المسلم أخو المسلم / لا يظلمه ولا يخذله / ولا يحقره /
التقوى هاهنا / التقوى هاهنا /التقوى هاهنا / ويشير إلي صدره / بحسب امرئ من الشر
أن يحقر أخاه المسلم / كل المسلم علي المسلم حرام / دمه وعرضه وماله)3319 (كتاب
الترغيب والترهيب)
كما
أن الرسول صلي الله عليه وسلم / ينهي عن ترويع الإنسان أخاه الإنسان / ولو بأتفه
مظاهر الترويح /فيقول صلي الله عليه وسلم / (لا يشر أحدكم إلي أخيه بالسلاح /فإنه
لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده / فيقع في حفرة من النار )4126(كتاب الترغيب
والترهيب)
روي
الإمام الترمذي رضي الله عنه في صحيحه / عن ابن مسعود رضي الله عنه قال / قال رسول
الله صلي الله عليه وسلم / (ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار ؟ / تحرم علي كل هين
لين سهل ) 3957(كتاب الترغيب والترهيب / الحمد لله رب العالمين
اللهم اغفر للمسلمين
والمسلمات / والمؤمنين والمؤمنات / الأحياء منهم والأموات / أنك سميع قريب مجيب
الدعوات /
أقول قولي
هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين / وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي ءآل
سيدنا محمد وسلم تسليماً "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا
تَصْنَعُونَ" العنكبوت{54}
الخطبة
الأولي ذكرى ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين
الذي أرسل رسله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله وكفي بالله شهيداً
وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له اصطفي من ينابيع جوده نبع بدائعه سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم
أكمل الخلق روحاً وعقلاً
وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله الذي أرسله رب العزة ليخرج الناس من الظلمات إلي النور ويكمل لهم به الدين
اللهم صل وسلم علي
سيدنا محمد وعلي ءاَله وصحبه الهداة
أما بعد فيا أيها
المسلمون / يقول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين /"الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِـدُونَهُ مَكْتُـوباً
عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُـرُهُم بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَاهُمْ عَـنِ الْمُنكَرِ وَيُحِـلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَـرِّمُ
عَلَيْهِـمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي
كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُـواْ بِهِ وَعَـزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ
وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ قُلْ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ
مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ
فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ
وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ "الأعراف157؛158

فأرسل الرسول صلي الله
عليه وسلم رسالة إلي نجاشي الحبشة / في شهر ذي الحجة عن سنة
ست هجريه / الموافق
إبريل سنة ستمائة وثمانية وعشرون ميلادية / يحملها سيدنا عمرو بن
أمية الضمري إلي
النجاشي ملك الحبشة / فأخذ النجاشي الرسالة ووضعها علي عينيه / ونزل من سريره علي
الأرض تواضعاً / ثم أسلم / وشهد شهادة الحق / وقال لو كنت أستطيع أن ءاَتيه لأتيته
/ وكتب إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم بإجابته وتصديقه / وإسلامه علي يدي سيدنا
جعفر بن أبي طالب لله رب العالمين / وفي سنة سبع هجرية / أرسل الرسول صلي الله
عليه وسلم دحية بن خليفة الكلبي رضي الله عنه /وكان من أجمل
الناس وجهاً / فكان يضرب به المثل في حسن الصورة / وكان سيدنا جبريل عليه السلام
ينزل علي صورته / أرسله الرسول صلي الله عليه وسلم إلي هرقل / الإمبراطور البيزنطي برسالة يدعوه فيها إلي الإسلام / وقد كان هرقل إذ ذاك يقوم بأداء نذره / الذي كان نذره / وهو أن يحج ماشياً إلي بيت
المقدس إذا انتصر علي الفرس /
روي الإمام البخاري رضي
الله عنه في صحيحه / عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما / أن أبا سفيان بن حرب
أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش / وكانوا تجاراً بالشام / والمعني أن هرقل
إمبراطور الروم جمع العرب الذين يعرفون الرسول صلي الله عليه وسلم / وقت وصول
رسالة الرسول صلي الله عليه وسلم إليه / فأتوه وهم بإيلياء / اسم مدينة بالشام /
فدعاهم في مجلسه / وحوله عظماء الروم / ثم دعاهم ودعا بترجمانه / فقال هرقل الروم
/ أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ / فقال أبو سفيان / أنا أقربهم
نسباً / فقال هرقل أدنوه مني / وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره / ثم قال لترجمانه
/ قل لهم إني سائل (هذا الرجل / فإن كذبني فكذبوه / فوا
الله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذباً لكذبت عنه / ثم كان أول ما سألني عنه أن
قال : / كيف نسبه فيكم ؟ / قلت هو فينا ذو نسب / قال هرقل / فهل قال هذا القول
منكم أحد قط قبله ؟ / قلت لا / قال هرقل / فهل كان من ءاَبائه من ملك ؟/ قلت لا /
قال : فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفائهم / فقلت بل ضعفاؤهم / قال هرقل :/ أيزيدون
أم ينقصون ؟/ قلت بل يزيدون / قال / فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه
/ قلت لا / قال/ فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال / قلت لا / قال / فهل
يغدر / قلت لا / ونحن منه في مدة / أي في صلح الحديبية وهو هدنة / لا ندري ما هو
فاعل فيها / قال/ فهل قاتلتموه ؟/ قلت نعم / قال فكيف كان قتالكم إياه ؟/ قلت
الحرب بيننا وبينه سجال / ينال منا وننال منه / قال ماذا يأمركم ؟/ قلت يقول
اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً /
واتركوا ما يقول ءاَباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصله / فقال هرقل
للترجمان / قل له / سألتك عن نسبه / فذكرت
أنه فيكم ذو نسب / فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها / وسألتك هل قال أحد منكم هذا
القول ؟/ فذكرت أن لا / فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله / لقلت رجل يأتسي بقول
قيل قبله / وسألتك هل كان من ءاَبائه من ملك /
فذكرت أن لا/ قلت فلو كان من آبائه من
ملك/ قلت رجل يطلب ملك أبيه / وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن
يقول ما قال ؟/ فذكرت أن لا / فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب علي الناس / ويكذب
علي الله / وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟/ فذكرت أن ضعفاؤهم اتبعوه /
وهم أتباع الرسل / وسألتك / أيزيدون أم ينقصون ؟/ فذكرت أنهم يزيدون / وكذلك أمر
الإيمان حتى يتم / وسألتك أيرتد أحد سخطه لدينه بعد أن يدخل فيه ؟/ فذكرت أن لا /
وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشتة القلوب /
وسألتك هل يغدر ؟/ فذكرت أن لا / وكذلك الرسل لا تغدر / وسألتك بما يأمركم ؟/
فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً / وينهاكم عن عبادة الأوثان
/ ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف / وإن كان ما تقول حقاً / فسيملك موضع قدمي
هاتين / وقد كنت أعلم أنه خارج / ولم أكن أظن أنه منكم / فلو أني أعلم أني أخلص
إليه / لتجشمت (أي تكلفت الوصول إليه) / ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه / ثم دعا
بكتاب رسول الله صلي الله عليه وسلم / الذي بعث به دحية إلي عظيم بصري / فدفعه إلي
هرقل / فقرأه / فإذا فيه / بسم الله الرحمن الرحيم / من محمد عبد الله رسوله / إلي
هرقل عظيم الروم / سلام علي من اتبع الهدي / أما بعد / فإني أدعوك بدعاية الإسلام (أي بالإسلام كله وأركانه)
أسلم تسلم / يؤتك الله أجرك مرتين / (أي مرة علي إسلامه / ومرة علي إسلام قومه)
فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين / (أي أهل مملكتك / الذين لم يسلموا تقليداً
لك)/ (ويا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم / أن لا نعبد إلا الله /
ولا نشرك به شيئاً / ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله / فإن تولوا فقولوا
أشهدوا بأنا مسلمون / قال أبو سفيان / فلما قال ما قال / وفرغ من قراءة الكتاب /
كثر عنده الصخب / وارتفعت الأصوات / وأخرجنا / فقلت لأصحابي حين أخرجنا / لقد أمر
(أي عظم) أمر بن أبي كبشة (كنيه لأحد أجداد النبي صلي الله عليه وسلم/ إنه يخافه ملك بني الأصفر / فمازلت موقناً أنه سيظهر
/ حتى أدخل الله علي الإسلام / وكان ابن الناطور صاحب إيلياء وهرقل سقفاً علي
نصاري الشام / يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء / أصبح يوماً خبيث النَّفس / فقال بعض بطارقته / قد استنكرنا هيئتك / قال ابن
الناطور / وكان هرقل حزاءً (أي كاهنا)
ينظر في النجوم / فقال لهم حين سألوه / إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك
الختان قد ظهر / فمن يختتن من هذه الأمة ؟/ قالوا ليس يختتن إلا اليهود / فلا
يهمنك شأنهم / وأكتب إلي مدائن ملكك فيقتلوا من فيهم من اليهود / فبينماهم علي
أمرهم أُتى هرقل برجل
أرسل به ملك غسان / يخبر عن خبر رسول الله صلي الله عليه وسلم / فلما استخبره هرقل
/ قال اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا / فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن / وسأله عن
العرب / فقال هم يختتنون / فقال هرقل / هذا ملك هذه الأمة قد ظهر / أيها المسلمون
/ إن الختان واجب بوجوب الطهارة والصلاة / روي الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه
/ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال / قال رسول الله صلي الله عليه وسلم /خمس من
الفطرة / الإستحداد (أي حلق العانة) والختان / وقص الشارب / ونتف الإبط /وتقليم
الأظافر / نيل الأوطارحـ1 صـ108ـ
فهذه الأشياء إذا فعلت
/ أتصف فاعلها بالفطرة التي فطر الله عز وجل العباد عليها / وحثهم عليها /
واستحبها لهم / ليكونوا علي أكمل الصفات وأشرفها صورة / فالإستحداد هو حلق العانة
/ وكذلك الشعر الذي حول فرج المرأه / والختان في الرجل قطع الجلدة التي تغطي
الحشفة / والختان في المرأة بقطع أعلي الجلدة التي كعرف الديك التي في أعلي الفرج
/ لأن المقصود من ختان المرأة تقليل شهواتها / وحتى لا تتطلع إلي الرجال / فالختان
للمرأة ضبط لشهواتها / لأن البظر / وهو الجلدة التي في أعلي الفرج / جزء بارز
يتعرض للاحتكاك بملابس الفتاه / مما يلفت نظر البنت البالغة إلي ممارسة غير طبيعية
/ فالختان تهذيب للأعضاء الخارجية التناسلية للأنثي لمنع الإثارة المستمرة الناتجة
عن الاحتكاك وكذلك منع الالتهابات الموضعية والحفاظ علي الشكل العام حيث أن البظر
هو عضو ذكري ضامر من الممكن أن ينمو في بعض الحالات إلي طول خمسة سنتيمتر فختان
الإناث هو تهذيب للأعضاء التناسلية الخارجية للمرأة / ويمنع الإثارة الجنسية
المستمرة عن الاحتكاك المستمر / ويمنع الالتهابات الموضعية ويحافظ علي صحة المرأة
ويجعل المرأة أكثر جمالاً وقبولاً لدي زوجها ويبعث إتزاناً نفسياً عندها ولاسيما
في سن المراهقة فالمرأة مطلوبة وليست معروضة
وفوائد ختان الذكر /
بقطع القلفة يتخلص من الأوساخ والأنتان / وبقطع القلفة يتخلص المرء من خطر انحباس
الحشفة عند التمدد ويقل بالختان الإصابة بمرض السرطان / والختان يجنب الإصابة بمرض
سلس البول/ والمختون رجل ترضاه
المرأة / لأنه أكثر إمتاعاً وإرضاءً لها/ ووقت ختان الأنثى لسبع سنين/ أما الذكر
لسبعة أيام/ وأرسل هرقل سيدنا دحية
رضي الله عنه إلي ضغاطر الرومي وكان أسقفاً وصاحب أمرهم / فأظهر إسلامه وألقي
ثيابه التي كانت عليه / ولبس ثياباً بيضاً / وقال هذا الذي كنا ننتظر وبشرنا به عيسي عليه السلام وخرج علي الروم / فدعاهم إلي
الإسلام / وشهد شهادة الحق فقاموا إليه فضربوه حتى قتلوه / وأَذِنَ هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص / (أي قصرٌله به حماية مشددة) / خوفاً علي نفسه من القتل مثل ضغاطر ثم
أمر بأبوابها فغلقت ثم اطلع عليهم فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن
يثبت ملككم فتبا يعوا هذا النبي
فحاصوا حيصة حمر الوحش إلي الأبواب / فوجدوها قد غلقت فلما رأي هرقل نفرتهم / وأيس
من الإيمان / قال ردوهم علي / وقال إني قلت مقالتي ءانفاً أختبر بها شدتكم علي
دينكم فقد رأيت فسجدوا له ورضوا عنه فكان ذلك ءآخر شأن هرقل )
والحمد لله رب العالمين
الخطبة
الثانية
الحمد
لله رب العالمين
الحمد لله علي نعمة
الإسلام وكفي بها نعمة / الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران{102}
أما بعد / فيا أيها المسلمون / ويروي اليعقوبي
رحمة الله بسنده / أن هرقل كتب إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي بشر به عيسي
/ من قيصر ملك الروم / إنه قد جاءني كتابك مع رسولك / وإني أشهد أنك رسول الله /
نجدك عندنا في التوراة والإنجيل / بشرنا بك عيسي بن مريم / وإني دعوت الروم إلي أن
يؤمنوا بك / فأبوا / ولو أطاعوا لكان خيراً لهم / ولوددت أني عندك فأخدمك وأغسل قدمك / فقال رسول الله
صلي الله عليه وسلم / يبقي ملكهم ما بقي كتابي عندهم ) ابن هشام باب السفارات)
ويروي ابن عبد البر رحمه الله بسنده / عن حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه قال / بعثني
رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي المقوقس صاحب مصر والإسكندرية بعد صلح الحديبية
/ فجئته بكتاب رسول الله صلي الله عليه وسلم / فأنزلني المقوقس في منزله / وأقمت
عنده ليالي /ثم بعث إلي وفد جمع بطارقته / فقال إني سائلك بكلام أحب أن تفهمه مني
/ قلت هلم / قال المقوقس أخبرني عن صاحبك / أليس هو نبينا / قلت بلي هو رسول الله
/ قال فماله حيث كان هكذا لم يدع علي قومه حيث أخرجوه من بلدته إلي غيرها / يقصد
هجرة النبي صلي الله عليه وسلم من مكة إلي المدينة / فقال سيدنا حاطب للمقوقس /
فعيسي ابن مريم / أفتشهد أنه رسول الله ؟ فما له أخذه قومه فأرادها صلبه / ألا
يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله حتى رفعه الله في سماء الدنيا / قال أحسنت / أنت
حكيم من عند حكيم / هده هدايا بها معك إلي محمد صلي الله عليه وسلم / وأبعث معك من
يبلغك إلي مأمنك / وهكذا كان سفراء رسول الله صلي الله عليه وسلم / يتميزون بالصدق
والأمانة والتواضع والحلم والرحمة / والشجاعة وسعة الحيلة والذكاء وحسن المظهر /
فالقيادة عند رسول الله ص.ع /لا يتولاها إلا من يحسنها / ويكون قادراً علي حملها /
لا قادرة علي حمله / فهذا أبو ذر العفاري رضي الله قال / يا رسول الله ألا
تستعملني ؟ / قال فضرب النبي صلي الله عليه وسلم / علي منكبي / ثم قال / يا أبا ذر
/ إنك ضعيف / وأنها أمانة / وإنها يوم القيامة خزي وندامه / إلا من أخذها بحقها
وأدي الذي عليه فيها /3237ت /وأخذ المقوقس
كتاب النبي صلي الله عليه وسلم فجعله في حق من عاج / ودفعه لجاريه له / ثم دعا
كاتبا يكتب إلي النبي صلي الله عليه وسلم / بسم الله الرحمن الرحيم / لمحمد بن عبد
الله من المقوقس عظيم القبط / أما بعد / فقد قرأت كتابك / وفهمت ما ذكرته / وما
تدعو إليه / وقد عملت أن نبياً بقي / وقد كنت أظن أن يخرج بالشام / وقد أكرمت
رسولك وبعثت إليك بجارتين / لهما
مكان من القبط عظيم / وبكسوة / وأهديت إليك بغلة لتركبها والسلام / ولم يزد علي
ذلك / ولم يسلم / وأرسل مع الهدايا طبيباً يداوي مرضى المسلمين / فقال النبي صلي الله عليه وسلم للطبيب / ارجع
إلي أهلك / فإنا قوم لا نأكل حتى نجوع / وإذا أكلنا لا نشبع / والحمد لله رب
العالمين
اللهم اغفر للمسلمين
والمسلمات / والمؤمنين والمؤمنات / الأحياء منهم والأموات / أنك سميع قريب مجيب
الدعوات /
أقول قولي
هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين / وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي ءآل
سيدنا محمد وسلم تسليماً "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا
تَصْنَعُونَ" العنكبوت{54}
الخطبة
الأولي عيد
ميلاد السيد المسيح عليه السلام
الحمد لله الواحد الأحد
، الفرد الصمد ، سبحانه لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ، ولم يكن له كفواً أحد ، وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، أرسل رسوله ، بالهدي
ودين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون
وأشهد أن سيدنا محمداً
عبد الله ورسوله صلي الله عليه وسلم ، المبشر به في التوراة والإنجيل والمبعوث
رحمة للعالمين :" ُّمحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء
عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ
فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ
السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ
كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ
يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً "الفتح{92}
صلوات الله وسلامه عليك يا رسول الله وعلي ءاَلك
وصحبك الذين استجابوا لله وللرسول كما أمرهم رب العالمين :" يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا
يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ
وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ " الأنفال{24}
فرضي الله عنهم أجمعين
أما بعد فيا أيها المسلمون : يقول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :"
إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ
قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ "ءآل عمران{95}
أخي المسلم : لقد خلق
الله عز وجل ءآدم من تراب الأرض دون ذكر ولا أنثي وهذا أدخل في باب القدرة الإلهية
من خلق عيسي عليه السلام من غير أب. وأهل
الكتاب يعترفون بذلك ولا ينكرونه ، لقد حملت بسيدنا عيسي أم ، ولم تحمل بسيدنا
ءآدم أنثي ولا ذكر ، فإذا لم يكن ءآدم إلهاً أو ابن إله وهو الأب الأول بل هو
مخلوق فعيسي عليه السلام أولي أن لا يكون إلها أو ابن إله وهو من ذرية ءآدم وولده
بل هو عبد لله عز وجل بل أن السيدة حواء قد خلقت من ذكر دون
أنثي فهي أدخل في باب القدرة من
خلق عيسي من أنثي بلا ذكر ، فالأنثى بطبيعتها وبحكم تكوينها الجسدي قد خلقت للحمل
والولادة ، ومن المحتمل جداً أن تحمل المرأة لأوهى الأسباب طبيعية أو صناعية أما
الرجل فليس من طبيعته الحمل والولادة وليس في تكوينه إنجاب الأطفال ، وضف إلي ذلك
أن ءآدم وحواء قد خلقاً كاملين في التكوين الجسمي والعقلي أما سيدنا عيسي السلام
فقد خلق طفلاً رضيعاً ، تربي في حجرأمه حتى كبر مع
الأيام
أيها المسلمون : إن
القول ببنوة سيدنا عيسي الإلهية تحت أي
شعار أو مسمي أو سبب / يؤدي إلي الانتقاص من قدرة الله عز وجل ، وإلغاء وجه
الإعجاز في ميلاد سيدنا عيسي بدون أب ، والقضاء علي حكمته ، وتجديد العنصرية
اليهودية المتمثلة في شعب الله المختار ، ولكن تحت شعار ءآخر ولذلك رد الله عز وجل
علي الفريقين هذا الافتراء بقوله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" وَقَالَتِ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ
يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن
يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا
بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ "المائدة{18}
كما أن المتأمل في
الظروف التي أحاطت بمولد سيدنا يحيي وسيدنا عيسي عليهما السلام يجدها واحدة
ومتشابهة إلي درجة الاتفاق ، وقد سبق سيدنا يحيي المسيح في الخروج إلي الحياة ،
وكان الحمل به ، ءآية أبلغ من ميلاد سيدنا عيسي عليه السلام فسيدنا زكريا والد
سيدنا يحيي قد بلغ من الكبر عتيا وزوجته عاقر ، وبلغة الطب ، أصابهما العقم ولا
يصلحا للإنجاب ولكن السيدة مريم كانت صالحة للإنجاب ، فالحمل بسيدنا يحيي عليه
السلام وسط هذه الظروف يعد ءآية شاهدة علي الإعجاز الإلهي ، وقد سبق سيدنا اسحق
عليه السلام سيدنا يحيي في كيفية الحمل به حيث قد أصيب سيدنا إبراهيم عليه السلام
وزوجه سارة بالعقم ووجه الشبه بين سيدنا عيسي عليه السلام وهؤلاء ، بث الحياة في
الجسم الذي حكم عليه بالموت فسيدنا إبراهيم وزوجه ، وسيدنا زكريا وزوجه فقدت
أجهزتهم التناسلية القدرة علي الإنجاب ورغم ذلك شاءت إرادة الله لهما الإنجاب ،
ولقد جاءت ءآيات القرءان الحكيم تصحح هذا الفساد العقدي الخطير الذي تردي فيه أهل
الكتاب :" وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ {116} بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ
"البقرة{116،117) أيها المسلمون :/
إن نبي الله عيسي عليه السلام لما أرسله الله عز وجل إلي قومه أخذ يعلمهم أن الله
تبارك وتعالي هو خالق السماوات والأرض وما بينهما وأن ذاته وصفاته ليست بمركبه ،
وإنما هي منزهة عن مشابهة الحوادث (أي المخلوقات) ولا يشبهه عز وجل شئ لا في ذاته
ولا في صفاته ولا في أفعاله ، وأن علي كل فرد أن يتوجه إلي الله عز وجل بنفسه في
عبادته دون حاجة إلي وساطة كاهن أو راهب فقال لهم اتقوا الله واسألوه أنتم ، بدلا
من طلبي لكم منه السؤال ، فالتوجه إلي الله عز وجل لا يحتاج إلي وسيط
والحمد لله رب العالمين
وقال ربكم ادعوني أستجب لكم أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة
ذكري الهجرة النبوية
العطرة
الحمد لله رب العالمين
الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون
وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له القائل في كتابه الحكيم :" وَكَانَ
حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ {47}
وأشهد أن سيدنا محمداً
عبد الله ورسوله خير من هاجر لله/ وهجر ما يسخطه الله جل علاه/ وأحسن معاملة خلق الله فنصره الله عز وجل/ اللهم صل
وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي ءاَله وصحبة المهاجرين المجاهدين وأولئك هم
الفائزون
أما بعد / فيا أيها
المسلمون :/ نحمد الله تعالي الذي نجى نبيه
الأمين من كيد الكائدين / ومكر الماكرين / فمع بداية كل عام هجري / تتجلى لنا أروع
صورة للكفاح في عنفوا نه /
والنصر في مهرجانه / وتبدو لنا صورة مشرقة للتضحية بالنفس والنفيس من أجل مبدأ سام
/ وعقيدة خالصة /
أيها المسلمون / لقد ظل
رسول الله صلي الله عليه وسلم يدعو قومه لدين الله / وتبذ عبادة الأصنام / ثلاثة
عشر عاماً متواصلة / فما لانت لهم قناة / ولا استقام لهم طبع / وما سما بهم تفكير
/ حتى بلغ بهم العناد منتهاه / ونال منهم الشيطان كل ما تمناه / فعقدوا مؤتمر
الدسيسة والغدر / وقلبوا الأمر علي كل وجوهه ، فمن قائل ننفيه من الديار ، ومن قائل
نحبسه في سجن مظلم لا يري فيه ضوء النهار إلي أن استقر رأيهم علي أن يختاروا من كل
قبيلة شاباً جلداً قوياً يجتمعون علي باب دار رسول الله صلي الله عليه وسلم ،
والسيوف في أيديهم مشرعه ليضربوه ضربة رجل واحد ، فيتفرق دمه في القبائل :"
وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُاللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ "التوبة{30}
لقد أمر الله سبحانه وتعالي سيدنا جبريل عليه السلام بالنزول وأخبار النبي صلي
الله عليه وسلم / بمؤامرات الكفار وما نوت عليه القبائل يقول الله تبارك وتعالي
وهو أصدق القائلين :" وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ
لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ
وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ "الأنفال{30} لقد كانوا يمكرون
ليوثقوا رسول الله صلي الله عليه وسلم ويحبسوه حتى يموت ، أو ليقتلوه ويتخلصوا منه
أو ليخرجوه من مكة منفياً مطروداً ولقد ائتمروا بهذا كله ، ثم اختاروا قتله/ علي أن يتولي ذلك المنكر فتية من القبائل جميعاً / ليتفرق
دمه في القبائل / ويعجز بنو هاشم عن قتال العرب جميعاً / فيرضوا بالدية / وينتهي
الأمر / فلم يبق أمام هذا النذير / إلا التأهب والإسراع في حذر إلي التواري عن
العيون / لقد تأهب رسول الله صلي الله عليه وسلم / وأعد للخروج عدته / ثم انتظر
حتى يؤمر / فلما أمر أجاب من فوره / فخرج من بيته لما قام قائم الظهير / وهرب
الناس إلي أكنانهم / وأمر الرسول صلي الله عليه وسلم / علي بن أبي طالب رضي الله
عنه / أن ينام علي فراشه ملتفاً ببرده الحضرمي / فإذا رآه الفتيان المدججون
بالسلاح / اطمأنوا وسكتوا / وخرج رسول الله صلي الله عليه وسلم وصاحبه من خلف دار
الصاحب / من خوخة لا تفضي إلي طريق مطروق / ولم يخرجا من الباب حذراً من الرصد / أو إصابة صدفة / وسار رسول الله صلي الله عليه وسلم
وصاحبه سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه / في طريق منعطف إلي جنوبي مكة الغربي /
في طريق اليمين تضليلاً للطالبين / وساراً ثلاثة أميال / أي ما يقرب من خمسة كيلو
متر / وصعدا جبل ثور / حتى استقرا أمام المخبأ الذي اختاراه / غير مكشوف ولا معروف
/ ثم دخلاه / ولقد كان في دخول الرسول صلي الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه
الغار معجزة / حيث أن غار ثور يظهر في عين الناظر كالحجاب الرادع / لا يستطيع أحد
دخوله / إذ كان بابه من صخرة معترضة / بين أسفلها وبين الأرض منفذ ضيق لا يتسع
لبدن ءاَدمي أن ينفذ فيه /ولا يستطيع أحد دخول الغار إلا من نافذته الضيقة تحت
الصخرة / ولا يدخل إلا زاحفاً بمقدم بدنه / ثم يلتوي المنطرح إلي يساره غير مستمر
/ لئلا تعوقه صخرة وراء الأولي / ثم يستكن في الفجوة اليسرى / فإذا أراد الخروج
خرج منكوساً بقدميه عكس ما دخل / من أجل هذه الصعوبة / يتضح أن دخول الرسول صلي
الله عليه وسلم وصاحبه الغار والخروج منه
/ كان معجزة إلهيه / ومكثا في الغار ثلاثة أيام / وكان عامر بن فهيرة يرعي عليهما
غنماً لأبي بكر / ويستمع ما يقال بمكة ويأتيهما بالخبر / أما المشركون فقد انطلقوا
بعد أن علموا بخروج النبي صلي الله عليه وسلم /ينتشرون في طريق المدينة / ويفتشون
عنه في كل الأماكن / ولقد إستأجر المشركون من يقص الأثر ويتبع القدم / حتى وصلوا
إلي غار ثور / وسمع الرسول صلي الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه أقدام
المشركين / يقول الله تعالي وهو أصدق القائلين :" إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ
نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ
هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا
فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا
وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ
الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "التوبة 40
ورحم الله من نظم تلك
الأبيات عن الهجرة النبوية
ويح قوم جفوا نبياً
بأرضٍ ألفته
ضبابها والظباءُ
وسلوه وحن جذع إليه وقلوه ووده الغرباء
أخرجوه منها / وءاَواه
غار وحمته حمامة
ورقاء
وكفته بنسجها عنكبوت ما كفته الحمامة الحصداء
واختفي منهم علي قرب
مرءاَه ومن شدة الظهور
الخفاء
والمعني يا هلاك قوم
هجروا نبياً مثل رسول الله صلي الله عليه وسلم / بأرض كمكة / وقد أحبه كل ما فيها
حتى الضباب والظباء والذئاب والأسود والنمور والحياء / وتسلوا عنه أي( مالوا عنه) زهداً فيه
/ في الوقت الذي حن فيه جذع من جذوع الأشجار إليه صلي الله عليه وسلم / وأظهر شوقه
إليه / وكرهوه حسداً / وهم أهله / في الوقت الذي عرف الغرباء عنه فضله ومنزلته /
فأنزلوه في قلوبهم قبل أن يفتحوا له أبواب مدينتهم ومنازلهم / لقد خسر كفار مكة
عندما أخرجوا الرسول صلي الله عليه وسلم / وءاَواه غار / وسخر الله له العنكبوت /
لتنسج خيوطاً حول مخبئه / حتى لا يظهر أمره / فيصلوا إليه بسوء / وكذلك الحمامة
الورقاء الحصداء / أفرخت بيضها حول مقامه الكريم / في غار النور / ومقر الطهر
والكرامة / لقد أعمى الله
أعين هؤلاء الكفار عنه صلي الله عليه وسلم / وهم أقرب ما يكونون منه / وعصم الله
نبيه وصاحبه أبا بكر من الشيطان وحزبه / ونحا المصطفي صلي الله عليه وسلم /
ونحا المصطفي المدينة واشتاقت / إليه من مكة الأنحاء /
وتغنت بمدحه الجن حتى أطرب الإنس منه ذاك
الغناء
واقتفي أثره سراقه فاستهوته في الأرض صاَفنٌ جرداءُ
ثم ناداه بعد ما سيمت الخسف وقد ينجد الغريق النداء
والمعني لقد قصد النبي
الكريم صلي الله عليه وسلم المدينة / دار هجرته / بعد أن تعب المشركون من العثور
عليه / وها هو سراقه يري الرسول وصاحبه يتجهان نحو المدينة / فيسرع وراءهما / لعله
يفوز بالجائزه التي رصد تها قريش /
لمن يأتي برسول الله صلي الله عليه وسلم حياً أو ميتاً / وما أن دنا من الرسول صلي
الله عليه وسلم / حتى عثرت به فرسه / فخر عنها / وحدث ذلك لسراقه مرتين / فاعتذر
للرسول صلي الله عليه وسلم / وسأله أن يستغفر له / ثم عرض عليهما الزاد والمتاع /
فقالا له / لا حاجة لنا / ولكن عم عنا الخبر فقال كفيتم وهكذا انطلق سراقه في الصباح جاهداً في قتلهما / وعاد في المساء
يحرسهما ويصرف الناس عنهما / أيها المسلمون:ماذا يعنى مضى عام
وحلول آخر لدى المسلم الواعى لحركة الحياة/ المدرك لأبعادها بدءاً ونهاية
ومسئوليةً ورسالةً/ إنه العمر يتفلت من بين أيدينا لحظةً وراء أخرى/ إنه العمر
المحدد بدقات القلب وأنفاس الصدر وعطايا الرزق/ يتقلب المرء فيه بين قوةٍ وضعف/
وصحةٍ ومرض/ وغنى وفقر وفراغٍ وشغل/ فإذا جاء الأجل كانت الوقفة الحاسمة أمام من
يعلم السر وأخفى/ يسأله عما ضيع من فرص القوة والغنى والفراغ/يسأله عما قدم لدينه
المحارب/ولرسوله المفترى عليه/
كم بذل من شبابه وماله؟ /وكم
قدم لمعاده من زاده؟/ماذا يقول لنبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الله عليه
وسلم الله عليه وسلم الله عليه وسلم وقد ائتمنه على البلاغ المبين ؟/وماذا يقول
لربه وقد أعطاه مالم يعط احداًمن العالمين/ لقد رأى الفساد والإنحراف /وعرف الحق
والفضيلة والأخلاق /ووصله منهج سيد الخلق فىالقضاء على هذا الرجس/ فبماذا اسهم
فىهذا المجال؟/ إن كل دقيقة تمر من عمرك تقربك من هذا الحساب أيها المسلمون:إن دوام الحال من المحال/
والحياة دائمة الأغيار/ ودينك أولى وأهم
من كل مايشغلك/ إن لو أنفقت من صحتك فىسبيله كنت شاكراً لنعمة الصحه وَمَن
شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ
كَرِيمٌ {40}ولو أنفقت من مالك في سبيله كنت
شاكرا لنعمه المال مصدقاً لقول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين (لَئِن
شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ {7}إبراهيم ) فهيا نغتنم الفرص ونحاسب
أنفسنا قبل أن نحاسب / فالحساب دقيق /مصدقاً لقول رب العزةِ تبارك وتعالي وهو
اصدق القائلين ( وَنَضَعُ
الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً
وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا
حَاسِبِينَ {47}الأنبياء ) والحمد لله رب العالمين
/ وقال ربكم ادعوني أستجب لكم / أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة /
الخطبة
الثانية
الحمد
لله رب العالمين
الحمد لله علي نعمة
الإسلام وكفي بها نعمة / الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران{102}
أما بعد / فيا أيها المسلمون / لقد انتشر نور
الإسلام / الذي به صلاح الدنيا والآخرة من المدينة النبوية / حيث استقر بها رسول
الله صلي الله عليه وسلم / خير هاد إلي الحياة الطيبة / وحسن العاقبة / وأعلن ذلك
فضل هجرته التي جعلها أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه / مبدأً لتاريخ الإسلام / تؤرخ به الأعوام العربية / تذكيراً بها
علي الدوام / ويجب علينا تذكر الهجرة النبوية / لعظم شأنها / والاعتبار بعبرها /
وأن أساس نجاح الهجرة / هو الهجرة القلبية / وهي انتقال القلوب من اتباع الشيطان
والنفس والهوي / إلي الإخلاص لله في طاعته سبحانه وتعالي / فلولا أن هجرة المسلمين
من مكة إلي المدينة / كانت مبنية علي هجرة القلوب /مقصوداً بها وجه الله ِتعالي /
ويبتغى بها رضاه /لما نظر الله إليها ولازكاها / ولا أنجح أصحابها /
وحكم لهم بالفلاح/ لذلك لم
يقبل الله هجرة من هاجروا للدنيا / وأغراضها ومتاعها القليل الفاني / كمهاجر أم
قيس / الذي أراد بهجرته أن يتزوجها / ولقد أوضح الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه
عليه ذلك/
روي
الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه / عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب
رضي الله عنه قال :/ سمعت رسول الله صلي الله عليه وسام يقول :(إنما الأعمال بالنيات / وإنما لكل امرئ ما نوي / فمن كانت هجرته
إلي الله ورسوله / فهجرته إلي الله ورسوله / ومن كانت هجرته لد نيا يصيبها / أو امرأة ينكحها / فهجرته إلي ما هاجر إليه /
أيها
المسلمون :/ بفتح مكة في شهر رمضان / سنة ثمان من هجرة النبي صلي الله عليه وسلم
إلي المدينة / انتهت فضيلة الهجرة البدنية من مكة إلي المدينة / وبقيت فضيلة
الهجرة الأساسية / الهجرة القلبية / التي أشار إليها الرسول صلي الله عليه وسلم
بالجهاد والنية /
روي
الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه / عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله
عنها قالت / قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :(لا هجرة بعد الفتح / ولكن جهاد
ونية) ومعني الحديث : من انتقل قلبه من ظلمة الشرك إلي نور التوحيد / ومن الغواية
إلي الهداية / ومن الشر إلي الخير/ ومن الجهل إلي الحلم / كان مهاجراً هجرة قلبية
/ وكان عمله صالحاً / ومعاملته حسنه / وخلقه كريماً / فالهجرة القلبية هي الهجرة
التي يجب أن يقوم بها علي الدوام كل مسلم / هي الهجرة الباقية إلي أن تقوم الساعة
/ ويرث الله الأرض ومن عليها / فليهاجر كل مسلم بقلبه ونفسه من الشهوات إلي
الطاعات / ومن عبادة هواه إلي عبادة ربه ومولاه / فهاجر يا أخي المسلم / من الباطل
إلي الحق / ومن الفساد إلي الصلاح / ومن الرذيلة إلي الفضيلة / ومن الظلم إلي
العدل / ومن البخل إلي الجود / ومن القسوة إلي الرحمة / ومن الغش إلي النصح / ومن
الكذب إلي الصدق / ومن الغدر إلي الوفاء / ومن الذل
إلي العز / ومن الرياء والنفاق إلي الإخلاص لله / ومن الإيذاء باللسان بالسباب
والشتم إلي إلقاء السلام / ومن الإيذاء
باليد / إلي المصافحة والإرشاد إلي الخير /
أيها
المسلمون : / اتقوا الله / وهاجروا إلي الله / فاهجروا كل ما يغضب الله / إلي ما
يحبه الله ويرضاه / اهجروا الشقاق والخصام إلي الوفاق والوئام / اهجروا ما حرم
الله / من خمر وقمار وغيره / إلي ما أحل الله من الطيبات /
روي
الإمام أحمد رضي الله عنه بسنده / عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :/ قال رسول الله
صلي الله عليه وسلم :/ (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده / والمؤمن من أمنه
الناس علي دمائهم وأموالهم)
وروي
الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال /
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم / (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده /
والمهاجر من هجر ما نهي الله عنه)
والحمد لله رب العالمين / اللهم إنك عفو تحب
العفو فأعف عنا /اللهم فقهنا في ديننا / اللهم أجعل القرءان الكريم ربيع قلوبنا /
وجلاء همومنا وذهاب أحزاننا /ربنا أتمم لنا نورنا وأغفر لنا إنك علي كل شئ قدير /
ربنا ءاَتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً / ربنا هب لنا من أزواجنا
وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك / وأغنينا
بفضلك عمن سواك / اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات / والمؤمنين والمؤمنات / الأحياء
منهم والأموات / أنك سميع قريب مجيب الدعوات / أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
ولكافة المسلمين / وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي ءآل سيدنا محمد وسلم تسليماً
"وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء
وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا
تَصْنَعُونَ" العنكبوت{54}
الخطبة الأولي الهجرة النبوية بداية
الكفاح الشاق
الحمد
لله رب العالمين يحب من هاجر إليه فهجر المعاصي داوم علي طاعته/ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل طريق الحق
واضح المعالم ليهلك/ من هلك عن
بينه ويحيا من حي عن بينه
واشهد
أن محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله حمل لواء البطولة حتى ارتفعت راية الإسلام
خفاقة في كل مكان
اللهم
صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي ءاَله وصحبه المهاجرين المجاهدين وأولئك هم
الفائزون
أما
بعد / فيا أيها المسلمون / نحمد الله تعالي الذي نجي نبيه الأمين من كيد الكائدين
/ ومكر الماكرين / يقول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" إِلاَّ
تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ
اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ
اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ
لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ
اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "التوبة{40}
أيها
المسلمون :/ إن في الهجرة النبوية / نري الحق الأعزل يخلص كريماً من مخالب الباطل
الباطش / ونري النبوة الحليمة الراشدة / تعلو السفاهة الكافرة الحمقاء / لقد ظل
رسول الله صلي الله عليه وسلم يعرض نفسه في كل موسم (موسم الحج) علي القبائل /
ويدعوهم إلي الله تعالي / ويطلب منهم أن يؤوه وينصروه / ويمنعوا قريشاً من تظاهرهم
عليه / وذات يوم / وبينما رسول الله صلي الله عليه وسلم عند جمرة العقبة /سنة إحدى
عشر من النبوة / إذ لقي رهطاً من الخزرج / أراد الله بهم خيراً / فكلمهم رسول الله
صلي الله عليه وسلم / ودعاهم إلي الإسلام / فقال بعضهم لبعض / إن هذا هو النبي
الذي كانت تعدكم به اليهود / فلا يسبقكم إليه أحد / فأجاب القوم رسول الله صلي
الله عليه وسلم / وءآمنوا به وصدقوه / وقالوا له / قد تركنا قومنا وبينهم من
العداوة ما بينهم / فأن يجمعهم الله عليك / فلا رجل أعز منك / ورجع القوم إلي
بلادهم بعد أن وعدوا رسول الله صلي الله عليه وسلم / بأن يلقوه في موسم الحج
القادم / هؤلاء هم أهل العقبة الأولي / وأول من أسلم من أهل يثرب / ولما كان العام
المقبل / قدم مكة من الأنصار اثناء عشر رجلاً / بايعوا الرسول صلي الله عليه وسلم
علي الإسلام / وعلي أن يؤوه / وينصروه إلي بلدهم / وهؤلاء أهل العقبة الثانية /
وكلف الرسول صلي الله عليه وسلم مصعب بن عمير رضي الله عنه / بأن يصحب الذين
اعتنقوا الإسلام من أهل يثرب عند عودتهم إلي مدينتهم / ليعلمهم القرءان / وليفقههم
في الدين / وكان سيدنا مصعب رضي الله عنه داعية مؤمناً قوياً / مشغوفاً بهداية
الناس إلي الإسلام / وكان يصبر علي الأذى / وكان حليماً في دعوته / بعد وصول سيدنا
مصعب رضي الله عنه مع أهل يثرب إلي المدينة بأيام قلائل / دعاه أحد رجال المدينة /
ويدعي أسيد بن الحضير / وسأله / ما الذي أتي بك إلي مدينتنا ؟ / هل أتيت لتتعرف
علي قوتنا ؟/ إذا أردت أن تنجو بحياتك /
فعليك بالخروج من أسوار المدينة فوراً /
إذا كان لحياتك قيمة عندك / فرد عليه سيدنا مصعب رضي الله عنه / أتجلس لتستمع دون
خوف أو اضطراب / فإن رضيت أمراً قبلته / وإن كرهته كف عنك ما تكره / فقال الرجل /
أنصفت / ثم جلس فكلمه سيدنا مصعب رضي الله عنه بالإسلام / وأخذ يشرح له الإسلام /
ورسالة النبي صلي الله عليه وسلم / وأصول العقيدة / وقرأ عليه بعض ءآيات القرءان
الكريم / فواالله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم / في إشراقه وتسهله / وأصبح
سيدنا أسيد بن الخضير / أول من أسلم علي يد سيدنا مصعب بن عمير رضي الله عنهما /
وانضم إلي سيدنا مصعب في جهاده لنشر الإسلام / ودعوة أهل يثرب إليه / وكان أول
تضامن لهما / هو إقناع سيدنا سعد بن معاذ كبير الأوس بالإسلام / وكان سيدنا مصعب
رضي الله عنه يعلم أن أمير الأوس يحب العدل / ويرغب في الإصلاح / فاختار له من
ءآيات القرءان الكريم / ما يجعله يقبل الإسلام عن إيمان عميق قوي / وأسلم سيدنا
سعد بن معاذ سيد الأوس رضي الله عنه / ورجع إلي قومه فقال / يا بني عبد الأشهل /
كيف تعلمون من أمري / قالوا سيدنا وأفضلنا رأياً / وأيمننا نقيبه (أي قياده) / قال
سيدنا سعد بن معاذ سيد الأوس رضي الله عنه /
فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام / حتى تؤمنوا بالله ورسوله / فوا الله ما
أمسي في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلماً أو مسلمة / لقد دعا سيدنا
سعد رضي الله عنه / شيوخ الأوس إلي اجتماع / ثم أخذ يحدثهم عما وجده في القرءان
العظيم / وفي الدين الحنيف / كما حدثهم عن نقاشه مع سيدنا مصعب رضي الله عنه /
وكيف أن سيدنا مصعب رضي الله عنه / قد أوضح له ما غمض من مسائل / ووصف سيدنا سعد
رضي الله عنه الرسول / بأنه رجل قد تحرر من الغرور والأطماع الشخصية / رجل رفض
الجاه والسلطان من أجل رسالته الروحية / فهو رجل لا يخشي منه / ولا من أطماع في
نفسه / ولا يعرف عنه سعيه لمال أو جاه / وأعلن في أهله / أنهم في حاجة إلي قائد له
شخصية / توجد بينهم / وتمحو خلافاتهم السياسة / وتصلح ما فسد في مجتمعهم / ثم قال
خطيباً فيهم وقال / لقد جاء الوقت الذي أصبحت فيه أقدارنا في أيدينا / فلقد جاء
علي ألسنة الرسل السابقين من موسى وعيسي عليهما السلام / أن هناك نبياً سيظهر ليزيل الضلال / وينير الطريق للبشرية / وإني لآري في رسول الله
سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ذلك النبي / يا رفاقي دعونا نتبع الحق / ولنصبح
مسلمين / ولندعوه ليعيش بيننا / ويُسَيٍّرَ
أمورنا /لقد كان في حديث سيدنا سعد رضي الله عنه قوة مؤثرة / وبلاغة نادره /
وتعبير عن إيمان عميق / وإحياء للأمال في النفوس / وهكذا انتشر الإسلام في المدينة
بسرعة لم يشهدها من قبل / فأسام يهود ومسيحيون / ومجوس وعبدة نجوم / ومن كل الملل
والأديان / لقد وجد الإسلام في المدينة القلوب الصافية / التي تفتحت به / وتفتحت
له
أيها
المسلمون :/ لقد كانت عيون قريش ترقب سيدنا محمداً صلي الله عليه وسلم / وعلمت بما
حدث في يثرب / وعلمت بنجاح سيدنا مصعب / ونشاط سيدنا سعد أمير الأوس / رضي الله
عنهما / وعرفوا أن العباس عم الرسول رضي الله عنه / قد وضع قرابة الدم فوق كل
إعتبار / من ولاء للقبيلة / أو لآلهة الكعبة / لقد وقف زعماء قريش يستحثون رفاقهم
لأن الوقت في غير صالحهم / وأن سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وحيداً في مكة / لا
يحيطه من أقاربه أحد / ولا يحميه أتباع ولا أصدقاء / لم يسبق له أن كان وحيداً
كيومه ذلك / ولن يثير قتله شيئاً / وأنه إذا ما ترك / فإنه سوف يقيم دينه الجديد
في المدينة / ولم يختلف سادة قريش علي القرار / ولكن اختلفوا حول من ينفذ القرار /
فالقصاص عند العرب تقليد / ولم يكن أي من سادة العشائر / يريد أن يزج بأهله في
صراع دموي مع بني هاشم / عشيرة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم / وكان عقل أبي جهل
يعمل الفكر / وقال لزعماء قريش / إن قتل محمداً أمر لا خلاف عليه / وهو أمر ضروري
/ واقتراحي لتنفيذ ذلك / أن تأتي كل قبيلة بشاب جلد قوي من أبنائها / ويعطي لكل
منهم سيفاً بتاراً / وحينما يخرج محمداً في الفجر / يجهزون عليه / ويضربونه ضربة
رجل واحد / فيموت ويتفرق دمه بين القبائل كلها / وعندئذ / لن يستطيع بنو هاشم
محاربة جميع العشائر / فيكتفوا عن ذلك بالدية / وقوبل اقتراح أبي جهل بالرضا /
وكان تعليق الجميع / لم يقل أبو جهل إلا حقاً / وسارعت القبائل للتنفيذ / فانتخبت
كل عشيرة منها شاباً / وأعطوا هؤلاء الشباب سيوف بتارة / وقادهم أبو جهل / فحاصروا
بيت سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم / انتظاراً لخروجه لصلاة الفجر / وظل الجميع
يرقبون البيت / ووضع الحراس علي أسطح المنازل المحيطة / وهكذا ظنوا أن الصقر قد
وقع في الفخ / وأن حياته قد أصبحت في أيديهم / :" وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ
اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ "الأنفال{30}
لم
يبق إلا وقت قليل / حتى تبدأ الشمس في الشروق / وهمس أبو جهل داعياً رفاقه / وقال
يا رفاق / لقد انتظرنا طويلاً / هيا بنا قبل طلوع الشمس / لنخلص مكة من هذا الداء
الذي انتابها / واندفع القوم وكسروا الباب / فدخلوا ظامئين إلي الدم / وأحاطوا
بالفراش / وأزاحوا البردة الخضراء / فإذا بالنائم يستيقظ ويجلس / فإذا هو علي بن
أبي طالب رضى الله عنه / سألهم
سيدنا علي رضي الله عنه / ماذا تريدون / فقالوا بغضب وضجيج / أنت تعلم من نريد /
نريد محمداً / أين محمد / فرد عليهم / ابحثوا عنه بأنفسكم / فصاح أبو جهل / أسرعوا
يا قوم / ابحثوا في كل مكان / في كل أركان البيت / ثم في أنحاء مكة حتى نجده /
فلنبحث ولو في رمال الصحراء / وعلي بعد مئات الأميال / لقد كان غضب قريش بالغا
مبلغة / غضب بلا حدود / فقد كانوا يظنون أن خطتهم دقيقة سليمة / وقد خاب ظنهم /
وأخرج من دار الندوة مائة ناقة / جائزة لمن يأتي برسول الله صلي الله عليه وسلم
حياً أو ميتاً / وسارع رجال أبي جهل في تفتيش طريق يثرب / وجمع أبو سفيان فرسانه /
وخرج بهم بحثاً في أرجاء البلاد / وخرجت مكة كلها معهم / لقد ظلو يجوبون الأرض
بحثاً عنه ليقتلوه / وكان صحيحاً ما ذكره سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم / (
يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ) صحيح مسلم حـ15 صـ148ـ
:"
لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا " التوبة{40}
لقد
كان التسليم لله هو مبعث الشجاعة عند سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ومبعث السكينة
والطمأنينة ، وهو في عمق تفكيره ، ينزل عليه القرءان :" ِإنَّ الَّذِي فَرَضَ
عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء
بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ "القصص{85}
ومعني
الأية إن الذي أنزل عليك يا محمد القرءان وفرض عليك تبليغه لمرجعك إلي الموضع الذي
خرجت منه وهو مكة/ والحمد لله رب العالمين ،وقال ربكم أدعوني أستجب لكم ، أدعو
الله وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين
الحمد لله علي نعمة
الإسلام وكفي بها نعمة / الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران{102}
أما بعد / فيا أيها المسلمون / نحن نستقبل عاماً
جديداً إسلامياً هجرياً / ابتداء عقد سنواته من أجل مناسبة في الإسلام / ألا وهي
هجرة النبي صلي الله عليه وسلم / التي تمت ظهر يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع
الأول / واتخذها المسلمون بدءاً لتاريخهم الهجري الإسلامي / وسبب اختيار المسلمون
الهجرة النبوية الشريفة لتاريخهم / هو أنه لم يكن في حياة الرسول صلي الله عليه
وسلم / حادث أعظم شأناً / وأجل أثراً في ذيوع الإسلام وانتشاره بين ربوع العالم /
من حادث الهجرة / فالهجرة فرقت بين الحق والباطل / ولقد بدأ العام الهجري بشهر
المحرم / لأنه شهر حرام يلي شهر ذي الحجة / الذي يؤدي فيه المسلمون حجهم / الذي به
تمام أركان دينهم / والذي كانت فيه بيعة الأنصار للنبي صلي الله عليه وسلم /
والعزيمة علي الهجرة / فكان ابتداء العام الهجري من الشهر المحرم الحرام / أيها
المسلمون / إن التاريخ الهجري هو تاريخ عالمي/ مصدقاً لقول الحق تبارك وتعالي وهو
أصدق القائلين :" يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ
لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ "البقرة{189}
إنها
مواقيت للناس كلهم / بدون تخصيص / لا فرق بين عرب وعجم / فهي علامات محسوسة ظاهرة
لكل أحد / يعرف بها دخول الشهر وخروجه / فمتى روي رؤى الهلال من أول الليل / دخل
الشهر الجديد / وخرج الشهر السابق / بعكس أي توقيت ءآخر غير محسوس مختلف فيه /
أحياناً تكون شهوره واحد وثلاثون يوماً / وبعضها ثمانية وعشرون يوماً / وبعضها بين
ذلك / ولا يعلم لهذا الاختلاف سبب حقيقي / لذا يجب علي المسلمين / استخدام الآلات
الحديثة البصرية في رؤية الهلال / حتى تتحد أوائل الشهور العربية في جميع البلاد
الإسلامية / ويصبح التاريخ الإسلامي هو التاريخ العالمي / الذي أمر به الله / روي
الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن أبي هريرة رضي الله عنه قال / قال رسول
الله صلي الله عليه وسلم / (أفضل الصيام بعد رمضان / شهر الله المحرم / وأفضل
الصلاة بعد الفريضة / صلاة الليل)1526 (كتاب الترغيب والترهيب) وسئل رسول الله صلي
الله عليه وسلم / عن صيام يوم عاشوراء / فقال صلي الله عليه وسلم / يكفر السنة
الماضية)1530(كتاب الترغيب والترهيب)
والحمد
لله رب العالمين / 1) اللهم إنك عفو تحب العفو فأعف عنا /اللهم فقهنا في ديننا /
اللهم اجعل القرءان الكريم ربيع قلوبنا / وجلاء همومنا / وذهاب أحزاننا / 3) ربنا
أتمم لنا نورنا وأغفر لنا إنك علي كل شئ قدير / 4) ربنا هب لنا من أزواجنا
وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً / 5) اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين
/ 6) اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لما تحبه وترضاه / 7) اللهم انصرهم علي أعداءك
أعداء الدين / 8) اللهم اجعل مصر بلداً آمنا وسائر بلاد المسلمين / 9) اللهم اشف
أمراضنا وأمراض المسلمين / 01) اللهم وفق أبناءنا لما تحبه وترضاه /
اللهم اغفر
للمسلمين والمسلمات / والمؤمنين والمؤمنات / الأحياء منهم والأموات / أنك سميع
قريب مجيب الدعوات
أقول قولي
هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين / وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي ءآل
سيدنا محمد وسلم تسليماً "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا
تَصْنَعُونَ" العنكبوت{45}
الخطبة
الأولي
الهجرة
النبوية بداية الكفاح الشاق
الحمد
لله رب العالمين لا يحب إلا المؤمنين وقد كتب لهم النصر المبين/ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه
الحكيم :" وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ "الروم{74}
وأشهد
أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله/ خير من
هاجر لله /وهجر ما يسخطه الله جل
علاه/ وأحسن معاملة خلق الله فنصره الله عز وجل.
اللهم
صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي ءاله وصحبه الذين هجروا الرذائل وتحلوا
بالفضائل فأفلحوا وفازوا
أما
بعد / فيا أيها المسلمون :/ نحمد الله تعالي الذي نجي نبيه الأمين من كيد الكائدين
ومكر الماكرين / يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" وَكَانَ حَقّاً
عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ"الروم{74}
أيها
المسلمون : إن للهجرة النبوية جانباً هاماً في حياة الرسول صلي الله عليه وسلم
بخاصة / وفي مسار الإسلام والحضارة الإنسانية بعامة / فالهجرة النبوية مرحلة
مصيرية عالمية / أخذت أهميتها من آثارها العالمية / التي حدثت في تاريخ الإنسانية
فيما بعد / فلولا الهجرة ما كانت النصرة / ولولا النصرة ما كانت بدراً / ولولا بدر
ما كانت القاد سية وانتصارات المسلمين
أيها
المسلمون / لقد زرع رسول الله صلي الله عليه وسلم بيوتاً مسلمة في المدينة النبوية
وهو بمكة المكرمة / وذلك في بيعة العقبة / في موسم الحج عندما جاء وفد الخزرج
والأوس لآداء مناسك الحج في مكة / حيث علموا من يهود يثرب / وكانوا أهل كتاب وعلم
/ (أن نبياً مبعوثاً قد آن أوانه / وقد أظل زمانه / وكان اليهود يهددون الأوس
والخزرج / بأنهم سيتبعون ذلك النبي / ويقتلونهم قتل عاد وارم / وآمن وقد الأوس
والخزرج بالرسول صلي الله عليه وسلم /
روي
الإمام ابن مسعد رضي الله عنه بسنده في طبقاته / عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت / (لما صدر
السبعون وفد الخزرج والأوس من عند رسول الله صلي الله عليه وسلم / طابت نفسه / فقد
جعل الله له منعة وقوماً أهل حرب وعدة ونجده / وجعل البلاء يشتد علي المسلمين من
المشركين / لما يعلمون من الخروج / فضيقوا علي أصحابه وتعبثوا بهم / ونالوا ما لم
يكونوا ينالون من الشتم والأذى ) فشكا ذلك أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم /
واستأذنوه في الهجرة / فقال صلي الله عليه وسلم :( قد أخبرت بدار هجرتكم وهي يثرب
/ فمن أراد الخروج / فليخرج إليها / فجعل القوم يتجهزون ويتوافقون ويتواسون
ويخرجون / ويخفون ذلك / إلا سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه / لما هم بالهجرة
تقلد سيفه / وتنكب قوسه / وانتضي في يده أسهماً / واختصر عترته/(أي ضمها إلي
خاصرته وهي مثل نصف الرمح ولها سنان مثل سنان الرمح) / ومضى قبل الكعبة
/ والملأ من قريش بفنائها / فطاف بالبيت سبعاً متمكناً مطمئناً ثم أتي المقام فصلي
/ ثم وقف فقال :/ (شاهت الوجوه / لا يرغم الله إلا هذه المعاطس / من أراد أن يتكل
أمه / أو ييتم ولده / أو يرمل زوجته
/ فليلقنني وراء هذا الوادي) ولما رأي المشركون :أصحاب رسول الله صلي الله عليه
وسلم / قد تجهزوا وخرجوا / وحملوا وساقوا الزرارى والأطفال والأموال إلي الأوس
والخزرج / قامت القلاقل / واجتمع جميع نواب قبائل قريش في دار الندوة / ليتدارسوا
خطة حاسمة / تكفل القضاء سريعاً علي حامل لواء الإسلام والدعوة الإسلامية / وكانت
الوجوه البارزة في هذا الاجتماع الخطير من نواب قبائل قريش / أبو جهل بن هشام /
وجبير بن مطعم / وطعيمة ابن عدي / والحارث بن عامر / وشيبة وعتبة أبناء بيعة /
وأبو سفيان بن حرب / والنضر بن الحارث /
ولما جاءوا إلي دار الندوة حسب الميعاد / اعترضهم إبليس علي هيئة شيخ جليل / ووقف
علي الباب / فقال من الشيخ ؟/ قال شيخ من أهل نجد سمع بالذي أعددتم له / فحضر معكم
/ ليسمع ما تقولون / وعسي أن لا يعد منكم منه رأياً ونصحاً / قالوا أجل فأدخل /
فدخل معهم / ودار نقاش طويل / حتى تقدم كبير مجرمي مكة أبو جهل بن هشام فقال /
والله إن لي فيه رأياً ما أراكم وقعتم عليه بعد / قالوا وما هو يا أبا الحكم ؟/
قال أري أن نأخذ من كل قبيلة فتي شاباً جلداً نسيباً وسيطاً فتياً / ثم نعطي كل
فتي منهم سيفاً صارماً / ثم يعمدوا إليه فيضربونه
ضربة رجل واحد / فيتفرق دمه في القبائل جميعاً / فلا يقدر بنو عبد مناف علي
حرب قومهم جميعاً / فيرضوا بالدية / فقال الشيخ النجدي / القول ما قال الرجل / هذا
الرأي الذي لا أري غيره / ووافق برلمان مكة علي هذا الاقتراح الآثم بالإجماع /
ورجع النواب وصمموا علي تنفيذ هذا القرار فوراً / ولما تم اتخاذ القرار الغاشم
بقتل النبي صلي الله عليه وسلم / نزل إليه سيدنا جبريل عليه السلام بوحي ربه تبارك
وتعالي / فأخبره بمؤامرة قريش / وأن الله عز وجل قد أذن له في الخروج / وحدد له
وقت الهجرة قائلاً :/ لا تبت هذه الليلة علي فراشك الذي كنت تبيت عليه / وذهب
النبي صلي الله عليه وسلم في الهاجرة في نحر الظهيرة إلي سيدنا أبي بكر رضي الله
عنه ليبرم معه مراحل الهجرة / فلما كانت عتمة الليل
اجتمع أكابر مجرمي قريش والشبان المشركين حول دار الرسول صلي الله عليه وسلم / وكل
واحد منهم ديدبان / لا يغمضون أعينهم / ينظرون من فرجة في البيت / ليروه ببرده
الحضرمي الأخضر ملتفاً مستغرقاً في النوم / وكانوا علي ثقة ويقين من نجاح هذه
المؤامرة الدنيه / حتى وقف أبو جهل وقفة الزهو والخيلاء / وقال مخاطباً أصحابه المطوقين
للدار :/ إن محمداً يزعم أنكم إن تابعتموه علي أمره / كنتم ملوك العرب والعجم / ثم
بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم جنان الأرون (جنات فىبلاد فارس) / وإن لم تفعلوا كان
له فيكم ذبح / ثم بعثتم من بعد موتكم / ثم جعلت لكم ناراً تحرقون فيها /
أيها
المسلمون: /إن الله غالب علي
أمره / بيده ملكوت السماوات والأرض / يفعل ما يشاء / وهو يجير ولا يجار عليه / فقد
فعل ما خاطب به الرسول صلي الله عليه وسلم / يقول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق
القائلين :" وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ
يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ
الْمَاكِرِينَ "الأنفال{30}
أيها
المسلمون / إن العناية الإلهية قد تجاوزت حدود العقل في حماية الرسول صلي الله
عليه وسلم وأصحابه المؤمنين / فها هو غار ثور يظهر في عين الناظر كالحجاب الرادع /
لا يستطيع أحد دخوله / وتنسج العنكبوت نسجها علي بابه / والحمامة تصنع لها عشاً
لتبيض فيه / وشجرة بعد ذلك كله / تميل بفرعها علي باب الغار / وهكذا منظر يدل علي
أن الغار مهجور منذ زمن طويل / لم يمر ببابة حيوان ولا إنسان / ولم يزل فتيان قريش
ينتظرون الرسول حول داره ليضربوه ضربة رجل واحد / وما يدرون أن الله قد أخذ علي
أبصارهم فلم يبصروا به / وكان الرسول صلي الله عليه وسلم قد أخذ كفاً من تراب فصار
ينثر منها علي رؤوسهم / زيادة في النكاية بهم / وهو يتلو صدر سورة يس / حتى قوله
تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ
سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ
"يس{9}
روي
الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن أمير المؤمنين سيدنا أبي بكر الصديق رضي
الله عنه قال / نظرت إلي أقدام المشركين علي رؤوسنا ونحن في الغار /فقلت يا رسول
الله لو أن أحدهم نظر إلي قدميه أبصرنا تحت قدميه / فقال صلي الله عليه وسلم / يا
أبا بكر / ما ظنك باثنين الله ثالثهما وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق
القائلين :" إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ
الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ
لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ
عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ
كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
"التوبة{40}
والحمد لله رب العالمين / وقال ربكم
ادعوني أستجب لكم أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة الخطبة
الثانية
الحمد لله رب العالمين
الحمد لله علي نعمة
الإسلام وكفي بها نعمة / الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران{102}
أما بعد / فيا أيها المسلمون / لما كان رسول
الله صلي الله عليه وسلم ومعه سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه / ومولي أبي بكر عامر
بن فهيرة / ودليلهم عبد الله بن أريقط رضي الله عنهم / مروا علي خيمة أم معبد
الخزاعية / فسألوها تمراً أو لحماً ليشتروه منها / فلم يجدوا عندها شيئاً / وقالت
لهم / والله لو كان عندنا شئ ما أعوزناكم / فنظر الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم
إلي شاة لها في الخيمة / فقال صلي الله عليه وسلم / ما هذه الشاة يا أم معبد؟ /
فقالت / شاة خلفها الجهد عن الغنم / فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم / وهل بها
من لبن / قالت أم معبد / هي أجهد من ذلك / فقال صلي الله عليه وسلم / أتأذنين لي
أن أحلبها ؟/ قالت نعم بأبي أنت وأمي / إن رأيت بها حلباً فأحلبها / فوا الله ما
ضربها فحل قط / فشأنك بها / فدعا الرسول صلي الله عليه وسلم بالشاة فمسح ضرعها /
وذكر اسم الله / وقال صلي الله عليه وسلم اللهم بارك لهما في شاتهما / وهنا ظهرت
معجزاته صلوات الله وسلامه عليه / فإذا بالضرع يمتلئ لبناً ويدر الكثير / فدعا
بإناء لها يكفي الرهط فحلب فيه / فسقاها فشربت حتى رويت / ثم سقي أصحابه حتى رووا
/ وشرب هو صلي الله عليه وسلم ءآخرهم / ثم حلب فيه ثانياً / وغادره عندها / ثم مضوا
في طريقهم / ولما جاء زوجها أبو معبد
/ ورأى اللبن تعجب قائلاً / من أين لكم هذا اللبن / والشاة عازب / ولا حلوب في
البيت / قالت لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك / مسح بيده ضرع الشاة وظهرها /
وسمي الله عز وجل / فدرت/ قال زوجها صفيه لي يا أم معبد ؟/ قالت رضي الله عنها /
رأيت رجلاً ظاهر الوضاءه (أي طلق الوجه ذي
كرم ومعروف)/ أبلج الوجه / حسن الخلق / وظلت تصفه إلي أن قالت فهو أنضر الثلاثة
منظراً / وأحسنهم قدراً / له رفقاء يحفون به (أى
يحيطون
به) / إذا قال استمعوا لقوله / وإذا أمر تبادروا إلي أمره / قال زوجها رضي الله
عنه / هذا والله صاحب قريش / الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر / ولو كنت وافقته يأم معبد لا
لتمست أن أصحبه / ولأ فعلن إن وجدت إلي ذلك سبيلاً /
ورحم الله من قال /
جزي الله رب الناس خير
جزائه رفيقين
حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر وارتحلا
به فأفلح من
أمسي رفيق محمد
فيا
لقص مازوي الله عنكم به
من فعال لا تجاري وسؤدد
ليهن بني كعب مقام فتاتهم ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلو
أختكم عن شاتها وإنائها فإنكم
إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاه حائل (لم
يضربها فحل) فتحلبت / له بصريح (لبن
خالص غير مخلوط بالماء) ضره الشاة مزبد (رغوة اللبن)
فغادرها (أي ترك الشاة
عندها) رهناً لديها لحالب / يرددها
في مصدر ثم مورد
وهكذا نجد أن هذا
الموقف الذي حدث في خيمة أم معبد يوضح لنا مدي عناية وتوفيق الله سبحانه وتعالي
لهذه الرحلة ورعايته التي حرست خطي صفيه وحبيبه صلي الله عليه وسلم في حله وترحاله
وأن كل خطوة من خطاه صلي الله عليه وسلم إنما هي مؤيدة بنصر الله وتوفيقه وقصة
سراقة يوم الهجرة عندما خاطب أبا جهل تؤكد ذلك
أبا حكم والله لو كنت
شاهدا ًلأمر
جوادي إذ تسوخ قوائمه
علمت ولم تشكك بأن
محمداً رسول
ببرهان فمن ذا يقاومه
والحمد لله رب العالمين اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات
/ والمؤمنين والمؤمنات / الأحياء منهم والأموات / أنك سميع قريب مجيب الدعوات
أقول قولي
هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين / وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي ءآل
سيدنا محمد وسلم تسليماً "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا
تَصْنَعُونَ" العنكبوت{45}
ذكري الهجرة النبوية الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين
نصر رسوله صلي الله عليه وسلم وصاحبه أبا بكر والمؤمنين المهاجرين والأنصار بحادث
الهجرة نصراً مؤزرا
وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له ناصر المستضعفين إذا التجأوا إليه وأشهد أن محمداً عبد الله
ورسوله هاجر من وطنه القريب إلي قلبه قياماً بالدعوة إلي ربه ونشراً لرسالة
الإسلام في ربوع الأنام
اللهم صل وسلم وبارك
علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الذين هاجروا لنصرته ونصروه في هجرته فنعم المهاجرون والأنصار
أما بعد / فيا أيها
المسلمون / نحمد الله سبحانه وتعالي الذي يحب من هاجر إليه / فهجر المعاصي وداوم
علي طاعته / يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" وَالَّذِينَ
آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ
وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ
كَرِيمٌ "الأنفال{74}
بالأمس القريب / استقبل
المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها عاماً جديداً في حياتهم / يرجون نفعه / ويأملون
خيره / وودعنا عاماً من عمر دنياناً / ذقنا حلوه ومره / وهكذا الحياة تمض بأيامها
ولياليها / وإن في تاريخ الأمم والجماعات أعمالاً ظاهرة / تؤيدها قوة الله عز وجل
/ وتحفظها ملائكة الرعاية والرحمة / وفي مقدمة هذه الأعمال / حادث الهجرة النبوية
الشريفة / إذ لولا الهجرة ما كانت النصرة / ولولا النصرة
ما كانت بد راً / ولولا بدر ما كانت القادسية وانتصارات المسلمين / لقد رأينا في
الهجرة النبوية الشريفة / الحق الأعزل يخلص كريماً من بين مخالب الباطل الباطش /
ونري النبوة الحليمة الراشدة
/ تعلو علي السفاهة الكافرة الحمقاء / وليس ذلك كله عمل الإنسان / ولكنه في بدئه
ومختتمه تدبير الرحمن عز وجل / يقول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين:"
وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ "الأنفال{30}
لقد كانت هجرة النبي
صلوات الله وسلامه عليه ثورة أي ثوره / كانت ثورة علي الفساد في العقائد / والضلال
في الأفكار / كما كانت فتحاً جديداً في تاريخ الإنسانية / وتحولاً واضحاً في وضع
الجماعة البشرية / ونصراً ملحوظاً للدعوة الإسلامية / وإقامة دولة الإسلام دون أن
تراق قطرة دم / وقد علمتنا الهجرة النبوية بجلالها ومعانيها كثيراً من الدروس
والعظات والعبر / علمتنا أول ما علمتنا / أن الحق لابد له من وطن ودار وأنصار /
وأن الباطل المتحكم / لا يسلم قياده للحق
المقبل في يسر وسهوله / بل إن ذلك الباطل يقف عنيداً شديداً في وجه الحق / يأخذ
عليه الطريق / ويسد في وجهه المنافذ / ويتربص به الدوائر / ويعمل فيه سلاح الإرهاب
/ وحينئذ يحتاج الحق إلي الإلتجاء بدعوته ومبادئه إلي تربة خصيبة / ودار أمنه /
وأنصار مؤمنين / وعلمتنا الهجرة أن الشباب إذا نشأوا منذ الصغر علي مواجهة الخطر /
كانوا رجالاً إجلاء / فهذا هو سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه / ينشأ في مدرسة
النبوة العظيمة الحكيمة / فتى من فتيان الإسلام الاماجد / لا يخاف إلا الله / ولا
يهاب أحداً سواه / وهو يقدم علي الأخطار غير هياب ولا وجل / فقد تلاقي مجرمو قريش
تحت الظلام حول بيت النبي صلي الله عليه وسلم / وبيد كل منهم سلاحه يرصدونه حتى
ينام / ليثبوا عليه وثبة رجل واحد / فيتفرق دمه في القبائل / في هذه اللحظة
المحفوفة بالأخطار والمهالك / يقول رسول الله معلم الإنسانية الأعظم / صلوات الله
وسلامه عليه / يقول لابن عمه نم علي فراشي / وتسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر / فنم
فيه / فإنه لن يخلص إليك شئ تكرهه منهم / فينفذ سيدنا علي رضي الله عنه الأمر بلا
خوف ولا رهبة ولا تردد / فلقد كان أمر الله عز وجل لرسوله عن طريق أمين الوحي
سيدنا جبريل عليه السلام / (لا تبت هذه الليلة علي فراشك الذي كنت تبيت عليه) /
وكان تصرف النبي القائد صلي الله عليه وسلم / بنوم عليٍّ على فراشه وتسجيه ببرده / جزءاً في نجاح الهجرة النبوية
الشريفة / وذلك بالتمويه والتعمية علي العدو المشرك / فلقد قال لهم الرجل الذي رأي
رسول الله صلي الله عليه وسلم خارجاً من بيته /
خيبكم الله / قد والله خرج عليكم محمد / ثم ما ترك منكم رجلاً إلا قد وضع علي رأسه
التراب / أفما ترون ما بكم ؟ فوضع كل رجل منهم يده علي رأسه / فإذا عليه تراب / ثم
جعلوا يتطلعون فيرون علياً علي الفراش / متسجياً ببرد رسول الله صلي الله عليه
وسلم / فيقولون : / والله إن هذا لمحمد نائماً عليه برده / فلم يبرحوا كذلك حتى
أصبحوا / فقام سيدنا علي رضي الله عنه عن الفراش / فقالوا والله لقد كان صدقنا
الذي حدثنا / وقام سيدنا علي برد الودائع التى كانت عند رسول الله صلي الله عليه
وسلم للناس /
تنفيذاً لأمر النبى الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم الله عليه
وسلم/حيث لايوجد بمكة أحد عنده شىء يخشى عليه إلا وضعه عند رسول الله صلى الله
عليه وسلم الله عليه وسلم لما يعلم من صدقه
وأمانته صلي الله عليه وسلم / وعلمتنا الهجرة النبوية الشريفة / أن نأخذ بالأسباب
/ ونبذل أقصي الجهد اقتداء برسول الله صلي الله عليه وسلم / الذي أخذ بالاحتياط
البشري / رغم تأكيد حماية الله عز وجل له / ونصره له حين تخلت عنه قوة الأرض /
وحين كان المسلمون كلهم كقوة بشرية قائمين في المدينة / أو مختفين في مكة / ليس
معه للحماية إلا إنسان واحد / يقول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" إِلاَّ
تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ
اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ
يَقُولُ
لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ
عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ
كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
"التوبة{40}
لقد حرس الله عز وجل
نبيه من الملاحقة بعالم الأسباب في تخطيط البشر / فلقد ذهب النبي صلي الله عليه
وسلم في اليوم الذي أذن له بالهجرة / لبيت سيدنا أبي بكر رضي الله عنه وقت الهاجرة
(أي ساعة القيلولة)/ وكانت الهجرة في أوائل أيلول / من أشهر الصيف / حيث يكون الجو
حرارة ولظى / وكل إنسان في بيته من شدة الحر بمكة / وذلك ضماناً للسرية /
وعندما
كان الثلث الأخير من الليل / خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم في غفلة من مجرمي
قريش إلي دار أبي بكر رضي الله عنه / وخرج منة خوخة لأبي بكر في ظهر بيته / حذراً
من الرصد والمراقبة لباب البيت / ثم عمداً إلي غار ثور فدخلاه / حيث أن طريق
المدينة مرصود بعدد غفير من الفرسان المشركين / الذين لا هم لهم إلا القضاء علي
قائد الدعوة / فاتجاه رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي الغار / فوت علي العدو
مخططه / فغار ثور جنوب مكة / وليس علي طريق المدينة / كما أن جبل ثور جبل شامخ وعر
الطريق / صعب المرتقي / ذو أحجار كثيرة / فحفيت قدما
رسول الله صلي الله عليه وسلم حتى صعد الجبل / وحمله سيدنا أبو بكر رضي الله عنه
حتى انتهي إلي غار ثور في قمة الجبل / ولما انتهيا إلي الغار / قال سيدنا أبو بكر
رضي الله عنه للرسول صلي الله عليه وسلم :/ والذي بعثك بالحق لا تدخله حتى أدخله
قبلك / فإن كان فيه شئ نزل بي قبلك / ثم دخل سيدنا أبو بكر رضي الله عنه الغار /
فجعل يتلمس بيده / وكلما وجد جحراً قام إلي
ثوبه فشقه ثم ألقمه الجحر / حتى فعل ذلك بثوبه أجمع / فبقي جحر فوضع رجله عليه / ثم قال لرسول الله صلي الله عليه وسلم
أدخل / فدخل رسول الله صلي الله عليه وسلم ووضع رأسه في حجر أبي بكر ونام / فلدغ
أبو بكر في رجله من الجحر / ولم
يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله صلي الله عليه وسلم / حتى سالت دموعه / فقال رسول
الله صلي الله عليه وسلم مالك يا أبا بكر ؟/ قال رضي الله عنه / لدغت ؟ فداك أبي
وأمي / فتفل رسول الله صلي الله عليه وسلم فذهب ما يجده / وسأل رسول الله صلي الله
عليه وسلم أبا بكر قائلاً أين ثوبك ؟ فأخبره بالذي صنع / فرفع رسول الله صلي الله
عليه وسلم يديه وقال / اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي في الجنة / فأوحي الله
إليه قد استجاب الله عز وجل لك
والحمد لله
رب العالمين / وقال ربكم أدعوني أستجب لكم / أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة/
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين
الحمد لله علي نعمة
الإسلام وكفي بها نعمة / الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران{102}
أما بعد / فيا أيها المسلمون / إنه حين ينتهي
الجهد البشري المطلوب / وحين تستنفذ الطاقة البشرية / فالله عز وجل أرحم بنبيه
وصاحبه من أن يجعلهما ظفراً لعدوهما / ولقد قرر الله عز وجل في محكم التنزيل هذا
المعني / إذ أكد حمايته لنبيه ونصره له / حين تخلت عنه قوة الأرض / وحين كان
المسلمون كلهم كقوة بشرية قائمين في المدينة / أو مختفين في مكة / ليس معه للحماية
إلا إنسان واحد هو سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه
لقد
أنبت الله عز وجل شجرة علي باب الغار / فحجبت عن الغار أعين الكفار / وبعث الله عز
وجل العنكبوت / فنسجت خيوطها علي باب الغار / وأمر الله عز وجل حمامتين وحشيتين
فوقفتا في فم الغار / وأقبل فتيان قريش من كل بطن / بعصيهم وهراويهم وسيوفهم / حتى
انتهوا إلي جبل ثور / فقال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه لرجلٍ مواجهٍ للغار / يا رسول الله إنه ليرانا / فقال رسول الله صلي الله
عليه وسلم / كلا / إن ملائكة تسترنا بأجنحتها / مصدقاً لقول الله تبارك وتعالي وهو
أصدق القائلين :" وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا "التوبة{40}
فجلس
ذلك الرجل فبال مواجهُ الغار /
فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم (لو كان يرانا ما فعل هذا)البخاري باب هجرة
النبي صلي الله عليه وسلم حـ2 صـ83ـ
أيها
المسلمون / إن هذا النصر لرسول الله صلي الله عليه وسلم كان باباً لأن تكون كلمة
الله هي العليا / وإذلالا وإرغاماًَ للمشركين في تحطيم كل مخططاتهم بقتل النبي صلي
الله عليه وسلم / لقد كانت نجاته صلي الله عليه وسلم من قبضة عدوه نصراً مؤزراً /
تكون كلمة الله عز وجل هي العليا فيه / روي الإمام البيهقي رحمه الله بسنده / عن
بريده بن الخصيب رضي الله عنه قال / (لما جعلت قريش مائة من الإبل / لمن يرد النبي
صلي الله عليه وسلم / حملني الطمع فركبت في سبعين من بني سهم / فلقيته / فقال صلي
الله عليه وسلم / من أنت؟ قلت بريده /
فالتفت رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي أبي بكر وقال / برد أمرنا وصلح / ثم قال
فمن أنت ؟/ قلت من أسلم / قال صلي الله عليه وسلم سلمنا / ثم قال فمن ؟/ قلت من
بني سهم / قال صلي الله عليه وسلم / خرج سهمك يا أبا بكر / فقال بريده للنبي صلي
الله عليه وسلم / من أنت / قال صلي الله عليه وسلم / أنا محمد بن عبد الله رسول
الله / فقال بريده أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله / فأسلم بريده وأسلم من كان معه جميعاً
/ قال بريده / الحمد لله الذي أسلم بنو سهم طائعين غير مكرهين / فلما أصبح قال بريده / يا رسول الله لا تدخل
المدينة إلا ومعك لواء / فحل عمامته ثم شدها في رمح ثم مشي بين يديه حتى دخلوا
المدينة / لقد انضمت قافلة جديدة إلي موكب الإيمان من قبيلة أسلم / وهكذا تعلمنا
الهجرة النبوية الشريفة / أن الدعوة إلي الله عز وجل هي الهدف الرئيسي للمسلمين /
فرغم أن الظروف علي الطريق إلي المدينة لم تكن ظروفاً مؤهلة للخوض في تفاصيل
الإسلام / لكن الهدف الرئيسي دائماً / تتجاوز الظروف من أجله / وعلينا دائماً أن
نكون علي أهبة الاستعداد للدعوة إلي الله علي بصيره /
والحمد
لله رب العالمين اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات / والمؤمنين والمؤمنات / الأحياء
منهم والأموات /
أنك
سميع قريب مجيب الدعوات أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين /
وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي ءآل سيدنا محمد
وسلم تسليماً
"وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ"
قبس
من الإسراء والمعراج
الخطبة الأولى
الحمد
لله رب العالمين / الذي أسري بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصى الذي
باركنا حوله لنريه من آياتنا / إنه
هو السميع البصير"
وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له منح رسوله صلي الله عليه وسلم أعظم هدية لأمته
وهي الصلاة / الصلة الدائمة بين العبد وربه
وأشهد
أن سيدنا محمداً عبده الله ورسوله القائل فيما روي عنه أقرب ما يكون العبد من ربه
عز وجل وهو مساجد / فأكثروا الدعاء" الترغيب والترهيب 565حـ1
اللهم
صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي ءاَله وصحبه والتابعين
أما
بعد / فيا أيها المسلمون / نحمد الله تعالي ذا الحكمة البالغة فيما يصطفي من خلقه
/ فالله عز وجل يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس / ويفضل من الأوقات ففضل الشهور
علي بعض ، يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" إِنَّ عِدَّةَ
الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ
السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً
كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ
"التوبة{36}
أيها
المسلمون / إن الله عز وجل جعل الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم
فيما سواها / حيث اصطفي الله سبحانه وتعالي من الشهور رمضان والأشهر الحرم وهي ذو
القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب .
وقد
خطب رسول الله صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال (ألا إن الزمان قد استدار
كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة "حرم /
ثلاث متوليات / ذو القعدة / ذو الحجة / والمحرم /
ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان" / لقد أكد الله عز وجل علي حرمة الأشهر
الحرم / فجعل الظلم فيها عظيماً / وإن كان الظلم محرماً في جميع الشهور / ولكن في
الأشهر الحرم أعظم حرمه / كما جعل سبحانه وتعالي ثواب الطاعات فيها أكثر من غيرها
/ فلو قدَّر العالم أجمع حرمه هذه
الشهور كما قدرها من سبق / ما كان هناك ما نراه اليوم من سفك للدماء وقتل للأبرياء
/ وشهر رجب له مكانة في الإسلام / حيث كان فيه أعظم حدث في التاريخ / وهو الإسراء
والمعراج / يقول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين:" سُبْحَانَ الَّذِي
أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ
الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ
السَّمِيعُ البَصِيرُ "الإسراء{1}
فالحكمة
من الإسراء والمعراج / قد أجملها الله عز وجل في قوله / (لنريه من ءآياتنا) فالغرض
الذي كان من أجله الإسراء والمعراج / هو
أن يُرِيَ الله عز وجل رسوله
صلي الله عليه وسلم / ما شاء من ءآيات قدرته / وعجائب صنعه / وعظيم ملكه / ليطمئن
قلبه / وتستنير بصيرته / ويزداد يقينه /
أيها
المسلمون / إن الله عز وجل خص رسوله سيدنا محمداً سيد الأنبياء / وخاتم الرسل صلي
الله عليه وسلم / بتلك الرحلة الملكوتية العجيبة / ليريه من ءآياته ما استشرف غيره
إلي رؤية بعضه / ليرقي به من منزلة علم اليقين / إلي منزلة عين اليقين / فكان صلي
الله عيله وسلم / هو الرسول الوحيد / الذي يخبر أمته بخبر السمعيات وما وراء
المادة عن عيان ومشاهده / لا عن مجرد الخبر السماوي فحسب / لذا كان الرسول صلي
الله عليه وسلم واضح البيان في تعليمه / يكثر من التشبيهات وضرب الأمثال وأنواع
الإستعاره / ليقدم للناس تلك الحقائق الكونية الخفية / مصورة بصورة ما يشبهها من
الأمور الواقعية المعهودة / وتلك منزلة من سمع ورأي / لا من سمع فقط / لقد رأي صلي
الله عليه وسلم حياة البرزخ / وهي فترة ما بين الموت وقيام الساعة / فرأي الأنبياء
صلوات الله عليهم / ورأي منازلهم ودرجاتهم / ورأي نفوس بني ءآدم بعد موتها /
يتلقاها ءاَدم أبو البشر / فيفرح بطيبها ويحزن لخبيثها / ورأي حقائق الأعمال مصورة
في صورها المحسوسة / كما أراد الله عز وجل أن تكون / فرأي ءآل فرعون ومن علي
شاكلتهم من الطغاة والظلمة / يعرضون علي النار غدواً وعشياً / ورأي الذين يأكلون
أموال اليتامى ظلماً / لهم مشافر كمشافر الإبل / وبأيدهم قطع من النار كالحجارة /
يقذ فونها في أفواهم فتهوي إلي بطونهم / ورأي الذين
يأكلون الربا / بطونهم أمثال البيوت / كلما نهض أحدهم خر علي الأرض / يوطئون
بالأقدام / فلا يستطعون القيام / كلما همو لينهضوا سقطوا / يقول الحق تبارك وتعالي
وهو أصدق القائلين :" الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ
كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ "البقرة{275}
أيها
المسلمون / إن رمز المرابي في ليلة الإسراء والمعراج / رجل يسبح في بحر من الدم /
ويلقي في فمه قطع من النار يبتلعها / إنه يسبح في الدماء التي امتصها ممن تعامل
معهم / وما أخذ من قطع النقود / تلتهب ناراً تصير في جوفه تحترق وتشتعل / لقد حارب
الإسلام الربا حرباً لا هوادة فيها / لأن الربا يتعارض مع الرحمة والتعاون / ثم
أتي رسول الله صلي الله عليه وسلم علي قوم ترضخ رءوسهم بالصخر / كلما رضخت عادت
كما كانت / ولا يفتر عنهم من ذلك شئ / قال صلي الله عليه وسلم / يا جبريل من هؤلاء
/ قال هؤلاء الذين تثاقلت رءوسهم عن الصلاة / ثم أتي علي قوم علي أدبارهم رقاع /
وعلي إقبالهم رقاع / يسرحون كما تسرح
الأنعام إلي الضريع / والزقوم ورضف جهنم / قال صلي الله عليه وسلم / ما هؤلاء يا
جبريل ؟/ قال هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم / وما ظلمهم الله وما الله بظلام
للعبيد )1142(كتاب الترغيب والترهيب)
أيها
المسلمون / إن رحلة الإسراء والمعراج المباركة / ذكرت بعض الرموز التي تمثل آثام
الجوارح ذكرت البعض ولم تذكر الكل / من ذلك مثلاً / إن رسول الله صلي الله عليه
وسلم / أتي علي قوم بين أيديهم لحم نضيج من قدر / ولحم نيء في قدر خبيث / فجعلوا
يأكلون من النيئ / ويدعون النضيج / فقال صلي الله عليه وسلم / ما هؤلاء يا جبريل
؟/ قال هذا الرجل من أمتك / تكون عنده المرأة الحلال الطيب / فيأتي امرأة خبيثة /
فيبيت عندها حتى يصبح / والمرأة تقوم من عند زوجها حلالاً طيباً فتاتي رجلاً
خبيثاً / فتبيت عنده حتى تصبح / يقول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :"
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ
وَلَا تَأْخُذْ كُم بِهِمَا
رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ "النور{2}
ويقول رب العزة تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" وَاللاَّتِي يَأْتِينَ
الْفَاحِشَةَ مِن نسائكم فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن
شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ
أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً "النساء {15}
وجاء
حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم / فوضح السبيل / فقال صلي الله عليه وسلم /
خذوا عني / خذوا عني / قد جعل الله لهن سبيلاً / البكر بالبكر جلد مائه / ونفي سنه
/ والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ) التاج الجامع للأصول ج3 ص24 / وتمضى رحلة الإسراء والمعراج المباركة / فتوضح بعض الرموز التي
تمثل ءآثام الجوارح ثم أتي رسول الله صلي الله عليه وسلم علي رجل قد جمع حزمة من
حطب عظيمة / لا يستطيع حملها / وهو يزيد عليها / فقال صلي الله عليه وسلم ما هذا
يا جبريل ؟/ قال هذا الرجل من أمتك / تكون عليه أمانات الناس / لا يقدر علي
أداَئها / وهو يريد أن يحمل عليها / ورسول الله صلي الله عليه وسلم يقول/ لا إيمان
لمن لا أمانة له / ولا دين لمن لا عهد له)4405(كتاب الترغيب والترهيب)
وتوضح
رحلة الإسراء والمعراج المباركة / جزاء أصحاب الآثام إذا لم يتوبوا / فهو دخولهم
في جهنم حيث العذاب ألواناً / ثم أتي رسول الله صلي الله عليه وسلم علي واد فسمع
صوتاً منكراً / ووجد ريحاً منتنه / فقال
صلي الله عليه وسلم / يا جبريل ما هذا الصوت / قال هذا صوت جهنم / تقول يارب ائتني
بأهلي وبما وعدتني / فقد كثرت سلاسلي وأغلالي / وسعيرى وحميمي / وغساقي وغسليني /
وقد بعد قعري / واشتد حري / ائتني بما وعدتني / قال لك كل مشرك ومشركه / وخبيث
وخبيثة / وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب / قالت قد رضيت)5316(كتاب الترغيب
والترهيب)
والحمد
لله رب العالمين / وقال ربكم أدعوني أستجب لكم / أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين
الحمد لله علي نعمة
الإسلام وكفي بها نعمة / الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران{102}
أما بعد / فيا أيها المسلمون / ثم عُرِجَ برسول الله صلي الله عليه وسلم إلي السماوات العلا /
فتجاوزها سماءً سماء / حتى تجاوز الكون كله / وكان عند سدرة المنتهي / عندها جنة
المأوي / الجنة التي يأوي إليها المتقون من عباد الله
وشم
رسول الله صلي الله عليه وسلم ريحاً طيبة باردة كريح المسك / وسمع صوتاً فقال ما
هذا يا جبريل / قال هذا صوت الجنة / تقول يارب ائتني بأهلي وبما وعدتني فقد كثر
غرسي وحريري / وسندسي وإستبرقي / وعبقريى ومرجاني / وفضتي وذهبي / وأكوابي وصحافي
وأباريقي / وفواكهي وعسلي ومائي / ولبني وخمري / ائتني بما وعدتني / قال رب العزة
عز وجل / لك كل مسلم ومسلمة / ومؤمن ومؤمنه / ومن ءآمن بي وبرسلي / وعمل صالحاً /
ولم يشرك بي شيئاً / ولم يتخذ من دوني أنداداً فهو ءآمن /ومن سألني أعطيته / ومن أقرضني
جزيته / ومن توكل علي كفيته / إني أنا الله أحسن الخالقين / فقالت قد رضيت )5316(كتاب
الترغيب والترهيب)
ورأي
الرسول صلي الله عليه وسلم الملائكة حاَفين من حول العرش / يسبحون بحمد ربهم /
ورأي غير ذلك من ءآيات الله وعجائب قدرته / مما لم يكن يتسنى لأحد أن يراه / وتلك
درجة رفيعة / ومنزلة خص الله عز وجل سيدنا محمداً صلي الله عليه وسلم دون سائر
خلقه وأنبيائه ورسله / وفي حضرة القدس الأعلى فرضت الصلاة / وهي الصلة الدائمة بين
العبد وربه / وهي عماد الدين وركازه / والحمد لله رب العالمين / اللهم إنك عفو تحب
العفو فأعف عنا / اللهم فقهنا في ديننا / اللهم اجعل القرءان الكريم ربيع قلوبنا /
وجلاء همومنا / وذهاب أحزاننا / ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك علي كل شئ قدير
/ ربنا ءاَتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً / ربنا هب لنا من أزواجنا
وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما / اللهم أغننا بحلالك عن حرامك أغننا
بفضلك عن من سواك / اللهم شتت شمل اليهود ومن عاونهم / اللهم رد المسجد الأقصى وما
حوله للمسلمين / اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين / اللهم وفق ولاة أمور المسلمين
لما تحبه وترضاه / اللهم انصرهم علي أعداءك أعداء الدين / اللهم اجعل مصر بلداً
ءآمناً وسائر بلاد المسلمين / اللهم أشف أمراضنا وأمراض المسلمين / اللهم اغفر
للمسلمين والمسلمات / والمؤمنين والمؤمنات / الأحياء منهم والأموات / أنك سميع
قريب مجيب الدعوات أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين / وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي ءآل سيدنا محمد
وسلم تسليماً
"وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" العنكبوت{45}
الخطبة
الأولي/ قبس
من الإسراء والمعراج
الحمد لله رب العالمين/ الذي أسري بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصى
وأراه من ءآياته الكبرى/ وأغدق عليه من نعمائه التي لا تعد ولا تحصي /وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له/ خص نبيه سيدنا محمداً صلي الله عليه وسلم بكثير من
المعجزات وخوارق العادات
وأشهد
أن محمداً عبد الله ورسوله/ دعا الناس
إلي نبذ الشرك وإسلام الوجه لله رب العالمين بالحكمة والموعظة الحسنة
اللهم
صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي ءاَله وصحبه والتابعين
أما
بعد / فيا أيها المسلمون / نحمد الله تعالي الذي رفع قدر نبينا في الدنيا والآخرة
/ واختصه بالإسراء والمعراج / وأراه من ءآياته الكبرى / يقول الحق تبارك وتعالي
وهو أصدق القائلين :" سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ
لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ "الإسراء{1}
والإسراء
رحلة أرضية / بين المسجدين المباركين المقدسين / مسجد مكة / ومسجد القدس / (من
المسجد الحرام إلي المسجد الأقصى) ربط الله عز وجل بينهما بهذه الرحلة الملكوتية
المباركة / الرحلة المختارة من اللطيف الخبير / التي تربط بين عقائد التوحيد
الكبرى من لدن سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام / إلي سيدنا محمد خاتم
النبيين والمرسلين صلي الله عليه وسلم / وتربط بين الأماكن المقدسة لديانات
التوحيد جميعاً / وكأنما أريد بهذه الرحلة الملكوتية المباركة / إعلان وراثة
الرسول الأخير صلي الله عليه وسلم لمقدسات الرسل قبله / واشتمال رسالته علي هذه
المقدسات / وارتباط رسالته بها جميعاً فهي رحلة ترمز إلي أبعد من حدود الزمان
والمكان / وتشمل ءآماداً وءآفاقاً أوسع من الزمان والمكان / أما المعراج فهو رحلة
أرض سماوات / تنتهي عند سدرة المنتهي / وعندها لا يوجد أي كائن / نهاية حركة
الكائن المخلوق / بعد ذلك ليس إلا الحجاب / وحجابه نور سبحانه وتعالي / الله عز
وجل نور وحجابه ليس منفصلاً عنه /
أيها
المسلمون / إن الإسراء والمعراج تكريم لرسول الله صلي الله عليه وسلم / بعد أن نال
ما نال من إعراض الخلق / ومن إيذاء البشر / لقد كان الأنبياء في استقباله في كل
سماء / كبائر الأنبياء استقبلوه في الأرض / وصلوا خلفه صلي الله عليه وسلم / ثم
وزع الله عز وجل أعاظم
الأنبياء علي السماوات / فكانوا يرحبون بمقدمه صلي الله عليه وسلم / لقد أراد الله
عز وجل أن يسرى عنه / وأن يعوضه / وأن يقيم له هذا الحفل التكريمى في الأرض وفي السماء / يقول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق
القائلين :"
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى{1} مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى{2}
وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى {3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{4}عَلَّمَهُ
شَدِيدُ الْقُوَى{5} ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى{6} وَهُوَ
بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى{7}ثمَّ دَنَا فَتَدَلَّى {8}فَكَانَ
قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى{9} فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا
أَوْحَى{10}مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى{11}أَفَتُمَارُونَهُ
عَلَى مَا يَرَى{12}وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى{13}عِندَ
سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى{14}عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى {15}إِذْ
يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى{16} مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى{17}لَقَدْ
رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى "{18} النجم من1:
18
أيها
المسلمون / إن النبي صلي الله عليه وسلم قد قاسى ما قاسى هو وأصحابه عشر سنوات /
يعرض علي القوم دعوته / يتلو عليهم القرءان / ويبلغهم الإسلام / ولكنهم استقبلوه
بأشد ما يستقبل به نبي / واشتد الأذى أكثر وأكثر / بعد موت عمه أبي طالب / الذي
كان مدافعاً عن النبي صلي الله عليه وسلم / وبعد موت زوجته / أم المؤمنين الأولي /
والزوجة الوفية / الصادقة المخلصة / السيدة خد
يجة
رضي الله عنها / وكلاهما كانا سنداً له / أبو طالب سنده في الخارج / وأم المؤمنين
السيدة خديجة رضي الله عنه كانت سنده في الداخل / ماتا في أيام قريبة / في عام
واحد / فسماه النبي صلي الله عليه وسلم عام الحزن / وذلك في السنة العاشرة لمبعثه
صلي الله عليه وسلم / وأراد الرسول صلي الله عليه وسلم أن يجرب موقعاً جديداً /
وأرضاً جديده فيها بذور دعوته / فقرر صلي الله عليه وسلم أن يتوجه إلي الطائف / حيث
تسكن قبيلة ثقيف / عسي أن يجد عند ثقيف ما لم يجد عند قومه من قريش / وذهب الرسول
صلي الله عليه وسلم سعياً علي الأقدام / يرافقه زيد بن حارثه / ربيب النبي صلي
الله عليه وسلم / الذي رفض البقاء في مكة / بدافع من حبه لرسول الله صلي الله عليه
وسلم / ورغبة في القيام علي خدمته / ولقد استقبله أهل الطائف أقبح استقبال / لقد ردوا علي سيدنا محمد صلي
الله عليه وسلم / وهو يبلغ رسالات ربه بشر جواب / فقال سفيه من زعمائهم الضالين /
أما وجد الله أحداً غيرك يرسله ؟/ وقال زعيم أخر / والله لا أكلمك أبداً / لأنك إن
كنت رسولاً من الله كما تقول / لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام / ولئن كنت
تكذب علي الله / فما ينبغي لي أن أكلمك / حتى مجرد الكلام معه حرموه منه / لم
يريحوه بالكلام / لقد اشتروا الضلالة بالهدي / فلم يستجيبوا لدعوة الإيمان /
وسلطوا عليه العبيد والسفهاء والصبيان / يرمونه بالحجارة حتى أدموا رجلاه / وتخضبت
نعلاه بالدماء / ولم يكن أمام الرسول صلي الله عليه وسلم إلا أن يستعجل زيداً في
المسير / حتى يفرا من هذه الجماعة الظالمة / سبحانك اللهم وعفوك / أنت ناصر
المستضعفين / وأحقهم بنصرتك أولياؤك ورسلك / وهذا رسولك محمد بن عبد الله حبيبك
ونجيبك ونجيك / يلوذ بالفرار من الساخرين والمستهزئين / بعد أن خذله قومه وعشيرته
/ فلمن تتركه في هذه الشده ؟/ وأنت أرحم الراحمين / سبحانك اللهم وعفوك / إنه
الرسول الأعظم / الحبيب إلي قلوبنا / المالك لنفوسنا صلي الله عليه وسلم / فلا
يمكن إلا أن نقف خاشعين لحلمك وحكمتك / فأنت الله / ولا حول وقوة إلا بك / هكذا
خرج الرسول صلي الله عليه وسلم من الطائف / وكان ذلك اليوم أشد يوم مر برسول الله
صلي الله عليه وسلم واتجه الرسول صلى الله
عليه وسلم بقلبه إلي الله عز وجل / يرجو منه الغوث والرحمة / ويستعيذ
به من الخواطر الضعف والفشل / فقام يصلي / وكان إذا حزبه أمر فزع إلي الصلاة /
فلما انتهي من صلاته / رفع يديه بالدعاء يقول /(اللهم إليك أشكو ضعف قوتي / وقلة
حيلتي / وهواني علي الناس / يا أرحم الراحمين / أنت رب المستضعفين / وأنت ربي /
إلي من تكلني ؟/ إلي بعيد يتجهمني / أم إلي عدو ملكته أمري ؟/ إن لم يكن بك علي
غضب فلا أبالي / ولكن عافيتك أوسع لي / أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات /
وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة / من أن ينزل بي غضبك / أو يحل علي سخطك / لك العتبى
حتى ترضي / ولا حول ولا قوة إلا بك ) / وكان الحزن كما عبر عنه النبي صلي الله
عليه وسلم في دعائه / ولكن عين الله عز وجل ترعاه / وترصد حركاته / وتراقب فعاله /
وهو يجهد نفسه في سبيل نشر دين الله الحق / وتراه وهو يردد دعائه / وإن إيذاء هذا
الرسول العظيم / قد ءآذى السماء ومن في السماء يقيناً / فكان رد الفعل المباشر الفوري / أن أرسل الله عز وجل سيدنا جبريل عليه
السلام / ومعه ملك الجبال / ونادي الرسول صلي الله عليه وسلم / أن يا محمد /يامن أرسلك الله
رحمة للعالمين/إن الله عز وجل قد سمع قول القوم ورأى فعالهم/وقد بعث الله ملك
الجبال لتأمره بما شئت/قال صلى الله عليه وسلم:
فناداني
ملك الجبال / فسلم علي / ثم قال يا محمد / إن الله عز وجل قد سمع قول قومك وما
ردوا عليك / وأنا ملك الجبال / وقد بعثنى الله إليك لتأمرني بأمرك / إن شئت دمدمت
عليهم الجبال / وأرميهم بصواعق لا تترك لهم أو لبلادهم أثراً / وإن شئت خسفت بهم
الأرض فتبتلعهم / وهنا تجلت عظمة رسول الله صلي الله عليه وسلم في قوله لا / بل
أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده / ولا يشرك به شيئاً / وشاء الله
عز وجل ألا تضيع رحلة رسوله صلي الله عليه وسلم سدي / ففي ظلال الرحمة الربانية /
وابنا ربيعه صاحبا البستان / يرقبان حركات الرسول صلي الله عليه وسلم / يأمران
غلاماً لأحدهما كان يدعي عداساً / ويأمرانه بأن يقطف بعض العنب / ويأخذه إلي
الرسول صلي الله عليه وسلم وصاحبه / ويجئ عداس بطبق مملوء بالعنب / ويقدمه للرسول
صلي الله عليه وسلم / ويدعو
الرسول زيداً إلي تناول بعض العنب / ثم يمد يده إلي حبة ويقول / بسم الله الرحمن
الرحيم / ثم يأكل / ويفعل سيدنا زيد ابن حارثة رضي
الله عنه مثل ما فعل النبي صلي الله عليه وسلم / وعداس واقف ينظر إليهما / فلما سمع ذكر الله / الرحمن / الرحيم
/ قال مخاطباً الرسول صلي الله عليه وسلم / هذا كلام لا يقوله أهل هذه البلاد /
وأدرك الرسول صلي الله عليه وسلم / أن هذا الغلام ليس علي الوثنية /فسأله عن بلده
ودينه / فقال له عداس / أنا من أهل نينوى وعلي دين النصرانية / قال له الرسول صلي
الله عليه وسلم / إذن أنت من قرية الرجل الصالح يونس بن متى / فقال عداس وما يدريك
ما يونس بن متى / والله لقد خرجت من نينوى
وما فيها عشرة يعرفون ابن متى ؟/ فقال له
الرسول صلي الله عليه وسلم ذاك أخي كان نبياً وأنا نبى / وانطلق إيمان النصرانية بالنبوة المحمدية نقيا تعبر عنه
نفس عداس الطاهرة/ فقد ارتمى
علي الرسول صلي الله عليه وسلم متأثراً
يقبل رأسه ويديه محاولاً الوصول إلي تقبيل قدميه / فمنعه الرسول صلي الله
عليه وسلم عن ذلك ولكن عداساً قال له دعني يا نبى الله أغسل
هذه الدماء عن قدميك بدموع عيني عسى أن يرحمني الله وأكون من عباده الصالحين وأسلم
عداس / ودعا له الرسول الكريم بالرحمة والبركة / فطربت نفسي عداس وكان هذا أول
ثمار الرحلة /
والحمد لله رب العالمين / وقال ربكم
ادعوني استجب لكم / ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة الخطبة
الثانية
الحمد لله رب العالمين
الحمد لله علي نعمة
الإسلام وكفي بها نعمة / الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران{102}
أما بعد / فيا أيها المسلمون / وفي عودة الرسول
صلي الله عليه وسلم من الطائف إلي مكة / بمكان يسمي نخله / أرسل الله عز وجل إليه
نفراً من الجن / يستمعون القرءان ويؤمنون به / وذلك تعويضاً للرسول صلي الله عليه
وسلم عما أصابه في الطائف / التي جاءها ولا هم له إلا إظهار دين الله / حتى إذا
تعامى بنو البشر عن الهدي والرحمة / أقبل الجن مهتدين / يقول الله تبارك وتعالي
وهو أصدق القائلين :" وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ
يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ
وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ {29} قَالُوا يَا قَوْمَنَا
إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ {30}
يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن
ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ {31} وَمَن لَّا يُجِبْ
دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ
أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ "الأحقاف {32}
ثم
كان هذا التكريم / كان الإسراء والمعراج / المعجزة الفريدة وكأن الله عز وجل يقول
لنبيه "إن عارضك الأقوياء فإن قدرتى فوق قدره
الأقوياء / وإن لم تتسع لك الأرض / فإن مكانك فوق السماوات لتحظي بالتكريم
والإيناس / وتري من الآيات الكبرى / ما لا عين رأت ولا خطر علي قلب بشر /(ولله در
الشاعر حين قال )
إمام المرسلين ومنتقاهم حوي الخيرات ختماً
وابتداءً
تناهي
فخر كل أخي فخار ولن
تلقي لمفخرة انتهاء
كفته
كرامة المعراج فضلاً بها
في القرب ساد الأنبياء
سري من مكة ببراق عز لأقصي مسجد وعلا السماء
مفتحة له الأبواب منها يجاوزها إلي العرش ارتقاء
فسر به الملائكة ابتهاجاً وصلي خلفه الرسل
اقتداء
وسري
إلي ذي العريش فرداً بعدما بلغ
الأمين مكانه المعلوماً
وكلم
ربه من قاب قوس وألهم
في تحيته الثناء
فخرت
بموطئ نعله حجب البها فالنور
يطلع والبشارة تقدم
والأرض
تنهج والسماوات العلا وعروس
مكة بالكرامة تجتلي
والعرش
بالضيف الكريم قد امتلأ طرباً
وضيف الأكرمين مكرم
وأدناه
من ناداه من فوق عرشه ليزداد
في الدارين مجداً وسؤدداً
الحمد
لله رب العالمين
اللهم
اغفر للمسلمين والمسلمات / والمؤمنين والمؤمنات / الأحياء منهم والأموات / أنك
سميع قريب مجيب الدعوات أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين
/ وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي ءآل
سيدنا محمد وسلم تسليماً
"وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" العنكبوت{54}
قبس من
الإسراء والمعراج
الخطبة
الأولي
الحمد
لله رب العالمين الذي جعل إسراؤه ومعراجه بحبيبه وخير خلقه صلي الله عليه وسلم
إعلان لفضله
وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جمع لرسولنا الفضل كله والشرف كله وجعله سيد
الأنبياء والمرسلين
وأشهد
أن محمداً عبد الله ورسوله الذي في معراجه من المسجد الأقصى إلي مقام تحت العرش لم
يبلغه سواه / زكي الله سبحانه وتعالى فؤاده وبصره فقال عز
وجل وهو أصدق القائلين :" مَا كَذ َبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى "النجم{11}
:" مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى
لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى "النجم( 17؛18 )
اللهم
صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي ءاله وصحبه والتابعين
أما
بعد / فيا أيها المسلمون / نحمد الله تعالي الذي رفع قدر نبيناً صلي الله عليه
وسلم في الدنيا والآخرة / واختصه بالإسراء والمعراج / وأراه من ءاَياته الكبرى /
يقول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى
بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى
الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
البَصِيرُ "الإسراء{1}
ويقول
الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى{1}
مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى{2}وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3}إِنْ
هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{4}عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى{5}ذُو
مِرَّةٍ فَاسْتَوَى{6}وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى{7}
ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى {8}فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى{9}
فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى{10}مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا
رَأَى{11} أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى {12} وَلَقَدْ
رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى {13} عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى {14}
عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى {15} إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا
يَغْشَى {16} مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى {17} لَقَدْ
رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى {18} "النجم
أيها
المسلمون / لقد أسري برسول الله صلي الله عليه وسلم / وعرج به إلي السماوات العلا إلي
سدرة المنتهي إلي حيث شاء الله العلي الأعلى / بجسده وروحه / يقظة لا مناماً /
لقول الحق سبحانه وتعالي وهو أصدق القائلين :" سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى
بِعَبْدِهِ" والعبد حقيقة هو الروح والجسد / وقول الحق عز وجل أيضاً :"
مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى " أي ما عدل عن رؤية ما أمر برؤيته من عجائب
الملكوت وما جاوزها / وهذه توضح أن الإسراء والمعراج كان بجسده وروحه صلي الله
عليه وسلم / لأن إضافة الأمر إلي البصر / لا يكون إلا يقظة بجسده صلي الله عليه
وسلم / :" لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى {18}
"النجم
ولو
كان مناماً لما كانت فيه ءآية ولا معجزة خارقة للعادة / ولو كان مناماً لما
أستبعده الكفار ولا كذبوه / ولا ارتد به ضعفاء من أسلم / حيث لما رجع رسول الله
صلي الله عليه وسلم من رحلة الإسراء والمعراج / أتي مكة قبل الصبح / فأخبر قومه
بما رأي / لكن القوم كذبوه / فقعد حزيناً حتى مر عليه عدو الله أبو جهل / فجاء حتى
جلس إليه / وقال له كالمستهزئ / هل كان من شئ ؟ / فقال رسول الله صلي الله عليه
وسلم نعم / قال ما هو ؟/ فقال صلي الله عليه وسلم / أسري بي الليلة / تساَءل أبو جهل / إلي أين ؟/ قال صلي الله عليه وسلم / إلي
بيت المقدس / فقال أبو جهل متعجباً / ثم أصبحت بين ظهرانيناً / أجابه الرسول صلي الله عليه وسلم نعم / قال أبو جهل /
أرأيت إن دعوت قومك تحدثهم بما حدثتني ؟/ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم نعم /
فدعا أبو جهل القوم فجاءوا / فقال أبو جهل حدث قومك بما حدثتني / فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم إنى أُسْرِىَ الليلة
بى / قال أبو جهل إلي أين ؟/ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي بيت المقدس /
قال أبو جهل ثم أصبحت ظهرانينا ؟/ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم / فصار
القوم بين مصفق / وبين واضع يده على
رأسه وأحدثوا ضجيجاً عالياً / فقال المطعم
بن عدي / كل أمرك قبل اليوم كان أمماً / (أي يسيراً) غير قولك اليوم / أنا أشهد
أنك كاذب / نحن نضرب أكباد الإبل إلي بيت المقدس مصعداً شهراً / ومنحدراً شهراً /
أي ذهاباً وعودة في شهرين /أتدعي أنت أنك أتيته في ليله ؟/ واللاتي والعزة لا
أصدقك / فقال سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه لمطعم / بئس ما قلت لأبن أخيك /
جبهته وكذبته / أما أنا فأشهد أنه صادق / فقالوا يا محمد / صف لنا بيت المقدس /
كيف بناؤه / وكيف هيئته ؟/ وكيف قربه من الجبل؟ / وفى
القوم من سافر إلية / فذهب صلى الله عليه وسلم يصف لهم بناءه كذا وهيئته كذا
/وقربه من الجبل كذا /فمازال ينعته لهم حتى التبس عليه النعت / فكرب كرباً ما كرب
مثله / فأتاه سيدنا جبريل عليه السلام بصورة له في جناحه / فقالوا كم للمسجد من
باب / ولم يكن صلي الله عليه وسلم عدها / فجعل ينظر إليه / ويعدها باباً باباً /
ويعلمهم / وسيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول / صدقت صدقت / أشهد أنك رسول
الله / فقال القوم / أما النعت فوا الله لقد أصاب / ثم قالوا لأبي بكر /أفتصدقه
أنه ذهب الليلة إلي بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح / قال رضي الله عنه / نعم / إني
لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك / أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحه / فبذلك سمي أبو
بكر الصديق رضي الله عنه / ثم قالوا يا محمد / أخبرنا عن عيرنا فقال صلي الله عليه
وسلم / أتيت علي عير بني فلان بالروحاء / (اسم مكان) / قد ضلوا ناقة لهم /
فانطلقوا في طلبها / فانتهيت إلي رحالهم / فليس بها منهم أحد / وإذا قدح ماء فشربت
منه / ثم انتهيت إلي عير بني فلان في التنعيم / يقدمها جمل أورق / عليه مسح أسود /
وغرارتان سوداوان / وها هي ذه تطلع عليكم من الثنيه / قالوا فمتي تجي ؟/ قال صلي
الله عليه وسلم يوم الأربعاء / فلما كان ذلك اليوم / انصرفت قريش ينظرون وقد ولي
النهار / ولم تجئ / فدعا النبي صلي الله عليه وسلم فزيد له في النهار ساعة / وحبست
عليه الشمس حتى دخلت العير / فاستقبلوا الدليل / فقالوا هل ضل لكم بعير / قالوا
نعم / فسألوا العير الأخر / فقالوا هل انكسر لكم ناقة حمراء / قالوا نعم / قالوا
فهل كان عندكم قصعة من ماء / فقال رجل أنا والله وضعتها فما شربها أحد / ولا
أهراقوه في الأرض / فصدقه سيدنا أبو بكر / فسمي يومئذ الصديق /
أيها المسلمون / إن الإسراء والمعراج
لرسول الله صلي الله عليه وسلم حق يقيني / منكره كافر /لأنه ينكر القرءان / الذي
هو تنزيل من حكيم حميد / إن الإسراء والمعراج ءآيتان من ءآيات الله الباهرة /
الدالة علي عظيم قدرته عز وجل / خص الله بهما خير خلقه / عليه أفضل الصلاة
والتسليم / وأظهر بهما فضله علي جميع الأنبياء والمرسلين / وهما معجزتان من
المعجزات الكبرى التي أيده الله بها / جاءتا ضمن المعجزة العقلية الخالدة / التي
تحدي الله بها الإنس والجن / وهي معجزة القرءان الكريم / وقد سجل القرءان الحكيم
معجزة الإسراء في ءآية من سورة الإسراء /"سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى
بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى
الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
البَصِيرُ "الإسراء{1}
وسجل
القرءان الحكيم أيضاً معجزة المعراج في أوائل سورة النجم / "مَا كَذَبَ
الْفُؤَادُ مَا رَأَى{11} أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى {12}
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى {13} عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى{14}
عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى{15} إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى
{16} مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى {17} لَقَدْ رَأَى
مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى {18} "النجم/ أيها المسلمون: إن الذي قام بالإسراء والمعراج هو الله سبحانه
وتعالي / المنزه عن العجز/ وعن كل مالا يليق بذاته وصفاته وأفعاله /
"سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ " / وهذا يوضح أن الإسراء
والمعراج كانا لرسول الله صلي الله عليه وسلم بالروح والجسد / وهما معجزتان بكل
المقاييس العلمية / وءآية لعلماء هذا القرن بالذات / فقد زعموا أنهم قادرون علي
اقتحام الفضاء / والسير في جو السماء بالوسائل التي اخترعوها / وبالنظريات التي
توصلوا إليها / مع أن ما عرفوا / لا يبلغ عشر معشار ذرة مما جهلوه / وتبقي معجزة
الإسراء والمعراج / شاهدة علي عجز المخلوق عن إدراك ما صنع الخالق في هذا الوجود /
وما أخفاه عن خلقه من الجن والإنس وغيرهم / تحقيقاً لوحدانيته في الذات والصفات
والأفعال / فالله عز وجل القادر علي إنزال الملائكة من السماوات إلي الأرض
وإصعادهم / هو القادر علي أن يعرج بنبيه سيدنا
محمد صلي الله عليه وسلم إلى ما فوق السماوات العلآ
/
والحمد
لله رب العالمين / وقال ربكم أدعوني أستجب لكم / أدعو الله وانتم موقنون بالإجابة
الخطبة
الثانية
الحمد لله رب العالمين
الحمد لله علي نعمة
الإسلام وكفي بها نعمة / الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران{102}
أما بعد / فيا أيها المسلمون / يجب علي الإنسان
إذا ضاقت به أسباب الأرض / فليتصل برب الأسباب والمسببات / فرحمة الله قريب من
المحسنين / ونصر الله ءآت لا ريب فيه / لقد كان الإسراء والمعراج / نصراً من الله
عز وجل / لرسوله سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم علي أعدائه المشركين والكافرين /
لقد أيد الله عز وجل رسوله بهذه المعجزة / التي تمت في جزء يسير من الليل / لتكون دليلاً
علي صدقه ونبوته ورسالته / وبخاصة أنه اطلع علي قافلة لهم / ووصف لهم هذه القافلة
/ ووقت وصولها / وما حدث لها أثناء الرحلة / وكان هذا النصر والتأييد الإلهي لرسول
الله صلي الله عليه وسلم / تثبيتاً له ولمن ءآمن به / وحجة علي أعدائه / كما أن
معجزة الإسراء والمعراج / إعلان من الله عز وجل / أن رسالة الإسلام عامة لكل الناس
في مشارق الأرض ومغاربها / وأنها الرسالة الخاتمة الباقية إلي قيام الساعة / كما
جاء في قول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ
إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَعْلَمُونَ "سبأ28وقوله
أيضاً:"وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ "الأنبياء{107}
لقد كان الإسراء والمعراج دليلاً علي ذلك ، حيث أسري برسول الله صلي الله
عليه وسلم من المسجد الحرام في مكة المكرمة حيث قبلة الله عز وجل للعالمين ، التي
بنتها الملائكة ، وأقام عندها سيدنا ءآدم عليه السلام ثم بناها ورفع قواعدها سيدنا
إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، ثم حفيدهم رسول الله صلي الله عليه وسلم ، إلي
المسجد الأقصى في فلسطين حيث كان جميع أنبياء بنى إسرائيل من لدن سيدنا يعقوب عليه
السلام وأبنائه وكذا سيدنا داود وسليمان وزكريا ويحيي وعيسي عليهم السلام حيث
اجتمعوا لنبينا سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم والتقي بهم وصلي بهم إماماً في بيت
المقدس/ فكان ذلك دليلاً علي إمامته ، واتفاق رسالته مع
رسالتهم / كما انه صلي الله عليه وسلم التقي في معراجه بهم عند كل سماء / وتحدث
إليهم وتحدثوا إليه / وكان بينه وبينهم حوارات وتحيات / كما حدث مع سيدنا موسى
عليه السلام في شأن تخفيف الصلاة / وهكذا كان الإسراء والمعراج دليلاً علي وحدة
الرسالات / وعلي عموم رسالة النبي صلي الله عليه وسلم / ولله در الشاعر حين قال /
ساد
الأنام محمد خير الورى بفضائل
جلت عن الإحصاء
وجوامع
الكلم التي ما نالها أحد
من الفصحاء والبلغاء
وإلي
الخلائق كلهم إرسالُهُ فشفي
القلوب الجمة الأدواء
وله
الشفاعة والوسيلة في غد ومقامه
السامي علي الشفعاء
ويجئ
يومئذ كما قد قاله أنا
راكب والرسل تحت لوائي
ولقد
دنا من ربه لما دنا
في ليلة المعراج والإسراء
سمع الخطاب بحضرة قدسية
ما حلها بشر من العظماء
وبرؤية
الجبار فاز ويالها من
نعمة عظمت علي النعماء
الحمد
لله رب العالمين/ اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات / والمؤمنين والمؤمنات / الأحياء
منهم والأموات / أنك سميع قريب مجيب الدعوات / أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
ولكافة المسلمين / وصلي الله علي سيدنا
محمد وعلي ءآل سيدنا محمد وسلم تسليماً / "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ
الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" العنكبوت{54}
الخطبة الأولي هدية الصلاة ليلة
الإسراء والمعراج
الحمد
لله رب العالمين الذي أسري بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصى وعرج
منه إلي سدرة المنتهي فأراه الله من ءآياته الكبرى/ وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، جمع لرسولنا الفضل كله والشرف كله وجعله سيد
الأنبياء والمرسلين . وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الذي في معراجه من المسجد
الأقصى إلي مقام تحت العرش لم يبلغه سواه .
اللهم
صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي ءاَله وصحبه والتابعين
أما
بعد / فيا أيها المسلمون / نحمد الله تعالي الذي رفع قدر نبينا صلي الله عليه وسلم
في الدنيا والآخرة / واختصه بالإسراء والمعراج / وأراه من ءآياته الكبرى / يقول
الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى
بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى
الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
البَصِيرُ "الإسراء{1}
ويقول
الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى{1}
مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى{2}وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3}إِنْ
هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{4}عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى{5}ذُو
مِرَّةٍ فَاسْتَوَى{6}وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى{7}
ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى {8}فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى{9}
فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى{10}مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا
رَأَى{11} أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى {12} وَلَقَدْ
رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى {13} عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى {14}
عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى {15} إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا
يَغْشَى {16} مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى {17} لَقَدْ
رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى {18} "النجم
ويقول
رب العزة تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ
كَرِيمٍ{19} ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ{20}
مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ{21} وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ{22}
وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ{23} وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ
بِضَنِينٍ"التكوير{24}
أيها
المسلمون / إن الله عز وجل نزه علم رسوله صلي الله عليه وسلم عن الضلال / بقوله عز
وجل وهو أصدق القائلين :"ما ضل صاحبكم" / ونزه الله عز وجل عمل رسوله
صلي الله عليه وسلم عن الغواية / بقوله عز وجل وهو أصدق القائلين "وما
غوي" / ونزه نطقه عن الهوي / "وما ينطق عن الهوي" / ونزه فؤاده عن
التكذيب /" ما كذب الفؤاد ما رأي" / ونزه بصره عن الزيغ / "ما زاغ
البصر وما طغي" / لقد أكد الله عز وجل ذلك كله / واقسم عليه / ولا ريب أنه
ثناء من رب العزة عز وجل / علي رسوله صلي الله عليه وسلم / روي الإمام مسلم رضي
الله عنه في صحيحه / عن أنس بن مالك رضي الله عنه / أن رسول الله صلي الله عليه
وسلم قال / أتيت بالبراق / وهو داَبة أبيض طويل / فوق الحمار ودون البغل / يضع
حافره عند منتهى طرفه / وركبته حتى أتيت بيت المقدس / قال صلي الله عليه وسلم /
فربطته بالحلقه التي يربط به الأنبياء / قال صلي الله عليه وسلم / ثم دخلت المسجد
فصليت فيه ركعتين / ثم خرجت فجاءني جبريل
عليه السلام / بإناء من خمر / وإناء من لبن / فاخترت اللبن / فقال جبريل عليه
السلام / اخترت الفطره / ثم عرج بنا إلي السماء / فاستفتح جبريل عليه السلام /
فقيل من أنت / قال جبريل / قيل ومن معك ؟/ قال محمد صلي الله عليه السلام / قيل
وقد بعث إليه ؟/ قال سيدنا جبريل عليه السلام / قد بعث إليه / ففتح لنا / فإذا آنا
بآدم فرحب بي ودعا لي بخير / ثم عرج بنا إلي السماء الثانية / فاستفتح جبريل عليه
السلام / فقيل من أنت / قال جبريل / قيل ومن معك / قال محمد صلي الله عليه وسلم /
قيل وقد بعث إليه ؟/ قال قد بعث إليه / ففتح لنا / فإذا أنا بابني الخالة / عيسي ابن
مريم ويحيي بن زكريا صلوات الله عليهما / فرحبا ودعوا لي بخير / ثم عرج بنا إلي
السماء الثالثة / فاستفتح جبريل / فقيل من أنت ؟/ قال جبريل / قيل ومن معك ؟/ قال
محمد صلي الله عليه وسلم / قيل وقد بعث إليه ؟/ قال قد بعث إليه / ففتح لنا / فإذا
أنا بيوسف صلي الله عليه وسلم / وإذا هو قد أعطي شطر الحسن / فرحب ودعا لي بخير /
ثم عرج بنا إلي السماء الرابعة / فاستفتح جبريل عليه السلام / قيل من هذا ؟/ قال جبريل / قيل ومن معك ؟/ قال محمد صلي
الله عليه وسلم / قال وقد بعث إليه / قال قد بعث إليه / ففتح لنا / فإذا أنا بإدريس
/ فرحب بي / ودعا لي بخير / قال الله عز وجل /"وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً
عَلِيّاً "مريم{57} / ثم عرج بنا إلي السماء الخامسة / فاستفتح
جبريل عليه السلام / قيل من هذا ؟/ قال جبريل / قيل ومن معك ؟/ قال محمد صلي الله
عليه وسلم / قيل وقد بعث إليه / قال قد بعث إليه / ففتح لنا فإذا أنا بموسى صلي
الله عليه وسلم / فرحب بي ودعا لي بخير / ثم عرج بنا إلي السماء السابعة / فاستفتح
جبريل / فقيل من هذا ؟ / قال جبريل / قيل ومن معك / قال محمد صلي الله عليه وسلم /
قيل وقد بعث إليه / قال قد بعث إليه / ففتح لنا / فإذا أنا بإبراهيم صلي الله عليه
وسلم / مسنداً ظهره إلي البيت المعمور / وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا
يعودون إليه / ثم ذهب بي إلي سدرة المنتهي / وإذا ورقها كآذان الفيلة / وإذا ثمرها
كالقلال / قال صلي الله عليه وسلم / فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت / فما
أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها / (أي يصفها) من حسنها / فأوحي الله عز وجل إلي ما أوحي / ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم
وليلة / فنزلت حتى انتهيت إلي موسى عليه السلام / فقال ما فرض ربك علي أمتك ؟/ قلت
خمسين صلاة / قال : أرجع إلي ربك فاسأله التخفيف / فإن أمتك لا يطيقون ذلك / فإني
قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم / قال صلي الله عليه وسلم / فرجعت إلي ربي / فقلت
يارب خفف علي أمتي / فحط عن خمساً / فرجعت إلي موسى / فقلت حط عني خمساً / فقال
(سيدنا موسى عليه السلام) / إن أمتك لا يطيقون ذلك / فأرجع إلي ربك فاسأله التخفيف
/ قال صلي الله عليه وسلم / قلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالي وبين موسى عليه
السلام / حتى قال رب العزة تبارك وتعالي / يا محمد / إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة
/ بكل صلاة عشر / فذلك خمسون صلاة / ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة / فإن
عملها كتبت له عشراً / ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئاً / فإن عملها كتبت
سيئة واحدة / فنزلت حتى انتهيت إلي موسى عليه السلام / فأخبرته / فقال أرجع إلي
ربك فاسأله التخفيف/ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم لقد رجعت إلي ربي حتى
استحيت منه ) صحيح مسلم ك 1جـ2صـ210ـ
أيها
المسلمون / إن الإسراء والمعراج وقعاً في ليلة واحدة / في اليقظة / بجسد النبي صلي
الله عليه وسلم وروحه / وذلك تشريفاً وتكريماً وتسلية للرسول الكريم / صلوات ربي
وسلامه عليه / وتثبيتاً لقلبه / وفرضت فيه الصلوات / التي هي عماد دين المؤمن /
وأراه الله من الواعظ والعبر / في النواحي التعبدية / والخلقية والمعاملات / فأراه
بذلك من الآيات الحسية / بعدما أراه من الآيات العقلية والعقلانية / لتكون ذكري
لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد / ولله در الشاعر وحين قال /
فطوي
الأرض سائراً والسماوات العلا فوقها
له إسراء
نصف
الليلة التي كان للمختار فيها علي البراق استواء
وترقي
به إلي قاب قوسين ما
وراءهن وراء
والمراد
من قاب قوسين هي شدة قرب الرسول صلي الله عليه وسلم من ربه حينما عرج به إلي
السماوات وهذا القرب لم يقرب الله به رسولاً ولا ملكاً غير سيدنا محمد صلي الله
عليه وسلم فهو الذي خصه الله بالقرب الدائم والشرف الرفيع وليس لهذه المنزلة نظير
في الوجود
رتب
تسقط الأماني حسري د ونها ما وراءهن وراء
ثم
وافي يحدث الناس شكراً إذ
أتته من ربه النعماء
وتحدي
فارتاب كل مريب أو
يبقي مع السيول الغثاء؟
والمعني
بعد أن أكرم الله سيدنا محمداً صلي الله عليه وسلم / فأسري به في جزء من الليل إلي
بيت المقدس / ثم عرج به إلي السماوات / وأصبح بين ظهراني قومه بمكة / أخذ يحدثهم
شاكراً نعمة الله عليه / وجادلة القوم فحجهم وغالبهم / فوجم المشركون وخرسوا /
لجلال الحق الذي جاء به رسول الله صلي الله عليه وسلم / وهل ينتظر أحد أن يبقي
الباطل الذي كان عليه القوم / أمام قوة الحق الذي جاء به رسول الله صلي الله عليه
وسلم ؟/ أرأيتم السيل القوي الجارف / حال مروره علي الأرض أيبقي علي وجه الأرض
شيئاً من بقايا نبات متهشم إنه يحملها ويكتسحها اكتساحاً فلا تقوي علي مقاومته ذلك
مثل باطلهم مع الحق الذي أيد الله عز وجل به سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم
ولله
در الشاعر حين قال
يتساءلون
وأنت أطهر هيكل بالروح
أم بالهيكل الإسراء
بهما
سموت مطهراً وكلاهما
نور وروحانية وبهاء
فضل
عليك لذي الجلال ومنه والله
يفعل ما يري ويشاء
تغشي
الغيوب من العوالم كلما طويت
سماء قلدتك سماء
في
كل منطقة حواشي نورها نون
وأنت النقطة الزهراء
أنت الجمال بها
وأنت المجتلى والكف والمرءآة والحسناء
الله
هيأ من حظيرة قدسه نزلاً
لذاتك لم يجزه علاء
العرش
تحتك سدة وقوائم ومناكب
الروح الأمين وطاء
والرسل دون العرش لم يؤذن لهم حاشا لغيرك موعد ولقاء
والحمد
لله رب العالمين / وقال ربكم أدعوني أستجب لكم / أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين
الحمد لله علي نعمة
الإسلام وكفي بها نعمة / الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران{102}
أما بعد / فيا أيها المسلمون / إن ثمرة الإسراء
والمعراج / وهدية الإسراء والمعراج / وأعظم المنح الإلهية في الإسراء والمعراج /
أعظمها علي الإطلاق / الصلاة / فالصلاة هي الصلة بالله عز وجل / فهي اللحظات
الجليلة التي تتم فيها الصلة وتتحقق / إنها فترة مناجاة / فترة انقطاع كامل عن
عالم المادة / وعن عالم الشهوات / عالم الفتنة / لتخلص النفس إلي المنعم / حتى
تنعم في رحابه /
بسعادة الصلة به عز وجل / والقرب منه / فمن أقام الصلاة فقد أقام الدين / ومن ترك
الصلاة فقد هدم الدين / إن إقامة الصلاة / وإقامة الدين / إنما هي إقامة الصلة
بالله عز وجل /
أيها
المسلمون / إن الصلاة التي يقيمها المؤمن كما أراد الله ورسوله / من أنجح الوسائل
في القرب إلي الله عز وجل / إنها البراق الذي يجتاز به المؤمن / في سرعة سريعة /
طبقات البعد عن الله عز وجل / ليتقرب إليه عز وجل فينعم في رحابه .
روي
الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول: قال الله عز وجل: قسمت
الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل / فإذا قال العبد "الْحَمْدُ
للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" قال الله عز وجل أثني علي عبدي / وإذا قال
"مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ" قال الله عز وجل مجدني عبدي / فإذا قال
"ِإيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" قال الله عز وجل هذا بيني
وبين عبدي ولعبدي ما سأل / فإذا قال "اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ /
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ
عَلَيهِمْ
غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ " قال الله عز وجل هذا لعبدي
ولعبدي ما سأل) والحمد لله رب العالمين
اللهم
اغفر للمسلمين والمسلمات / والمؤمنين والمؤمنات / الأحياء منهم والأموات / أنك
سميع قريب مجيب الدعوات أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين
/ وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي ءآل
سيدنا محمد وسلم تسليماً
"وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" العنكبوت{54}
الخطبة الأولي قبس من الإسراء
والمعراج
الحمد لله رب العالمين
الذي رفع قدر نبينا صلي الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة واختصه بالإسراء
والمعراج
وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له منح رسوله صلي الله عليه وسلم ليلة الإسراء
والمعراج أعظم هدية لأمته وهي الصلاة التي هي معراج كل مؤمن إلي ربه عز وجل
وأشهد
أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله القائل فيما روي عنه (من حافظ علي الصلاة كانت له
نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان
ولا نجاة ، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي ابن خلف)
اللهم
صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي ءاَله وصحبه التابعين ، أما بعد / فيا أيها
المسلمون : يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" سُبْحَانَ الَّذِي
أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ
الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ
السَّمِيعُ البَصِيرُ "الإسراء{1}
روي
الإمام الحاكم رضي الله عنه بسنده / أن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه سأل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن معني سبحان الله / فقال رسول الله صلي الله
عليه وسلم : (تنزيه الله من كل سوء ) سبل الهدي والرشاد حـ2 صـ16ـ
ومعني
أسري / وهو السير ليلاً / بعبده / والوصف بالعبودية المضافة إلي الله عز وجل وهو
أصدق القائلين :" سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ" وأيضاً قول
الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ
عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا "الكهف{1}
روي
الإمام النسفي رحمه الله تعالي
بسنده / قيل لما وصل النبي صلي الله عليه وسلم إلي الدرجات العالية / والمراتب
الرفيعة في المعراج / أوحي الله عز وجل إليه / يا محمد أشرفك ؟/ قال صلي الله عليه
وسلم / تنسبني إلي نفسك بالعبودية / فأنزل الله عز وجل / "سُبْحَانَ الَّذِي
أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ
الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ
السَّمِيعُ البَصِيرُ "الإسراء{1} ومعني ليلاً أي في جزء من الليل
/ وكان الإسراء ليلاً / لأنه وقت الخلوة والاختصاص عرفاً / والليل وقت الاجتهاد
للعباده / وكان صلي الله عليه وسلم يقوم أي يصلي حتى تورمت قدماه) 918(كتاب الترغيب والترهيب) / وكان قيام الليل
في حقه واجباً / فلما كانت عبادته ليلاً / أكرم بالإسراء به فيه / روي الإمام
البخاري رضي الله عنه بسنده / عن أبي هريرة رضي الله عنه / أن رسول الله صلي الله
عليه وسلم قال : / "ينزل ربنا كل ليلة إلي سماء الدنيا / حين يبقي ثلث اليل الآخر / فيقول رب العزة تبارك وتعالي / من يدعوني فأستجب له
/ من يسألني فأعطيه /من يستغفرني فأغفر له " 2484(كتاب
الترغيب والترهيب)
أيها
المسلمون : إن ذكري الإسراء والمعراج / تثير في نفوسنا كثيراً من الذكريات والعبر
/ لما تحمله هذه الرحلة المباركة من دلالات ومعاني / لابد من تأملها / لتكون
مدرساً لنا في طريق حياتنا / فيجب أن نتذكر أن رحلة الإسراء والمعراج / إعلان
لوراثة الرسول الأخير صلي الله عليه وسلم / لمقدسات الرسل قبله / وذلك في بداية
الرحلة / وفي أثناءها وفي آخرها / ففي بداية الرحلة / جاء سيدنا جبريل وميكائيل
بالبراق / ليحملا رسول الله صلي الله عليه وسلم / والبراق دابة كانت الأنبياء
تركبها قبله صلي الله عليه وسلم / لقد ركب رسول الله صلي الله عليه وسلم البراق /
وهذا معناه أنه سائر علي الدرب / وأنه وارث للأنبياء قبله / يقول الله تبارك
وتعالي وهو أصدق القائلين :" شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ
نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ
وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ"الشورى{13} كما أن إمامه الرسول صلي
الله عليه وسلم للملائكة والمرسلين / تأكيد علي أنه الوارث لجميع النبوات / (فأذن
جبريل / ونزلت الملائكة من السماء / وحشر الله له المرسلين / فصلي النبي صلي الله
عليه وسلم بالملائكة والمرسلين / فلما انصرف / قال جبريل يا محمد / أتدري من صلي
خلفك ؟/ قال صلي الله عليه وسلم لا / قال سيدنا جبريل عليه السلام / كل نبي بعثه
الله تعالي )/ سبل الهدي والرشاد حـ2ص120/يقول الحق
تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً
عَلَيْهِ" المائدة{48}
إنها
هيمنة البيان والحكم والفصل / فيما اختلف الناس فيه /
أيها
المسلمون / إن رسول الله صلي الله عليه وسلم / هو خاتم النبيين والمرسلين / جمع
الله له جميع خلاصة ما في النبوات والرسالات السابقة / لذلك فهو أحق بمقدساتهم /
روي الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن ابن عباس رضي الله عنهما قال / قدم
النبي صلي الله عليه وسلم المدينة / فرأي اليهود تصوم يوم عاشوراء (يوم عاشوراء هو
العاشر من المحرم)/ فقال صلي الله عليه وسلم / ما هذا ؟/ قالوا هذا يوم صالح / هذا يوم نجي الله فيه موسى وقومه /
وأغرق فرعون وقومه / فصامه موسى شكراً لله / فنحن نصومه / فقال رسول الله صلي الله
عليه وسلم / نحن أحق بموسى منكم / فصامه وأمر بصيامه ) الجامع للأصول حـ2صـ90ـ فقه
السنة حـ1صـ333ـ
أيها
المسلمون / إن الله عز وجل جمع لرسوله صلي الله عليه وسلم في الإسراء والمعراج /
المسجدين / المسجد الحرام / والمسجد الأقصى / حيث كان إشراق النبوة علي الأنبياء
قبله بالمسجد الأقصى / وكان إشراق النبوة علي رسول الله عليه وسلم بمكة / فجمع
الله عز وجل للرسول صلي الله عليه وسلم المسجدين
أيها
المسلمون / إن المسجد الأقصى هو أولي القبلتين / وثاني المسجدين / وثالث الحرمين /
لقد استقبل المسلمون بيت المقدس سبعة عشر شهراً / ثم استقبلوا الكعبة بيت الله
الحرام / كما أن المسجد الأقصى ثاني المسجدين وجوداً /
روي
الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن أبي ذر رضي الله عنه قال / قلت يا رسول
الله / أي مسجد وضع في الأرض أولاً / قال صلي الله عليه وسلم / المسجد الحرام /
قلت ثم أي / قال المسجد الأقصى / قلت كم بينهما / قال أربعون سنه / وأينما أدركتك الصلاة
فصل فهو مسجد ) صحيح الإمام مسلم/ باب
المساجد.
والمسجد
الأقصى ثالث الحرمين / روي الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه / عن أبي سعيد
الخدري رضي الله عنه قال / قال رسول الله صلي الله عليه وسلم / (لا تشد الرحال إلا
إلي ثلاثة مساجد / المسجد الحرام / ومسجدي هذا / والمسجد الأقصى ) السيوطي صـ580كما أن الصلاة في المسجد
الحرام / بمائة ألف صلاة / والصلاة في المسجد النبوي / بألف صلاة / والصلاة في
المسجد الأقصى / بخمسمائة صلاة )/ السيوطي صـ319ـ
أيها
المسلمون / إن الأماكن المقدسة أمانة في أعناق كل المسلمين / لذا يجب المحافظة
عليها وأن يحموها / ويعملوا كل ما في
وسعهم لتخليص المسجد الأقصى من الأسر الصهيوني الغادر / أحفاد القردة والخنازير /
الملعونين علي لسان كل نبي ) / يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :"
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ
وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ
"المائدة{87}
روي
الإمام أبو داود رضي الله عنه بسنده / عن أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها قالت /
قلت يا رسول الله / أفتنا في بيت المقدس / فقال صلي الله عليه وسلم أرض المحشر
والمنشر / ومعني المحشر / يعني أنه الموضع الذي يحشر إليه الناس / والمنشر / هو
موضع النشور / وهو قيام الموتى من قبورهم /
إ
يتوه فصلوا فيه / فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره / قلت يا رسول الله أرأيت إن لم
أستطع أن أصل إليه / قال صلي الله عليه وسلم / فتهدي إليه زيتاً ليسرح فيه / فمن
فعل ذلك فهو كمن أتاه ) سبل الهدي والرشاد حـ2صـ154ـ
أيها
المسلمون / إن الهدية التي بقيت لنا من ذكري الإسراء والمعراج / هي هذه الصلوات /
فالصلاة معراج كل مؤمن إلي ربه / تستطيع أن ترقي إلي الله يومياً بهذه الصلوات /
التي تنتزعك من دنيا الغفلة / من دنيا الصراع / إلي حيث تقف بين يدي ربك تناجيه /
فتناجي قريباً غير بعيد / وتسأله فتسأل كريماً غير بخيل / وتستعينه / فتستعين
قوياً غير ضعيف /
روي
الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن أبي هريرة رضي الله عنه قال / قال رسول
الله صلي الله عليه وسلم / (أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد / فأكثروا
الدعاء) 565ت(كتاب الترغيب والترهيب)
والحمد
لله رب العالمين / وقال ربكم أدعوني أستجب لكم / أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين
الحمد لله علي نعمة
الإسلام وكفي بها نعمة / الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران{102}
أما بعد / فيا أيها المسلمون / إن لشهر شعبان
نفحات وذكريات / تستحق العناية والاهتمام / ولذلك كان المصطفي صلي الله عليه وسلم
يختصه بكثير من الصيام / روي الإمام النسائي رضي الله عنه بسنده / عن أسامه بن زيد
رضي الله عنهما قال / قلت يا رسول الله / لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من
شعبان / قال صلي الله عليه وسلم / ذاك شهر يغفل الناس عنه / بين رجب ورمضان / وهو
شهر ترفع فيه الأعمال إلي رب العالمين / وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ) 1537(كتاب
الترغيب والترهيب) فهذا سر من أسرار اهتمام المصطفي صلي الله عليه وسلم / بالإكثار
من الصيام في شهر شعبان / ليلفت النظر إلي العناية بطاعة الله فيه / والتقرب إلي
الله بالعمل الصالح / والصوم من أجل العبادات / لأنه سر بين العبد وربه / وكذلك
قضاء حاجات العباد / مصدقاً لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم (من مشى في حاجة
أخيه / وبلغ فيها / كان خيراً له من اعتكاف عشر سنين / ومن اعتكف يوماً ابتغاء وجه
الله تعالي / جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق / أبعد مما بين الخافقين /
أيها
المسلمون / في هذا الشهر الكريم / يجب تصفية القلوب من الأحقاد / حيث يطلع الله
إلي جميع خلقه / اطلاع رحمة ومغفرة وعناية خاصة / حيث أن الله عز وجل لا يغفل عنهم
طرفة عين / ولا ينام عن عباده / فيغفر لجميع خلقة إلا لمشرك أو مشاحن أو عاق
لوالديه أو قاتل نفس أو قاطع رحم ) روي الطبراني رضي الله عنه بسنده / عن معاذ بن
جبل رضي الله عنه / عن النبي صلي الله عليه وسلم قال / (يطلع الله إلي جميع خلقه
ليلة النصف من شعبان / فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن) 1544(كتاب الترغيب
والترهيب)
والحمد
لله رب العالمين / اللهم إنك عفو تحب العفو فأعف عنا / اللهم فقهنا في ديننا /
اللهم اجعل القرءان الكريم ربيع قلوبنا / وجلاء همومنا / وذهاب أحزاننا / ربنا
أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك علي كل شئ قدير / ربنا ءاَتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا
من أمرنا رشداً / ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما
/ اللهم أغننا بحلالك عن حرامك أغننا بفضلك عن من سواك / اللهم شتت شمل اليهود ومن
عاونهم / اللهم رد المسجد الأقصى وما حوله للمسلمين / اللهم انصر الإسلام وأعز
المسلمين / اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لما تحبه وترضاه / اللهم انصرهم علي
أعداءك أعداء الدين / اللهم اجعل مصر بلداً ءآمناً وسائر بلاد المسلمين / اللهم
أشف أمراضنا وأمراض المسلمين / اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات / والمؤمنين
والمؤمنات / الأحياء منهم والأموات / أنك سميع قريب مجيب الدعوات أقول قولي هذا
وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين /
وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي ءآل سيدنا محمد وسلم تسليماً
"وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" العنكبوت{54}
من فضائل
شهر شعبان
الخطبة
الأولي
الحمد
لله رب العالمين الذي يجيب المضطر إذا دعاه سبحانه بيده الفضل يؤتيه من يشاء والله
واسع عليم
وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له/ سميع
الدعاء / وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله خير الأنبياء والمرسلين
اللهم
صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي ءاَله وصحبه والتابعين
أما
بعد / فيا أيها المسلمون / نحمد الله تعالي ذا الحكمة البالغة فيما يصطفي من خلقه
/ فالله عز وجل يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس / ويفضل من الأوقات أوقاتاً /
ففضل بعض الشهور علي بعض /
روي
الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه / عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله
عنها قالت / كان رسول الله صلي الله عليه وسلم / يصوم حتى نقول لا يفطر / ويفطر
حتى نقول لا يصوم / وما رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا
شهر رمضان / وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان )1541(كتاب الترغيب والترهيب)
أيها
المسلمون / إن هذا الحديث النبوي الشريف / وهو في أعلي درجات الصحيح / لا تفاق
الشيخين عليه في صحيحيهما (البخاري ومسلم) يجعلنا ونحن في شهر شعبان المبارك /
أمام إشارة من فعل المصطفي صلي الله عليه وسلم / تدفعنا إلي البحث والتطلع والتعرف
علي أسرار هذا الشهر / وأسباب تكريمه / واختصامه بمزيد من العبادة / ذلك أن النبي
صلي الله عليه وسلم / وهو الذي لا ينطق عن الهوي / ما كان ليصنع صنيعاً / أو يفعل
فعلاً / إلا وله من الحكمة ما يجعل الفعل أساساً للتأسي / ومنهجاً لسعادة الدنيا
والآخرة / فهذا الشهر الكريم
ليس من الأشهر الحرم / وإنما جاء واسطة بين شهر الله الحرام رجب / والشهر الذي
اختصه الله بنزول القرءاَن الكريم فيه / وهو شهر رمضان / لذلك فإن النبي صلي الله
عليه وسلم / اختصه بمزيد من العبادة فيه / حتى أنه لا يصوم في شهر من الشهور / كما
يصوم في شهر شعبان / ويتقرب إلي الله عز وجل بالطاعات فيه / تقول أم المؤمنين
السيدة عائشة رضي الله عنها (ما رأيت النبي صلي الله عليه وسلم في شهر أكثر صياماً
منه في شعبان / كان يصومه إلا قليلاً / بل كان يصومه كله)1541 (كتاب الترغيب
والترهيب)
وروي
الإمام النسائي رضي الله عنه بسنده / عن أسامه بن زيد رضي الله عنهما قال / قلت يا
رسول الله / لم أرك تصوم في شهر من الشهور ما تصوم من شعبان / قال صلي الله عليه
وسلم / (ذاك شهر يغفل الناس عنه / بين رجب ورمضان / وهو شهر ترفع فيع الأعمال إلي
رب العالمين / وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ) 1537(كتاب الترغيب والترهيب)
أيها
المسلمون / إن رسول الله صلي الله عليه وسلم خص شهر شعبان بكثير من الصيام /
لأمرين /
الأمر
الأول هو / أنه مظنة لغفلة الناس عن عبادة ربهم / إذ يسبق شهر شعبان شهر رجب / وهو
من الأشهر الحرم / التي يجتهد الناس فيها في العبادة / ويكثرون من الطاعة / ويأتي
شهر رمضان بعد شهر شعبان / شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءاَن / وفيه ليلة القدر /
ويتضاعف فيه جزاء الطاعة / من تقرب فيه بخصلة من الخير / كان كمن أدي فريضة فيما
سواه / ومن أدي فريضة فيه / كان كمن أدي سبعين فريضة فيما سواه / فيكرس الناس في
شهر رمضان جهودهم لصيام نهاره / وقيام لياليه / ويبذ لون من الطاعات ما لا يبذلون في سواه / ومن هنا تفتر الهمم
عن العمل في شهر شعبان / ومما لا شك فيه / أن أفضل الذكر / عندما يكون الناس في
غفلة عن ربهم / وأعظم الطاعات / ما يكون عندما ينصرف الناس عن طاعة مولاهم / روي
الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله
صلي الله عليه وسلم قال / (عبادة في الهرج / (أي وقت الاختلاف والفتن) / كهجرة إلي
) 4625(كتاب الترغيب والترهيب)
ويقول
الرسول صلي الله عليه وسلم / (ائتمروا بالمعروف / وانهوا عن المنكر / حتى إذا رأيت
شحاً مطاعاً / وهوي متبعاً / ود نيا مؤثرة /
وإعجاب كل ذي رأي برأيه / فعليك بنفسك / ودع عنك العوام / فإن من ورائكم أيام
الصبر / الصبر فيهن مثل القبض علي الجمر / للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون
مثل عمله / قيل يا رسول الله / أجر خمسين رجلاً منا أو منهم / قال صلي الله عليه
وسلم / بل أجر خمسين منكم ) 4624(كتاب الترغيب والترهيب)
لذلك
كان سيدنا عبد الله بن رواحه يذهب إلي الأسواق / يدعو الناس إلي ذكر الله عز وجل /
روي
الإمام أحمد رضي الله عنه بسنده / عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال / كان عبد الله
بن رواحه إذا لقي الرجل من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم قال / تعال نؤمن
بربنا ساعة / فقال ذات يوم لرجل / فغضب الرجل / فجاء إلي النبي صلي الله عليه وسلم
/ فقال يا رسول الله / ألا تري إلي ابن رواحه / يرغب عن إيمانك إلي إيمان ساعة /
فقال النبي صلي الله عليه وسلم / (يرحم الله ابن رواحه / إنه يحب المجالس التي
تتباهى بها الملائكة) 2259(كتاب الترغيب والترهيب)
ومن
هنا أفضل قيام الليل / عندما تشتد غفلة الناس / ويثقل النوم رءوسهم /
والأمر
الثاني / لتخصيص رسول الله صلي الله عليه وسلم لشهر شعبان بكثير من الصيام / هو
شهر ترفع فيه الأعمال إلي رب العالمين / وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)1537 (كتاب
الترغيب والترهيب)
أيها
المسلمون / إن شهر شعبان هو نهاية العام التشريعي من كل عام إذ أن بدء نزول
القرءاَن الكريم كان في شهر رمضان / وهو الذي كان به التكليف / وبآيات القرءاَن
الكريم / شرعت الأحكام / وعن طريقه عرف الحلال والحرام / وبذلك يكون قد بدأ قلم التسجيل في شهر رمضان / حيث ينتهي العام التشريعي
والحساب الختامي لأعمال العباد في شعبان / فقال صلي الله عليه وسلم / (هو شهر ترفع
فيه الأعمال إلي رب العالمين / وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)
أيها
المسلمون / إن شهر شعبان وقع فيه حدث عظيم / حيث اختاره الله عز وجل توقيتاً
لتحديد الشخصية المستقلة للأمة المسلمة / لكي تصبح متميزة في كل شئ / بكتابها
وشريعتها وقبلتها لقد أمر الله عز وجل رسوله صلي الله عليه وسلم / بأن يستقبل في
الصلاة المسجد الحرام / أي الكعبة / بدلاً من بيت المقدس / وذلك يوم الثلاثاء
للنصف من شعبان / لذلك صار شهر شعبان رمزاً لوحدة المسلمين / ونبذ ما بينهم من
فرقة / ليجتمعوا علي كلمة واحدة / كما جمعهم الله عز وجل فيه علي قبلة واحدة / روي الإمام ابن ماجة رضي الله عنه
بسنده / عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه / عن النبي صلي الله عليه
وسلم قال / (إذا كانت ليلة النصف من شعبان / فقوموا ليلها / وصوموا يومها / فإن
الله تبارك وتعالي ينزل فيها لغروب الشمس علي السماء الدنيا / فيقول / إلا من
مستغفر فأغفر له ؟/ ألا من مسترزق فأرزقه ؟/ ألا من مبتلي فأعافيه / ألا كذا / ألا
كذا / حتى يطلع الفجر)1507 (كتاب الترغيب والترهيب)
وروى
الأمام أحمد رضى الله عنه بسنده/ عن إم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها
قالت:قال رسول الله صلىالله عليه وسلم فى أهل الكتاب/ إنهم لايحسدوننا على شىء كما
يحسدونناعلى يوم الجمعة التىهدانا الله لها وضلوا عنها/ وعلى القبلة التى
هداناالله لها وضلوا عنها/وقولنا خلف الإمام آمين/) والحمد لله رب العالمين / وقال ربكم أدعوني أستجب لكم / أدعو
الله وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين
الحمد لله علي نعمة
الإسلام وكفي بها نعمة / الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران{102}
أما بعد / فيا أيها المسلمون / إن لشهر شعبان
نفحات عظيمة / وخيرات كثيرة / فيه يصعد الدعاء / وتنفتح له أبواب القبول في السماء
/ وتتحقق فيه الآمال / فلقد حقق الله عز وجل أمل نبيه صلي الله عليه وسلم في تحويل
القبلة من بيت المقدس إلي البيت الحرام / وكان ذلك استجابة لطلبة / وإرضاء له صلي
الله عليه وسلم / يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" قَدْ نَرَى
تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ
وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ
وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ
أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ
"البقرة{144}
لقد
استجاب الله عز وجل لضراعة النبي صلي الله عليه وسلم الذي كان يرجو من الله عز وجل
/ أن تكون قبلته قبل البيت الحرام / الذي هو أول بيت وضع للناس / :" إِنَّ
أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى
لِّلْعَالَمِينَ "ءآل عمران{96}
والذي
شرفه الله عز وجل بنسبته إلي نفسه / يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين
:" وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ
بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ
السُّجُودِ "الحج{26 } والذي شرفه الله بتخطيط الملائكة له / ووضع
رسمه / وأوحي إلي أبي البشر ءآدم ببنائه / ولقد قيل ليس في العالم بناء أشرف من
الكعبة / أقدم القبلتين / ومفخرة العرب / حيث كانت مثابة للناس وءآمنا ومزاراً ومطافاً
/
روي
الإمام البيهقي رضي الله عنه بسنده / عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها / أن
رسول الله صلي الله عليه وسلم قال / (أتاني جبرائيل عليه السلام فقال / هذه ليلة
النصف من شعبان / ولله فيها عتقاء من النار بعدد شعور غنم بني كلب (اسم قبيلة) / (ليس في العرب قوم أكثر غنما منهم) ولا ينظر
الله فيها إلي مشرك / ولا إلي مشاحن ولا إلي قاطع رحم / ولا إلي مسبل (وهو الذي
يجر ثيابه فخراً وكبراً) ولا إلي عاق لوالديه / ولا إلي مدمن خمر) 1545(كتاب
الترغيب والترهيب)
والحمد
لله رب العالمين / اللهم إنك عفو تحب العفو فأعف عنا / اللهم فقهنا في ديننا /
اللهم اجعل القرءان الكريم ربيع قلوبنا / وجلاء همومنا / وذهاب أحزاننا / ربنا
أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك علي كل شئ قدير / ربنا ءاَتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا
من أمرنا رشداً / ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما
/ اللهم أغننا بحلالك عن حرامك أغننا بفضلك عن من سواك / اللهم شتت شمل اليهود ومن
عاونهم / اللهم رد المسجد الأقصى وما حوله للمسلمين / اللهم انصر الإسلام وأعز
المسلمين / اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لما تحبه وترضاه / اللهم انصرهم علي
أعداءك أعداء الدين / اللهم اجعل مصر بلداً ءآمناً وسائر بلاد المسلمين / اللهم
أشف أمراضنا وأمراض المسلمين / اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات / والمؤمنين
والمؤمنات / الأحياء منهم والأموات / أنك سميع قريب مجيب الدعوات أقول قولي هذا
وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين /
وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي ءآل سيدنا محمد وسلم تسليماً
"وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" العنكبوت{54}
تحويل
القبلة
الخطبة
الأولي
الحمد
لله رب العالمين الذي أمر للمسلمين بتحويل قبلتهم من المسجد الأقصى إلي المسجد
الحرام/ ليتبين المؤمن القوي الإيمان من ضعيفه/ والمتبع
لأمر الله عز وجل من العاصي والمنافق / وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
القائل في كتابه الحكيم :" قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
"ءآل عمران{31}
وأشهد
أن محمداً عبد الله ورسوله أطاع الله عز وجل فيما أمر به فرفع له ذكره / وحط عنه
وزره / وشرح له صدره /
اللهم
صل علي سيدنا محمد صاحب الرأي السديد وعلي ءاَله وصحبه والتابعين
أما
بعد / فيا أيها المسلمون / نحمد الله تعالي الذي من علي عباده بمواسم الخيرات /
ووفق من شاء منهم لاغتنام هذه المواسم بفعل الخيرات /يقول الله تبارك وتعالي وهو
أصدق القائلين :" سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن
قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْعَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ
يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ"البقرة{142}
المقصود بالسفهاء / هم اليهود والجهال والمنافقون / فهم أثاروا ضجة بمناسبة تحويل
القبلة / وهم الذين أثاروا هذا التساؤل "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا
عليها" وهي المسجد الأقصى / ويلقن الله عز وجل الرسول صلي الله عليه وسلم
الإجابة عليهم / "قل لله المشرق والمغرب / يهدي من يشاء إلي صراط
مستقيم" إن المشرق لله / والمغرب لله / فكل متجه فهو إليه في أي اتجاه/
فالجهات والأماكن لافضل لها في ذاتها / إنما يفضلها ويخصصها اختيار الله وتوجيهه /
والله يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم / فإذا اختار لعباده وجهه / واختار لهم قبله /
فهي إذن المختارة / وعن طريقها يسيرون إلي صراط مستقيم / وبذلك يقرر سبحانه وتعالي
حقيقة التصور للأماكن والجهات / وحقيقة المصدر الذي يتلقي منه البشر التوجهات /
وحقيقة الاتجاه الصحيح / وهو الاتجاه إلي الله عز وجل في كل حال / وقد هدي الله
سبحانه وتعالي هذه الأمة إلي أحسن الجهات / اختار سبحانه وتعالي لهم أفضل الأماكن
/ أول بيت وضع للناس / ليتجهوا إليه / وليكونوا متعلقين بأبي الأنبياء إبراهيم
عليه السلام / وليجددوا ملته في التوحيد ومحاربة الأوثان والأصنام / ثم يحدث الله
عز وجل هذه الأمة الإسلامية عن حقيقتها الكبيرة في هذا الكون / وعن وظيفتها الضخمة
في هذه الأرض / وعن مكانها العظيم في هذه البشرية / وعن دورها الأساسي في حياة
الناس / مما يقتضي أن تكون لها قبلتها الخاصة / وشخصيتها الخاصة / وألا تسمع لأحد
إلا لربها العظيم / الذي اصطفها لهذا الأمر العظيم / يقول الله تبارك وتعالي وهو
أصدق القائلين :"وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ
شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً"البقرة{143}
إنها
الأمة الوسط / التي تشهد علي الناس جميعاً / فتقيم بينهم العدل والقسط / وتضع لهم
الموازين والقيم / وتبدي فيهم رأيها / فيكون هو الرأي المعتمد / وهي شهيدة علي
الناس / وفي مقام الحكم العدل بينهم / وبينما هي تشهد علي الناس هكذا / فإن الرسول
صلي الله عليه وسلم هو الذي يشهد عليها / فيقرر لها موازينها وقيمها / ويحكم علي
أعمالها وتقاليدها / ويزن ما يصدر عنها / وإنها للأمة الوسط بكل معاني الوسط /
سواء في الحسن والفضل / أو الاعتدال والقصد / أمة وسطاً في التصور والاعتقاد / فلا
تغالي في التجرد الروحي / ولا في الإرتكاس المادي / إنما تتبع الفطرة / الممثلة في
روح متلبس بجسد / وتعطي لهذا الكيان المزدوج الطاقات / حقه المتكامل من كل زاد /
بلا تفريط ولا إفراط ./ أمة وسطاً
في التفكير والشعور / لا تجمد علي ما علمت / وتغلق
منافذ التجربة والمعرفة / ولا تتبع كذلك كل ناعق وتقلده تقليد القردة المضحك /
إنما تستمسك بما لديها من تصورات ومناهج وأصول / ثم تنظر في كل نتاج للفكر
والتجريب / وشعارها الدائم / الحقيقة ضالة المؤمن / أني وجدها أخذها في تثبت ويقين ./ أمة وسطاً
في التنظيم والتنسيق / لا تدع الحياة كلها للمشاعر والضمائر / ولا تدعها كذلك
للتشريع والتأديب / إنما ترفع ضمائر البشر بالتوجيه والتهذيب / وتكفل نظام المجتمع
بالتشريع والتأديب ./ أمة وسطاً
في الارتباطات والعلاقات / لا تلغي شخصية الفرد ومقوماته / ولا تطلقه فرداً جشعاً
لا هم له إلا ذاته / إنما تقرر من التكاليف والواجبات / ما يجعل الفرد خادماً
للجماعة / والجماعة كافلة للفرد في تناسق واتساق / أمة وسطاً في المكان / في سرة
الأرض / وفي أوسط بقاعها / وما تزال هذه الأمة التي غمر أرضها الإسلام / إلي هذه
اللحظة / هي الأمة التي تتوسط أقطار الأرض / بين شرق وغرب / وجنوب وشمال / وما
تزال بموقعها هذا تشهد الناس جميعاً / وتشهد علي الناس جميعاً / وتعطي ما عندها
لأهل الأرض قاطبة ./ أمة وسطاً
في الزمان / تنهي عهد طفولة البشرية من قبلها / وتحرس عهد الرشد العقلي من بعدها /
تنفض عن البشرية ما علق بها من أوهام وخرافات / وتصدها عن الفتنة.
أمة
وسطاً أنهت عبادة الأوثان / وأكل الميتة / والإساءة إلي الجار / واستحلال المحارم
ووأد البنات / وقذف المحصنات / والتعامل بالربا / وقول الزور / وأكل مال اليتيم
والظلم. / والأمة الوسط هذه التي تلك وظيفتها / لابد أن
تختبر / ليتأكد خلوصها لله عز وجل / يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين
:" وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ
مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ"البقرة{143}
من
هذا يتضح الاختبار لهذه الأمة الوسط / صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم / في
ذلك الوقت / امتحان للمهاجرين قبل أن يهاجروا / لأن الهجرة ليست انتقال / ولكنها
ارتقاء / والارتقاء لابد له من ابتلاء / والاختبار هنا امتحان لجميع الصحابة قبل
الهجرة / لأن العرب ورثوا البيت الحرام عن سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام /
وكون البيت في العرب بالوراثة / صار تعظيم البيت قضية وراثة / وليست قضية عبادة /
فالكعبة وسطهم / وكانوا يتعبدون الله حول الكعبة ويصلون / ولكن كيف كانت صلاتهم ؟
/ يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ
عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ
تَكْفُرُونَ"الأنفال{35} كانت صلاتهم صفيراً بالأفواه / وتصفيقاً
بالأيدي / وهرجاً ومرجاً لا وقار فيه / ولا استشعار لحرمة البيت / ولا خشوع لهيبة
الله عز وجل / يقول سيدنا عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما (إنهم كانوا يضعون
خدودهم علي الأرض / ويصفقون ويصفرون) /ولما كان
الاتجاه إلي البيت الحرام / قد تلبست به في نفوس العرب فكرة أخري غير فكرة العقيدة
/ وشابت عقيدتهم شوائب الشرك وعصبية الجنس / وصار اسم البيت الحرام / بيت العرب
المقدس / والله سبحانه وتعالي يريده بيت الله المقدس / لا يضاف إليه شعار أخر غير
شعاره سبحانه وتعالي / ولما كان الاتجاه إلي البيت الحرام
/ قد تلبست به هذه السمة الأخرى / أنه بيت العرب المقدس / فقد صرف الله عز وجل
المسلمين صحابه برسول الله صلي الله عليه وسلم عنه فتره / ووجههم إلي بيت المقدس /
ليخلص مشاعرهم من ذلك التلبس القديم أولاً / ثم ليختبر طاعتهم وتسليمهم لله
وللرسول صلي الله عليه وسلم /
أيها
المسلمون / (إن العقيدة الإسلامية لا تطيق لها في القلب شريكاً / ولا تقبل شعاراً
غير شعار التوحيد / ويقول الله عز وجل وهو أصدق القائلين :" وَمَا جَعَلْنَا
الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ
مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ"البقرة{143}
فإذا
كان الهدي فلا مشقة ولا عسر / في أن تتجرد النفس لله / تسمع منه وتطيع / حيثما
وجهها الله تتجه / وحيثما قادها رسول الله صلي الله عليه وسلم تقاد / :"وما
كان الله ليضيع إيمانكم / إن الله بالناس لرءوف رحيم" يطمئن الله عز وجل
المسلمين علي إيمانهم / وعلي صلاتهم / وأن صلاتهم لم تضيع / فالله سبحانه وتعالي
لا يشق عليهم في التكليف / لأنه سبحانه وتعالي يعرف طاقتهم المحدودة / فلا يكلفهم
فوق طاقتهم / وإنه يهدي المؤمنين / ويمدهم بالعون من عنده لاجتياز الامتحان / حين
تصدق منهم النية /وتصح العزيمة / وإذا كان البلاء
مظهراً لحكمته / فاجتياز البلاء فضل رحمته / إن الله بالناس لرءوف رحيم)
فالله أرحم بعباده من الأم بولدها / وبهذا يسكب في قلوب المؤمنين الطمأنينة /
ويذهب عنها القلق / ويفيض عليها الرضا والثقة واليقين / والحمد لله رب العالمين /
وقال ربكم أدعوني أستجب لكم / أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين
الحمد لله علي نعمة
الإسلام وكفي بها نعمة / الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران{102}
أما بعد / فيا أيها المسلمون / يقول الله تبارك
وتعالي وهو أصدق القائلين:" قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء
فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا "البقرة{144}
بعدما
كثر لجاج اليهود وحجاجهم / ووجدوا في اتجاه الجماعة المسلمة لبيت المقدس وسيلة
للتمويه والتضليل والبلبلة / حيث قال اليهود / خالفنا محمد ويتبع قبلتنا / وقال
رسول الله صلي الله عليه وسلم لسيدنا جبريل عليه السلام / وددت أن الله عز وجل
صرفني عن قبلة يهود إلي غيرها / فقال سيدنا جبريل عليه السلام / (إنما أنا عبد
مثلك / لا أملك لك شيئاً إلا ما أمرت به / فادع الله عز وجل / فكان رسول الله صلي
الله عليه وسلم يدعو الله عز وجل ويكثر النظر إلي السماء / ينتظر أمر الله تعالي /
وخرج رسول الله صلي الله عليه وسلم زائراً أم بشر بن البراء بن معرور /في بني سلمه
/ فصنعت له طعاماً / وحانت صلاة الظهر / فصلي رسول الله صلي الله عليه وسلم
بأصحابه في مسجد هناك الظهر / فلما صلي ركعتين / نزل سيدنا جبريل عليه السلام /
فأشار إلي الرسول صلي الله عليه وسلم / أن صل إلي البيت الحرام / وصلي جبريل عليه
السلام إلي البيت الحرام / فاستدار رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي الكعبةفتحول
النساء مكان الرجال/ والرجال
مكان النساء/ فهي القبلة التي قال الله تبارك وتعالي عنها :"
فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ"البقرة{144}
فسمي
ذلك المسجد مسجد القبلتين وقد استقبل المؤمنون
هذا التحويل بالسمع والطاعة لله ورسوله امااليهود ومن على شاكلتهم ممن فىقلوبهم
مرض/فقد استقبلوه بالإستهزاء والجحود وإثارة الشبهات لبلبلة الأفكار وتشكيك
المسلمين فىعقيد تهم /مع أن من المبشرات برسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه صاحب
القبلتين/ ولكنًّهم عموا وصموا.
أيها
المسلمون / يجب علينا أن نحسن صلتنا بالله عز وجل الذي خلقنا فسوانا وأن نحسن
الصلة بين بعضنا البعض بحيث تقوم تلك الصلة علي الأخوة والمحبة إن لم تقم علي
الإيثار يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" وَيُؤْثِرُونَ عَلَى
أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ
فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"الحشر{9}
والإيثار
علي النفس مع الحاجة قمة عليا وقد بلغ إليها الأنصار صحابة رسول الله صلي الله
عليه وسلم ورضي الله عنهم
روي
الإمام الطبراني رحمة الله بسنده عن معاذ بن جبل رضي الله عنه / عن النبي صلي الله
عليه وسلم قال: يطلع الله إلي جميع
خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن)/ يطلع الله عز وجل عليهم إطلاع رحمة ومغفرة / ينظر إليهم
نظرة مغفرة وعطف / ونظرة سبحانه وتعالي إلي الخلق جميعاً دائم/ وهو لا يغفل عنهم
طرفة عين / ولا ينام عن عباده / إنما النظر هنا
والإطلاع هنا / إطلاع رحمة ومغفرة وعناية خاصة / يطلع عليهم هذه الليلة
فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن أما المشرك فقد قال الله تبارك وتعالي وهو
أصدق القائلين :" إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ
مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ "النساء{116}
أما
المشاحن فهو الذي تكون بينه وبين أخيه المسلم شحناء وخصومة / وعداوة وقطيعه وجفوه / هذا يحرم من المغفرة
أيها
المسلمون / ما أجمل أن يعيش الإنسان نقياً صافياً علام يتباغض الناس ؟ علي الدنيا
؟ وهي لا تزن عند الله جناح بعوضه / ولن يأكل أحد رزقك كما لن تأكل رزق أحد فيجب
علينا أن نكون من أهل الصفاء والنقاء والحمد لله رب العالمين /
اللهم
اغفر للمسلمين والمسلمات / والمؤمنين والمؤمنات / الأحياء منهم والأموات / أنك
سميع قريب مجيب الدعوات أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين
/ وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي ءآل
سيدنا محمد وسلم تسليماً
"وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" العنكبوت{54}
استقبال شهر رمضان
الخطبة
الأولي
الحمد لله رب العالمين الذي إذا ق
الطائعين حلاوة الطاعة وعلق قلوب الموفقين بالمساجد والجماعة
وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل السعادة للصائمين القائمين الخاشعين /
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله إمام الصائمين الصابرين المتواضعين
اللهم
صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي ءاَله وصحبه الذين صانوا صيامهم عن اللغو
والكذب فكانوا هم الفائزين
أما
بعد / فيا أيها المسلمون / نحمد الله تعالي الذي من علي عباده بمواسم الخيرات ووفق
من شاء منهم لاغتنام هذه المواسم بفعل الخيرات / إذ جعل الصوم حصناً لأوليائه /
وفتح لهم به أبواب الجنة/روي الإمام الطبراني رضي الله عنه بسنده / عن أنس رضي
الله عنه قال / كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا دخل رجب / يقول صلي الله
عليه وسلم / اللهم بارك لنا في رجب / وشعبان / وبلغنا رمضان ) سبل الهدي والرشاد ج
8 ص 533/وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يبشر أصحابه
بقدوم شهر رمضان / يقول صلي الله عليه وسلم / قد جاءكم شهر مبارك / افترض الله عز
وجل عليكم صيامه / يفتح فيه أبواب الجنة / ويغلق فيه أبواب الجحيم / وتغل فيه
الشياطين / فيه ليلة هي خير من ألف شهر / من حرم خيرها فقد حرم ) سبل الهدي
والرشاد ج8 ص553/وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم / يخطب في المسلمين خطبة يبين
فيها فضل شهر رمضان /
روي
الإمام ابن خزيمة رضي الله عنه بسنده / عن سلمان رضي الله عنه قال / خطبنا رسول
الله صلي الله عليه فىءآخر يوم من شعبان قال / (يا أيها الناس / قد أظلكم شهر عظيم
مبارك / شهر فيه ليلة خير من ألف شهر / شهر جعل الله صيامه فريضة / وقيام ليله
تطوعاً / من تقرب فيه بخصلة من الخير / كان كمن أدي فريضة فيما سواه / ومن أدي
فريضة فيه / كان كمن أدي سبعين فريضة فيما سواه / وهو شهر الصبر / والصبر ثوابه
الجنة / وشهر المواساة / وشهر يزاد في رزق
المؤمن فيه / من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه / وعتق رقبته من النار / وكان له
مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شئ
قالوا
يا رسول الله / ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم / فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم
/ يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً علي تمرة / أو علي شربة ماء / أو مذقة لبن /
وهو شهر أوله رحمه / وأوسطه مغفرة / وءآخره عتق من النار / من خفف عن مملوكة فيه /
غفر الله له / وأعتقه من النار / فاستكثروا فيه من أربع خصال / خصلتين ترضون بهما ربكم / وخصلتين لاغناء بكم عنهما / فأما
الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم / فشهادة أن لا إله إلا الله / وتستغفرونه / وأما
الخصلتان اللتان لاغناء بكم عنهما / فتسألون الله الجنة / وتعوذون به من النار /
ومن سقي صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة) /(أى أن الله عز وجل يسير له دائماً الري في سهولة / فلا يأتي
عليه وقت يكون في أزمة لشدة الظمأ)1487(كتاب الترغيب والترهيب)
أيها
المسلمون / إن صيام شهر رمضان / فرض في السنة الثانية من الهجرة / بعد تحويل
القبلة إلي الكعبة / يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" البقرة{182} أيها المسلمون:إن القيم الروجية في الصوم لتتركز أسساً ومبادئ
/ في هذه الكلمة التي ختم الله بها سبحانه وتعالي الآية الكريمة / وهي "لعلكم
تتقون" / فالتقوى تتألف من عنصرين / عنصر إيجابي / هو القيام بما أمر الله عز
وجل به من فروض وواجبات في القول / كالأمر بالمعروف / والنهي عن المنكر / الذي كان
مع الإيمان مناط خيرية الأمة الإسلامية / يقول الله تعالي وهو أصدق القائلين
:" كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ "ءآل عمران{110}
وكذلك
القيام بما أمر الله عز وجل به في الفعل / كالصلاة علي وجهها الصادق / الذي يترتب
عليه الانتهاء عن الفحشاء والمنكر / أما العنصر الثاني من عناصر التقوى / فإنه
الانتهاء عما نهي الله سبحانه وتعالي عنه في القول / كالغيبة التي يمثل الله فاعلها
/ بمن يأكل لحم أخيه ميتاً / وكالكذب بجميع ألوانه
/ يقول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ
وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا
أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ
الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{11}َا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ
الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ
أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ"الحجرات{12}
والانتهاء
كذلك في الفعل عما نهي الله عنه / مثل الغش في المكاييل والموازين / فإذا تحققت
التقوى بالصوم / فقد تحققت القيم الروحية التي أحبها الله عز وجل للصائم / وفاز
ودخل في نطاق الآية القرءآنية الكريمة / يقول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين
/ :" أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء
اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{62}الَّذِينَ
آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ{63}لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ
الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{64}"يونس
لقد
أزال الله عز وجل عن أهل التقوى الخوف والحزن / ولهم البشري في الحياة الدنيا
والآخرة / إنه الوعد الحق الذي لا يتبدل / لا تبديل لكلمات الله / ذلك هو الفوز
العظيم /
أيها
المسلمون / إن الصالحين دائماً يتأسون برسول الله صلي الله عليه وسلم / يقول رب
العزة تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ
وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً "الأحزاب{21}
والتأسي
برسول الله صلي الله عليه وسلم / إنما هو اتباع للقرءاَن / فقد كان رسول الله صلي
الله عليه وسلم / الصورة الواقعية للقرءاَن / لقد كان صلي الله عليه وسلم خلقه
القرءاَن، / وشهر رمضان موسم من أسمي المواسم الروحية في الاتجاه إلي الله عز وجل
/ وفي الاندماج في عباده الصالحين / والخطوة الأولي في هذا الطريق / واللبنة
الأولي في بناء صرح التقوى / إنما هي التوبة / إنها أول خطوة في طريق الصلح مع
الله عز وجل / روي الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن أبي هريرة رضي الله عنه
/ أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال / قال الله عز وجل / (أنا عبد ظن عبدي بي /
وأنا معه حيث يذكرني / والله لله أفرح بتوبة عنده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة /
ومن تقرب إلي شبراً / تقربت إليه ذراعاً / ومن تقرب إلي ذراعاً / تقربت إليه باعاً
/ وإذا أقبل إلي يمشي أقبلت إليه هرولة "الأحاديث القدسية صـ62ـ ومعني الحديث
/ من يقترب إلي الله بطاعته / تقرب الله إليه برحمته وتوفيقه وإعانته / وإن زاد في
الطاعة / زاده الله توفيقاً وإعانة / فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي / أتيته هرولة
/ أي صببت عليه الرحمة / وسبقته بها / ولم أحوجه إلي المشي الكثير للوصول إلي
المقصود / يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" قُلْ يَا عِبَادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ"الزمر{53}
أيها
المسلمون / إن الصالحين يبدءون شهر رمضان بتجديد العهد مع الله بالتوبة الخالصة النصوح/
التوبة التي تكون فيصلاً حاسماً في حياة الإنسان / فيستأنف عهداً مع الله عز وجل
كله صدق / ويبدأ حياة كلها تقوي / يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين
:" وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاًوَيَرْزُقْهُ
مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ
إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً {3} "الطلاق{2،3}
إن
الله عز وجل يجعل له مخرجاً من كل ضيق / ومن كل أزمة / يفرج همه / ويكشف كريه /
ويزيل غمه وييسر له من أمره ما تعسر / ويرزقه من حيث لا يحتسب / يرزقه مادياً
وروحياً / ويرزقه من حيث يدري ومن حيث لا يدري /
والحمد
لله رب العالمين / وقال ربكم أدعوني أستجب لكم / أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة
/
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين
الحمد لله علي نعمة
الإسلام وكفي بها نعمة / الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران{201}
أما بعد / فيا أيها المسلمون / إن الصالحين في
ابتداء شهر رمضان يجددون عهدهم مع الله عز وجل / ويلتزمون بتجديد هذا العهد الصادق
التقوى / وتتألق تقواهم تأسياً برسول الله صلي الله عليه وسلم في أمرين /
الأول
/ وهو الإكثار من قراءة القرءاَن الكريم / والأمر الثاني / هو الإكثار من الصدقة /
والقرءاَن الكريم هو دستور هذه الأمة / وإن قراَءته والتفكير فيه عباده / واتباعه
واجب / وكلما اقترب الإنسان من تحقيق الأخلاق التي رسمها / كلما كان أقرب وأحب إلي
الله ورسوله / يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" شَهْرُ رَمَضَانَ
الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ
مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ
مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ
الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا
هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"البقرة{185}
فميزة
شهر رمضان الضخمة / أنه أنزل فيه القرءاَن / ولقد كان رسول الله صلي الله عليه
وسلم معنياً دائماً بالقرءاَن / ولكنه كان يعني عناية خاصة به فى هذا الشهر
المبارك / وكان سيدنا جبريل عليه السلام / يلقاه كل ليلة في رمضان فيدارسه
القرءاَن / (بمعني أن يقرأ سيدنا جبريل أولاً / والنبي صلي الله عليه وسلم يسمع /
ثم يسكت سيدنا جبريل عليه السلام / والنبي صلي الله عليه وسلم يقرأ ثانياً )/ أما
الأمر الثاني الذي كان يتألق فيه الرسول صلوات الله وسلامه عليه في شهر رمضان /
فهو الجود / لقد بنيت طبيعته صلي الله عليه وسلم علي الكرم / ولكنه في شهر رمضان
كان في الجود كالريح المرسلة / إن الذي يصوم رمضان / ويتلو كتاب الله عز وجل /
ويتصدق / هو رحمة ونور / وداخل في نطاق السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل
إلا ظله /
والحمد
لله رب العالمين / اللهم إنك عفو تحب العفو فأعف عنا / اللهم فقهنا في ديننا /
اللهم اجعل القرءان الكريم ربيع قلوبنا / وجلاء همومنا / وذهاب أحزاننا / ربنا
أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك علي كل شئ قدير / ربنا ءاَتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا
من أمرنا رشداً / ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما
/ اللهم أغننا بحلالك عن حرامك أغننا بفضلك عن من سواك / اللهم شتت شمل اليهود ومن
عاونهم / اللهم رد المسجد الأقصى وما حوله للمسلمين / اللهم انصر الإسلام وأعز
المسلمين / اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لما تحبه وترضاه / اللهم انصرهم علي
أعداءك أعداء الدين / اللهم اجعل مصر بلداً ءآمناً وسائر بلاد المسلمين / اللهم
أشف أمراضنا وأمراض المسلمين / اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات / والمؤمنين
والمؤمنات / الأحياء منهم والأموات / أنك سميع قريب مجيب الدعوات أقول قولي هذا
وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين /
وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي ءآل سيدنا محمد وسلم تسليماً
"وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" العنكبوت{45}
الخطبة
الأولي سر مشروعية الصوم
الحمد
لله رب العالمين جعل الصيام حصناً للمخلصين وجنة/ وفتح
للمتواضعين فيه أبواب الجنة / وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هدانا
للإسلام وشرح صدورنا بالقرءاَن / وأشهد سيدنا محمداً عبد الله ورسوله خير من صلي
وصام
اللهم
صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي ءاَله وصحبه ذوي البصائر الثاقبة والعقول
الراجحة
أما
بعد / فيا أيها المسلمون / نحمد الله تعالي الذي جعل في أيام دهرنا نفحات / تأتينا
نفحة بعد نفحه / تذكرنا كلما نسينا / وتنبهنا كلما غفلنا / وتقوينا علي عزائم
الخير كلما ضعفنا / إنها مواسم للخيرات / يتيحها الله سبحانه وتعالي لعباده
ليتزودوا منها ما استطاعوا / وخير الزاد التقوى
روي
الإمام أحمد رضي الله عنه بسنده / عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :/ كان رسول الله
صلي الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان / يقول قد جاءكم شهر رمضان / شهر
مبارك / فرض الله عليكم صيامه / تفتح فيه أبواب السماء / وتغلق فيه أبواب الجحيم /
وتغل فيه مردة الشياطين / لله فيه ليلة خير من ألف شهر / من حرم خيرها فقد حرم )1492(كتاب
الترغيب والترهيب)
أيها
المسلمون / إذا كان للأجسام زمانها الذي تصح فيه الأبدان / فإن للنفوس مواسمها التي تستروح فيها الأرواح / وتنتعش القلوب / وتنشرح
الصدور بنفحات رحمة الله عز وجل علي المؤمنين من عباده / ما يصلهم برضوان الله /
ويحبب إليهم الإيمان / ويزينه في قلوبهم / ويكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان /
ومن هنا تزكو أعمالهم / ويتضاعف ثمرها /
أيها
المسلمون / إن الله عز وجل قد تعبد عبادة المؤمنين بصور من العبادات / وأنواع من
القربات / وكل عبادة منها / وكل قربة من قرباتها / رهن بوقت معلوم تؤدي فيه / وبدائرة محدودة من الزمن تدور في فلكه / إذا
هي خرجت عنه قل محصو لها / وخف ميزانها / عما لو كانت قد أديت في وقتها المحدود
المعلوم / يقول الحق تبارك وتعالي في تلاوة القرءاَن والتعبد بة / :"
وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً "الإسراء{78}
ويقول رب العزة وتبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" وَمِنَ اللَّيْلِ
فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً
مَّحْمُوداً "الإسراء {79} ويقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق
القائلين :" كَانُوا
قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ{17}وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ{18
أيها
المسلمون / إن صوم رمضان الذي افترضه الله عز وجل علي أمة سيدنا محمد صلوات الله
وسلامة عليه / هو شهر رمضان / وأن صيام هذه الفريضة في شهرها المعلوم / هو ظروف
زمني محدد / بحيث يدخل فيه الصائمون جميعاً / وبحيث لا يصح قضاؤه في غير زمنه
المحدود / وأيامه المعدودة / إلا لذوي الأعذار من المرضي والمسافرين / ومن في
حكمهم كالحوامل والمرضعات / فمن أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة رخصها الله عز وجل له /لم يقض عنه صيام الدهر وإن صامه
وإذا
التمسنا وجه الحكمة لصوم هذا الشهر / دون شهور سائر العام / وجدنا أن هذا الشهر هو
الظروف الزمني المبارك / الذي نزل فيه القرءاَن الكريم / كتاب الإسلام / ودستور
شريعته / هو الشهر الكريم الذي أشرقت فيه الأرض بنور ربها / وبالرسالة المحمدية
الخاتمة للرسالات السماوية / والجامعة لكل ما تفرق فيها من خير وهدي للإنسانية
كلها / هو الموسم الذي تخيره الله سبحانه وتعالي لمغارس رحمته / ولا ستنبات خير
أمه أخرجت للناس / يقول الله عز وجل وهو أصدق القائلين :" شَهْرُ رَمَضَانَ
الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى
وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً
أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ
الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ
وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"البقرة{185}
أيها
المسلمون / إن المؤمن الفاقة لدينه / البصير علي نفسه / الحريص علي أخذ حظة من كل خير / لا يفوته أبداً أن يملأ كل لحظة
من لحظات هذا الشهر العظيم / بالطاعات كلها من صلاة / وزكاة / وذكر لله / وتلاوة
لآيات الله عز وجل / فإن العمل الطيب في أوقات هذا الشهر المبارك يضاعف الله تعالي
فيه الثواب / ويعظم الأجر أضعافاً مضاعفة / عما سواه من أيام الزمن وشهوره /
مصدقاً لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم / (من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن
أدي فريضة فيما سواه / ومن أي فريضة فيه / كان كمن أدي سبعين فريضة فيما سواه )1487
ت(كتاب الترغيب الترهيب)
فالسعيد
حقاً من انتهز هذه الفرصة المسعدة فاستقبل الشهر الكريم حفياً به / مكرماً له
بالأعمال الصالحة / مبادراً ذلك قبل أن يفوت الوقت / وتفلت الفرصة / وأن الشقي
المبخوس / من راودته نفسه علي التسويف والإمهال / ووسوس له الشيطان بالتراخي إلي
العام القابل / حتى يفرغ مما هو فيه من لهو / يرضي به أهواءه / ويترضي به شهواته/
ومن يدري فلعل الموت يعاجله في يومه أو غده / فيلقي ربه علي حال من الخسران يعظم
فيها ندمه / وتشتد حسرته / وتتداعي عليه قولته / يا ليت / يا ليت / " يَوْمَ
لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ{88}إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ
بِقَلْبٍ سَلِيمٍ "الشعراء{89}
أخي
المسلم / أقبل علي ربك / واستقبل شهر صومك هذا / صائماً / عابداً / ذاكراً /يؤتك
الله أجرك مرتين / روي الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه / عن سهل بن سعد رضي الله
عنه قال / قال رسول الله عليه وسلم/ (إن في الجنة باباً يقال له الريان / يدخل منه
الصائمون يوم القيامة / لا يدخل منه أحد غيرهم / فإذا دخلوا أغلق / فلم يدخل منه
أحد)1454 ت(كتاب الترغيب والترهيب)
يوضح
الرسول صلوات الله وسلامه عليه في هذا الحديث / فضل الصيام وكرامة الصائمين عند
الله سبحانه وتعالي / لقد خصهم الله عز وجل بدخولهم الجنة / من باب مخصوص / جزاء
صبرهم علي الجوع / وتحملهم للظمأ / وإخلاصهم في صومهم لله تعالي سراً وعلانية /
فناسب أن يكون جزاؤهم علي صبرهم علي الجوع والظمأ / أن يدخلوا من باب خاص هو الريان
/ وقد ناسب اسم هذا الباب ولفظه معناه / فهو مشتق من الرِّى / وهو مناسب لحال الصائمين الذين امتنعوا عن الطعام والشراب / وصبروا علي شهوات النفس /
أيها
المسلمون / إن لكل عبادة روحاً وروح الصوم القرءاَن الكريم / بمعني أن يكون الصائم
متخلقاً بأخلاق القرءاَن الكريم / بمعنى أن يكون ملتزماً بأوامره / مجتنباً
لنواهيه / لأن شهر رمضان هو شهر القرءاَن / ولا يكون الصائم علي تلك الصفة / إلا
إذا تجرد من شهوات نفسه / خرج من سلطان هواه / فأكل في قصد واعتدال / حلالاً طيباً
/ وأمسك جوارحه عن المنكر من القول والفعل / فلا نطق زوراً ولا لغواً / ولا ينظر
إلي حرام / ولا يشهد مجلس غيبه / ولا يسعي بنميمه / إن شهر رمضان يشرح الصدور
لاستقبال نفحات الله ورحماته / ويمد المؤمن بإمداد القوة والإرادة / علي كبح جماح
شهواته وأهوائه / فلا يقول إلا ما هو طيب حسن من القول / ولا يفعل إلا ما هو جميل
محمود من الفعل / روي الإمام أحمد رضي الله عنه بسنده / عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال / قال رسول الله صلي الله عليه وسلم / (ثلاثة لا ترد دعوتهم / الصائم حين يفطر
/ والإمام العادل / ودعوة الظلوم / يرفعها الله فوق الغمام / وتفتح لها أبواب
السماء / ويقول الرب / وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ) 1474(كتاب الترغيب
والترهيب)
أيها
المسلمون / إن الصائم الذي لا يرد دعاؤه / هو الصائم الذي عرف حقيقة الصيام /
فأعطاه حقه من الإمساك عن الشهوات والأهواء / فصام عن كل منكر / فلم يدخل في بطنه
حراماً / ولم يخرج من فمه كلمة فاحشه / ولم يرسل من عينه نظرة فاجرة / روي الإمام
مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن أبي هريرة رضي الله عنه قال / قال رسول الله صلي
الله عليه وسلم / (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً / وإن الله أمر المؤمنين بما أمر
به المرسلين / فقال :" يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ
وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ"/المؤمنون{51} وقال رب العزة تبارك وتعالي وهو
أصدق القائلين :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ
مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ"البقرة{172}
ثم
ذكر صلي الله عليه وسلم / الرجل يطيل السفر / أشعت أغبر / يمد يديه إلي السماء /
يا رب يارب / ومطعمه حرام / ومشربه حرام / وملبسه حرام / وغذي بالحرام / فأني
يستجاب لذلك)2589(كتاب الترغيب والترهيب)
والحمد
لله رب العالمين / وقال ربكم أدعوني أستجب لكم / أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين
الحمد لله علي نعمة
الإسلام وكفي بها نعمة / الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران{102}
أما بعد / فيا أيها المسلمون / يقول الله تبارك
وتعالي وهو أصدق القائلين :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ"البقرة{183}
ومعني
(كتب عليكم الصيام) أي أن هذا الحكم المفروض علي المسلمين / هو عهد من الله موثق
في كتاب / كما يوثق الدين / وأنهم مطالبون بالوفاء به وأدائه كاملاً / وإلا كانوا
موضع المحاسبة والمساءلة / وحمل تبعة تقصيرهم في ءآداء ما هم مطالبون به / كما أن هذه الفريضة في علم الله القديم
/ وأنها مكتوبة أزلاً في كتاب الله / فكما كان في علمه سبحانه وتعالي أن يخلق ءآدم
/ ويستخلفه هو وذريته في الأرض / كان في علمه سبحانه وتعالي / أن يجعل الصوم فريضة
علي أبناء ءآدم المؤمنين به / وهذا يعني أن
تلك الفريضة هي من تمام خلق الإنسان وكماله / وأنه بغير ءاَداء الفريضة /
لا يستكمل وجوده الحق / وفي القرءاَن الكريم / ءآيات كثيرة تشهد لهذا المعني / مثل
قول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين:" كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً
وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ
وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" البقرة
{216} فالقتال فريضة من
فرائض الله علي المؤمنين / إذ كان الصراع بين الشر والخير / أمراً ملازماً لطبيعة
الحياة الإنسانية / وكان تحكك الأشرار بالأخيار / مما لا تخلو منه حياة الناس علي
هذه الأرض / ومن هنا كان علي أهل الخير والإيمان / أن يتصدوا للشر وللأشرار /
:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا
كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"البقرة{381}
هذه
الآية توضح أن الصيام لم يشرعه الله تعالي للأمة الإسلامية خاصة / وإنما هو مما
افترضه الله عز وجل من عبادات علي الأمم السابقة / وهذا يعني أن هذه الفريضة
مصاحبة للإنسانية منذ بلغت مبلغ التكليف / وجاءهم رسل الله / يدعونهم إلي الله /
وإلي التعبد لله بما شرعه لهم
/ وهذا يعني أن فريضة الصيام ملازمة للإنسان / لتحفظ عليه وجوده الإنساني الكريم /
والحمد
لله رب العالمين / اللهم إنك عفو تحب العفو فأعف عنا / اللهم فقهنا في ديننا /
اللهم اجعل القرءان الكريم ربيع قلوبنا / وجلاء همومنا / وذهاب أحزاننا / ربنا
أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك علي كل شئ قدير / ربنا ءاَتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا
من أمرنا رشداً / ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما
/ اللهم أغننا بحلالك عن حرامك أغننا بفضلك عن من سواك / اللهم شتت شمل اليهود ومن
عاونهم / اللهم رد المسجد الأقصى وما حوله للمسلمين / اللهم انصر الإسلام وأعز
المسلمين / اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لما تحبه وترضاه / اللهم انصرهم علي
أعداءك أعداء الدين / اللهم اجعل مصر بلداً ءآمناً وسائر بلاد المسلمين / اللهم
أشف أمراضنا وأمراض المسلمين / اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات / والمؤمنين
والمؤمنات / الأحياء منهم والأموات / أنك سميع قريب مجيب الدعوات أقول قولي هذا
وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين /
وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي ءآل سيدنا محمد وسلم تسليماً
"وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" العنكبوت{54}
فضل شهر
رمضان
الخطبة
الأولي
الحمد
لله رب العالمين فتح في شهر رمضان أبواب الجنة وجعل صومه وقاية من النار وجنة
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أجزل الخير للطائعين / وأشهد أن سيدنا
محمداً عبد الله ورسوله أفضل الصائمين الراكعين الساجدين
اللهم
صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي ءاَله وصحبه الطاهرين المخلصين
أما
بعد / فيا أيها المسلمون / نحمد الله تعالي الذي مَنَّ علي عباده بمواسم الخيرات / ووفق من شاء منهم لاغتنام هذه
المواسم بفعل الخيرات / يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"البقرة{381} في
هذه الآية الكريمة / نجد أن الله عز وجل قد تلطف بنا / فلم يجئ الأمر إلينا بالصوم
إلا ومحمولاً بين يديه هذا الأشعار / بأن تلك الفريضة / ليست تكليفاً خاصاً بنا /
وإنما هي فريضة افتراضها الله عز وجل علي المؤمنين من قبلنا / وفي هذا أنس لنفوسنا / حتى لا تشعر بأنها في تجربة
جديدة / لم يكن للمؤمنين قبلنا عهد بها / إن
الله سبحانه وتعالي كتب علينا الصوم / وفرضه لغاية معينة / ذكرها في قوله تعالي
:"لعلكم تتقون" وهذا بيان لما ينتظرنا من خير عظيم / من وراء تلك
الفريضة / التي افترضها الله عز وجل علينا / وهذا الخير هو التقوى / التي هي أكرم
زاد وأطيبه / يتزود به الإنسان لمسيرة حياته في الدنيا والآخرة جميعاً / وفي تصدير
هذا الخير بحرف الترجي لعل (لعلكم تتقون) / ما يشير إلي أن التقوي التي ينتظرها
الصائمون من صيامهم / ليست بالتي ينالها كل صائم / إنما هي أمنية لابد لها من عمل
/ ورجاء لابد لتحقيقه من الأخذ بالأسباب الموصلة إليه /
أيها
المسلمون / إن الصوم سر بين العبد وربه / لا يشرف عليه أحد غيره سبحانه وتعالي /
فإذا ترك الإنسان شهواته ولذاته التي تعرض
له في عامة الأوقات / لمجرد الامتثال لأمر ربه / والخضوع لإرشاد دينه مدة شهر كامل
في السنة / ملاحظاً عند عروض كل رغيبة له / من أكل نفيس / وشراب عذب / وفاكهة
يانعة / وغير ذلك كزينة زوجة / أو جمالها الداعي إلي ملابستها / ملاحظاً أنه لولا
اطلاع الله تعالي عليه / ومراقبته له / لما صبر عن ذلك / وهو في أشد الرغبة فيها
والاشتهاء لها / لا جرم يحصل له من تكرار هذه الملاحظة المصاحبة للصوم ملكة المراقبة لله عز وجل / والحياء منه سبحانه
وتعالي أن يراه حيث نهاه / إن هذه المراقبة تخلق في كيان المؤمن استقامة في ظاهر
أمره وباطنه جميعاً فلا يغش الناس ولا يقترف المنكرات ولا يسترسل في المعاصي ولا يطول
أمد غفلته عن الله سبحانه وتعالي فإنه إذا نسي يكون سريع التذكر والتوبة إلي الله
عز وجل/ يقول الإمام الشافعي رحمة الله : أحب للصائم الزيادة بالجود في شهر رمضان
اقتداء برسول الله صلي الله عليه وسلم / ولحاجة الناس فيه إلي مصالحهم ولتشاغل
كثير منهم فيه بالعبادة عن مكاسبهم/ حيث كان
رسول الله صلي الله عليه وسلم أجود الناس بالخير /وأجود ما كان في شهر رمضان وكان
إذا لقيه جبريل عليه السلام أجود بالخير من الريح المرسلة الشفا حـ1 ص86
.فا
لصوم رحمة بالنفوس / ودعوة إلي مساعدة الفقراء / وقد قيل لسيدنا يوسف عليه السلام
/ لم تجوع وأنت علي خزائن الأرض فقال عليه السلام / أخاف أن أشبع فأنسي الجائع /
وللصوم فوائد كثيرة لا تعد ولا تحصي فهو مساواة بين الغني والفقير والملك والسوقه
ومنها تعليم الأمة النظام في المعيشة فجميع المسلمين يفطرون في وقت واحد / لا
يتقدم أحد علي أخر دقيقة واحده وقلما يتأخر عنه دقيقه واحدة / بالإضافة لفوائد
الصوم الصحية / مثل عسر الهضم وضغط الدم والتخلص من الفضلات الميتة في البدن مدة
سنة فالصوم عبادة وعلاج ناجح ليطهر الأنسجة من السموم المتراكمة ولله در الشاعر
حين قال
صحت
به الأجسام من أسقامها / وأبيض فيه من
القلوب الأسود
صفت النفوس به فأما يومه فهدي / وأما ليلة فتجهد
لم
يدر طعم الجوع مشبع بطنه/ كلا ولا وقع النحوس المسعر
فمتي يصم يرأف بمن هو جائع / ويبت لذي اللأواء وهو
مسهد (أى سهران)
روي
الإمام النسائي رحمة الله بسنده عن أبي أمامه رضي الله عنه قال أتيت رسول الله صلي
الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله مرني بأمر ينفعني الله به ؟
فقال
صلي الله عليه وسلم / عليك بالصوم / فإنه لا عدل له / (أي لا مثل له)
فقلت
يا رسول الله / مرني بعمل ينفعني الله به ؟
فقال
صلي الله عليه وسلم / عليك بالصوم / فإنه لاعدل
له/ قلت يارسول الله مرنى بعمل ينفعنى الله به فقال صلى الله عليه وسلم عليك
بالصوم فإنه لاعدل له )1466 (كتاب الترغيب والترهيب)
ولا
شك أن الصوم لا عدل له / ولا مثل له / في تهيئة النفوس للتقوى / ومن انتهي بهذه
التهيئة إلي غايتها / وصام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)
روي
الإمام النسائي رضي الله عنه بسنده / عن أبي هريرة رضي الله عنه / أن النبي صلي
الله عليه وسلم قال / من صام رمضان إيماناً واحتساباً / غفر له ما تقدم من ذنبه /
ومن قام ليلة القدر إيماناً وإحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)1476 (كتاب الترغيب
والترهيب)
ومعني
إيماناً وإحتساباً / أي نوي صيامه رغبة في ثوابه / طيبة به نفسه / غير كاره له /
ولا مستثقل لصيامه / ولا مستطيل لأيامه / واحتساباً / أي طلباً لوجه الله تعالي
وثوابه / ومن هنا يتضح المعني العميق للحديثين الآتيين :
روي
الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن أبي هريرة رضي الله عنه قال / قال رسول
الله صلي الله عليه وسلم /(كل عمل ابن ءآدم يضاعف / الحسنة بعشر أمثالها إلي
سبعمائة ضعف / قال الله تعالي / إلا الصوم / فإنه لي وأنا أخري به / يدع شهوته
وطعامه من أجلي / للصائم فرحتان / فرحة عند فطره / وفرحة عند لقاء ربه / ولخلوف فم
الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)1448 (كتاب الترغيب والترهيب)
والحديث
القدسي / الذي رواه الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه / عن أبي هريرة رضي الله
عنه قال / قال رسول الله صلي الله عليه وسلم / (قال الله عز وجل / كل عمل ابن ءآدم
له / إلا الصوم فإنه لي / وأنا أجزي به / والصيام جنة /
فإذا كان يوم صوم أحدكم / فلا يرفث ولا يصخب / فإن ساَبه أحد أو قاتله / فليقل إني
صائم / إني صائم / والذي نفس
محمد بيده / لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك للصائم فرحتان يفرحهما /
إذا أفطر فرح بفطره / وإذا لقي ربه فرح بصومه.)1446ت/ وقد فهم الناس أن الله يجازي
علي الصوم / باستمرار جزاء يزيد علي سبعمائة ضعف / وهذا صحيح فيما يتعلق بمن تعهد
نفسه واتقي / أما من لم يتعهد نفسه / ولم يتقِ فتصدق فيه
الأحاديث الآتية /
روي
الإمام النسائي رضي الله عنه بسنده / عن أبي هريرة رضي الله عنه قال / قال رسول
الله صلي الله عليه وسلم / (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع / ورب قائم ليس له
من قيامه إلا السهر ) 1633(كتاب الترغيب والترهيب)
وروي
الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه / عن أبي هريرة رضي الله عنه قال / قال
النبي صلي الله عليه وسلم / (من لم يدع قول الزور والعمل به / فليس لله حاجة في أن
يدع طعامه وشرابه)1629 (كتاب الترغيب والترهيب)
أيها
المسلمون / إن القيم الروحية في الصوم / لتتركز أسساً ومبادئ / في هذه الكلمة التي
ختم الله بها سبحانه وتعالي هذه الآية الكريمة / :" شَهْرُ رَمَضَانَ
الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى
وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً
أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ
الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ
وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ"البقرة{185}
فقد
أمر الله عز وجل بالصوم بعد أن ذكر أن هذا الشهر الكريم / نزلت فيه الهداية
الكاملة ممثلة في القرءاَن / فكان لابد أن نحتفل بتلك الهداية الممثلة في القرءاَن
/ بتهيئة النفس لاستقبال هذه الهداية علي خير ما ينبغي / وذلك بالصوم / لأننا
بالصوم إيماناً واحتساباً / نصل إلي مستويات من شفافية النفس وتطهيرها / فتفهم
القرءاَن الكريم / وتمتزج به فرحة مغتبطة / لذا يجب علينا في هذا الشهر الكريم / الإكثار من تلاوة القرءاَن وتدبره / ومحاولة فهمه والاسترشاد بة / وجعله نبراساً نسير علي ضوئه في كل أمورنا / أما الحكمة
الثالثة لفرض الصيام / فنجدها في قول الله عز وجل :" وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ
عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"البقرة{185}/ فقد
فرض الصوم لننتهي منه ونحن في رحاب الله مغتبطين مستبشرين / وقد تزكت منا النفوس /
وتطهرت منا الأفئدة / فيترتب علي ذلك أن نكبر الله ونحمده علي هدايته لنا /
وتوفيقه لنا بإتمام الصوم / ونشكره علي ذلك فيزيدنا سبحانه وتعالي بهذا الشكر
هدايةً وتوفيقاً /
أيها
المسلمون / إن النفوس التي صامت إيماناً وإحتساباً / وتزكت وتطهرت / والتزمت
التقوى / وكبرت الله تعالي وشكرته / إنما هي نفوس قريبة ومن الله / إذا دعته
استجاب لها / يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" وَإِذَا سَأَلَكَ
عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ
فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ"البقرة{186}
والحمد
لله رب العالمين / وقال ربكم أدعوني أستجب لكم / أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين
الحمد لله علي نعمة
الإسلام وكفي بها نعمة / الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران{102}
أما بعد / فيا أيها المسلمون / إذا تحققت التقوى
بالصوم / فقد تحققت القيم الروحية / التي أحبها الله سبحانه وتعالي للصائم / يقول
رسول الله صلي الله عليه وسلم (إنما الصوم جنَّة / فإذا
كان أحدكم صائماً / فلا يرفث / ولا يجهل / وإن إمرؤ قاتله أو شاتمه / فليقل إني
صائم / إني صائم ) في هذا الحديث النبوى الشريف /
يبين لذا رسول الله صلي الله عليه وسلم / ما ينبغي للصائم / وهو أن يكون صومه جنَّة / أي وقاية له / وقاية عن إهمال ما أمر الله تعالي به /
ووقاية عن إتيان ما نهي الله تعالي عنه / وإنه وقاية عن ذلك في القول / فإنه ينبغي
للصائم أن لا يتحدث بأسلوب لا يحبه الله سبحانه وتعالي / وهذا معني قوله صلي الله
عليه وسلم / فلا يرفث ) / هذا في القول / أما ما ينبغي في الفعل / فقد عبر رسول
الله صلي الله عليه وسلم عنه بهذه الكلمة الجامعة / ولا يجهل / أي لا يتعدي حدود
الفعل الذي أحبه الله عز وجل ./ثم ذكر رسول
الله صلي الله عليه وسلم مثالاً لذلك / بقوله صلي الله عليه وسلم (وإن امرؤ قاتله
أو شاتمه / فليقل إني صائم / إني صائم /.)
أيها
المسلمون / إذا ما فهمنا رمضان علي هذا الوضع / واستقبلناه بهذه الروح / التي
تستشرف رحمة الله ومغفرته في هذا الشهر المبارك / وتلقيناه بقلوب ملؤها العزم
المصمم علي التقوى والرشاد / وصمناه إيماناً وإحتساباً / فإننا ننعم بمغفرة الله
لنا /
والحمد
لله رب العالمين / اللهم إنك عفو تحب العفو فأعف عنا / اللهم فقهنا في ديننا /
اللهم اجعل القرءان الكريم ربيع قلوبنا / وجلاء همومنا / وذهاب أحزاننا / ربنا
أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك علي كل شئ قدير / ربنا ءاَتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا
من أمرنا رشداً / ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما
/ اللهم أغننا بحلالك عن حرامك أغننا بفضلك عن من سواك / اللهم شتت شمل اليهود ومن
عاونهم / اللهم رد المسجد الأقصى وما حوله للمسلمين / اللهم انصر الإسلام وأعز
المسلمين / اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لما تحبه وترضاه / اللهم انصرهم علي
أعداءك أعداء الدين / اللهم اجعل مصر بلداً ءآمناً وسائر بلاد المسلمين / اللهم
أشف أمراضنا وأمراض المسلمين / اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات / والمؤمنين
والمؤمنات / الأحياء منهم والأموات / أنك سميع قريب مجيب الدعوات أقول قولي هذا
وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين /
وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي ءآل سيدنا محمد وسلم تسليماً
"وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" العنكبوت{45}
ذكري غزوة
بدر
الخطبة
الأولي
الحمد
لله رب العالمين رفع قدر العالمين المخلصين
وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب
وحده / وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله دعا إلي سبيل ربه بالحكمة والموعظة
الحسنة فنصره الله عز وجل نصراً مبيناً
اللهم
صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي ءاَله وصحبه الذين جاهدوا في الله حق جهاده
أما
بعد / فيا أيها المسلمون / نحمد الله تعالي الذي جعل شهر رمضان شهر الجهاد
والانتصارات / فالجهاد في أسمي معانيه / هو جهاد للنفس الأمارة بالسوء / وجهاد
للشيطان الرجيم لدفع وساوسه / وجهاد للغواية والزيغ النفس البشرية / وجهاد لما
ألفه من عادات ولو كانت حلالاً / فإذا سمت النفس البشرية بالإيمان / وأشرقت الروح بالتقوى / وانشرح الصدر بالقرءاَن
والذكر / ورقت القلوب / وتهذبت الطباع بالصيام / تضاءلت أمام الإنسان كل متعة
فانية / وتراجعت عنه كل فتنة ءآثمة / وأصبح هم المسلم أن يعيش لله / وأن يموت لله
/ يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين / :" قُلْ إِنَّ صَلاَتِي
وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"الأنعام{162}
وهذا
هو سر الانتصارات المشهودة في شهر رمضان / شهر الصيام / شهر القرءاَن / شهر الانتصارات
علي النفس الأمارة بالسوء / فحيثما انتصر المسلم علي هواه وشهواته وما ألفه من
عادات / وكلما اتصل بربه وخالقه / كلما كان النصر حليفه / والتوفيق رفيقه / فمن
ءآثار الصيام الطيبة / أن تقوى في النفس البشرية معاني الخير / فتنتصر علي قوى
الشر الداخلية / فتغلب الفضيلة الرذيلة / والاستقامة الانحراف / والحلم الغضب /
والحياء الفجور / والصدق الكذب / والأمانة الخيانة / والصبر الجذع / ويغلب حب
الآخرة وما فيها حب الدنيا وزينتها / وإيثار ما عند الله في الآجلة عما في الدنيا
الفانية العاجلة / وهكذا تنتصر القيم والمبادئ الإيمانية علي نزوات النفس ونزعات
الشيطان وكفي هذا نصراً / فمن انتصر علي نفسه انتصر علي أعدائه /
أيها
المسلمون / لقد كان شهر رمضان عبر التاريخ شهر الانتصارات والتمكين / لأنه شهر
مدرسة تربية الضمير / فثمرات هذا الشهر / الانتصارات التي نشرت الإسلام في الأرض /
ففيه حدثت غزوة بدر / التي كانت هي اللبنة الأولي التي قام على بنيانها
الإسلام / بقوته المادية والروحية / كما كانت واقعاً تجلي فيه التفاني في نصرة
الحق / ودرساً تعلم فيه جند الله التنظيم والترتيب المحكم / لملاقاة العدو /
ومظهراً تجلت فيه قدرة الله تعالي وفضله علي من أخلص لله النية / وأسلم لله الطوية
/ لقد كان صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم / فرسان بالنهار / رهبان بالليل /
لهم دوي بالقرءاَن كدوي النحل / فكانت قوة الكتاب في صدورهم / تبعث الرعب في قلوب
أعدائهم / وكان نور القرءاَن في أفئدتهم / يضئ لهم الطريق إلي مكامن الأعداء /
فيمكنهم من رقابهم / حتى لقد وقف هرقل الروم في أنطاكيه / أكبر مدن الإقليم الشرقي
في الإمبراطورية الرومانية / وقف يلقي هذا السؤال / علي كبار قواده بعدما فرغ صبره
/ وانفجر قائلاً لقواده / من هؤلاء الذين يحاربونكم / أبشر هم أم ملائكة / فقال
أحدهم / إنهم بشر يا سيدي / ولكنهم يصومون بالنهار ويقومون بالليل / ولا يشربون
الخمر / ولا يلعبون الميسر / نحمل عليهم فيصبرون / ويحملون علينا فيصدقون / أما
نحن نحمل عليهم فلا نصدق / ويحملون علينا فلا نصبر / فقال هرقل الروم / والمرارة
تملأ عليه أقطار وجدانه /لئن كانوا كما قلتم / فسيملكون موضع قدمي هاتين / ولقد
كان ما قاله هرقل أمراً واقعاً / فلقد جاء اليوم الذي جعل فيه المسلمون من البحر
الأبيض المتوسط / والبحر الأحمر بحيرتين صغيرتين تجريان في أرض الإسلام / ترفرف
عليهما راَية القرءاَن / وكان سبب النصر مصدقاً لقول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق
القائلين :" وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ"الروم{47}
أيها
المسلمون / لقد كانت ليلة السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة / هي
ليلة الإسلام / ويومها هو يوم الإسلام / يوم بدر / يوم الفرقان / لأن الله عز وجل
فرق فيه بين الحق والباطل / وهي الوقعة العظيمة التي أعز الله تبارك وتعالي بها
الإسلام / ودفع الكفر وأهله / لقد كتب
الله عز وجل النصر للدين والرسول فالمسلمين / وغلب ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً من
المهاجرين والأنصار / عدواً عددة آلاف مشرك / وعدته تفوق أضعاف أضعاف عدة المسلمين
/ وقد وفق الله المسلمين إلي سلوك سبيل النصر / الذي تحقق بما يلي / الاتجاه إلي
الله والاستعانة به
روي
الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه / لما
كان يوم بدر / نظر رسول الله صلي الله عيله وسلم / إلي المشركين وهم ألف / وأصحابه
ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً / فاستقبل نبي الله صلي الله عليه وسلم القبلة /ثم مد
يديه / فجعل يهتف بربه / اللهم أنجز لي ما وعدتني / اللهم ءآت ما وعدتني / اللهم
إن تُهْلِكْ هذه العصابة( أى الفئة) من أهل الإسلام / لا تعبد في الأرض / فمازال
يهتف ماَداً يديه / مستقبل القبلة / حتى سقط رداؤه عن منكبيه / فأتاه أبو بكر /
فأخذ رداءه فألقاه علي منكبيه / ثم التزمه من ورائه / وقال يا نبي الله / كفاك
مناشدتك ربك / فإنه سينجز لك ما وعدك / فأنزل الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين
:"إ ِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ
لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ {9}وَمَا
جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ
إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "الأنفال{10}
فأمده
الله عز وجل بالملائكة / وعن أبن عباس رضي الله عنه قال / بينما رجل من المسلمين
يؤمئذ / يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه / إذ سمع ضربةً بالسوط فوقه / وصوت
الفارس يقول / أقدم حيزوم / فنظر إلي المشرك أمامه / فخر مستلقياً / فخر فنظر إليه
/ فإذا هو قد حطم أنفه / وشق وجهه كضربة السوط / فاخضر ذلك أجمع / فجاء الأنصاري
فحدث بذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم / فقال صدقت / ذلك من مدد السماء الثالثة
/ فقتلوا يؤمئذ سبعين / وأسروا سبعين ) صحيح كـ4 حـ12صـ88ـ
أيها
المسلمون / لقد قام الرسول صلي الله عليه وسلم بنفسه / بالاستطلاع المباشر لمسرح
العمليات / ومعه أبو بكر الصديق ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما / لقد جمعا المعلومات
عن قريش / فوقفا علي شيخ يقال له سفيان / وبأسلوب إدارة الحوار السلس للرسول صلي
الله عليه وسلم / استطاع أن يعرف من الرجل / مكان قوات قريش بحسبة بسيطةعن المكان / ومعدل التقدم / وعرفوا أن قريشاً تذبح يومياً ما
بين تسعة إلي عشرة إبل / فعرف الرسول صلي الله عليه وسلم أن عدد قريش يتراوح ما
بين التسعمائة والألف / لقد اهتم رسول الله صلي الله عليه وسلم بأعمال الاستطلاع
والاستكشاف / وقام بها بنفسه / كما أن جيش المسلمين / كان يتحرك في سرية تامة /
وتحركات ليلية / حتى لا يشعر بهم العدو / فاحتل المسلمون مواقع المياه / تنفيذاً
لرأي الحباب بن المنذر رضي الله عنه في
منتصف الليل / حتى لا يشعر بهم العدو / وكان الرسول صلي الله عليه وسلم يأمر جنوده
/ بأن يظلوا في أماكنهم / لا يتحركون أو يتحدثون / أو يأتون بما يثير انتباه
أعدائهم / وكانوا بذلك يتركون عدوهم يتقدم ويتقدم / حتى يصبح في مرمي النبال /
فليقوها عليه / فتحدث أكبر خسائر ممكنة / بالإضافة إلي ما تحدثه المفاجأة في نفسية
العدو / فيرتبك ويضطرب / وتكثر إصاباته / ويزيد عدد قتلاه / كما أن من عوامل النصر
في غزوة بدر / ارتفاع الروح المعنوية للمسلمين / رغم قلة عددهم / وكثرة عدوهم /
فعندما اقترب المشركون من أرض المعركة / قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لأصحابه
/ قوموا إلي جنة عرضها السماوات والأرض / فلما سمع ذلك عمير بن الحمام الأنصاري
رضي الله عنه / قال يا رسول الله / جنة عرضها السماوات والأرض / قال صلي الله عليه
وسلم نعم / قال عمير بخ بخ / وهي كلمة استحسان وحب / والله يا رسول الله / أرجو أن
أكون من أهلها / قال صلي الله عليه وسلم / فإنك من أهلها / وكان مع عمير بن الحمام
/ بعض التمرات في يده / يأكل منهن / فقال رضي الله عنه / لئن أنا حييت حتى ءآكل تمراتي
هذه إنها لحياة طويلة / فرمي بما كان معه من التمر
/ ثم قاتل وهو يقول / ركضاً إلي الله بغير زاد / إلا التقي زعمل المعاد / والصبر
في الله علي الجهاد / وكل حي فإلي نفاد / غير التقي والبر والرشاد / ومازال يقاتل
/ حتى قتل شهيداً ) رياض الصالحين صـ381
والحمد
لله رب العالمين /وقال ربكم أدعوني أستجب لكم / أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين
الحمد لله علي نعمة
الإسلام وكفي بها نعمة / الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران{102}
أما بعد / فيا أيها المسلمون / إن شهر رمضان هو
شهر الانتصارات العظمي في الدولة الإسلامية / لأنه شهر مدرسة تربية الضمير /
فثمرات هذا الشهر / الانتصارات التي نشرت الإسلام في الأرض / ففيه حدث فتح الفتوح
/ فتح مكة / سنة ثمان من هجرة النبي صلي الله عليه وسلم إلي المدينة / دخل رسول
الله صلي الله عليه وسلم مكة متواضعاً لله عز وجل / محذراً من إراقة الدماء /
وعندما سمع صلي الله عليه وسلم / سعد بن عبادة أحد قادة الجيش يقول / اليوم يوم
الملحمة / اليوم تستحل الحرمة / عزلة النبي صلي الله عليه وسلم موجهاً / أنه يوم المرحمة / هذا يوم يعظم الله فيه
الكعبة / ويوم تكسي فيه الكعبة / لقد تجمعت قريش في المسجد الحرام / تنظر ما
سيفعله الرسول صلي الله عليه وسلم / وهم الذين آذ
وه
/ وأساءوا معاملته هو ومن معه من المسلمين في الماضي / وأخرجوهم من ديارهم /
وحاربوهم / ووقف الرسول صلي الله عليه وسلم يسألهم / يا معشر قريش / ماذا تظنون أني فاعل بكم / قالوا
أخ كريم / وابن أخ كريم / فقال الرسول صلي الله عليه وسلم لهم / اذهبوا فأنتم
الطلقاء / ونادي الرسول صلي الله عليه وسلم في أهل مكة / من كان يؤمن منكم بالله
واليوم الآخر / فلا يترك في داره صنماً إلا حطمه / وحدث في شهر رمضان أيضاً موقعة
البويب / في عهد أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه / التي كانت
سبباً في فتح بلاد فارس في العام الثالث عشر للهجرة / وحدث في شهر رمضان أيضاً فتح
الأندلس / سنة ثمان وتسعين هجرية / في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان /
عبر القائد المؤمن / طارق بن زياد إلي الأندلس / وقاتل جيش أسبانيا الضخم / الذي
كان عدده مائة ألف مقاتل / وكان جيش المسلمين اثنا عشر آلاف مقاتل / واستمرت
المعركة ثمانية أيام متواصلة / وكان الصوم بركة علي المسلمين / فصبروا علي القتال
حتى هزموا عدوهم / واستمر الحكم الإسلامي بالأندلس / قرابة ثمانية قرون / وحدث في
شهر رمضان أيضاً / معركة عين جالوت / التي أنقذت أمة الإسلام من همجية التتار /
الذين صبوا البلاء علي أهل العراق والشام / من قتل وتشريد وإحراق للمكتبات
والمساجد / ثم أرسل قائدهم الظالم هولاكو رسالة شديدة اللهجة / لسيف الدين قطز بمصر / مذكراً له بما فعل بأهل العراق / طالباً
منه التسليم بلا قيد ولا شرط / فرفض القائد المؤمن قطز رحمة الله وقتل رسل التتار
إلا واحداً / وبدأ بتكوين جيش قوي / وحان اللقاء في الخامس والعشرين من رمضان سنة( 658هجرية) عام ثمانية
وخمسين وستمائة هجرية / واستمات المسلمون في الدفاع عن أرضهم ودينهم / وساهمت قوة
الصوم الروحية / في رفع الروح المعنوية للمقاتلين / الذين لم يتركوا ذكر الله في
قتالهم / فأوقعوا بالتتار شر هزيمة لأول مرة في التاريخ / وكتب الله النصر
للمسلمين / وحدث في شهر رمضان أيضاً / حرب العاشر من رمضان / التي حطم فيها
المسلمون الصائمون / أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر / وعبروا أصعب مانع
مائي / حيث كانت قناة السويس عليها فوهات أنابيب النابلم لتحرق كل من يحاول عبور
القناة / واقتحمت القوات المؤمنة الصائمة حصون خط بارليف المنيعة وتم ذلك في ساعات
قليلة من تثبيت الأقدام علي الشاطئ الشرقي للقناه وتم الانتصار الحاسم يقول الله
تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن
تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ"محمد{7}
وهكذا
تتوالى الانتصارات في شهر الصبر والنصر وتربية الضمير بما يؤذن بنصر قريب إذا ما
عادت الأمة إلي ربها واصطلحت معه والحمد لله رب العالمين / اللهم إنك عفو تحب
العفو فأعف عنا / اللهم فقهنا في ديننا / اللهم اجعل القرءان الكريم ربيع قلوبنا /
وجلاء همومنا / وذهاب أحزاننا / ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك علي كل شئ قدير
/ ربنا ءاَتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً / ربنا هب لنا من أزواجنا
وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما / اللهم أغننا بحلالك عن حرامك أغننا
بفضلك عن من سواك / اللهم شتت شمل اليهود ومن عاونهم / اللهم رد المسجد الأقصى وما
حوله للمسلمين / اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين / اللهم وفق ولاة أمور المسلمين
لما تحبه وترضاه / اللهم انصرهم علي أعداءك أعداء الدين / اللهم اجعل مصر بلداً
ءآمناً وسائر بلاد المسلمين / اللهم أشف أمراضنا وأمراض المسلمين / اللهم اغفر
للمسلمين والمسلمات / والمؤمنين والمؤمنات / الأحياء منهم والأموات / أنك سميع
قريب مجيب الدعوات أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين / وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي ءآل سيدنا محمد
وسلم تسليماً
"وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ
أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" العنكبوت{45}
السخاء
والكرم في رمضان
·
الخطبة الأولي
الحمد
لله رب العالمين أذاق الطائعين حلاوة الطاعة ووفق الصالحين لصالح الأعمال وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له ضمن لعباده الخلف مما ينفقون وجعل في أموالهم
حقاً للسائل والمحروم/ وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله قائد الخلق إلي الحق
والهادي إلي طريق السعادة
اللهم
صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي ءاَله وصحبه الذين بذ لوا أموالهم لله وءاَثروا الآخرة علي الدنيا فاستوجبوا
الجزاء الأوفى
أما
بعد / فيا أيها المسلمون / نحمد الله تعالي الذي جعل الصوم مدرسة تربية الضمير
الاجتماعي / فالصوم يبث روح الرحمة والعطف علي الضعيف والمسكين / روي الإمام
البخاري رضي الله عنه في صحيحه / عن ابن عباس رضي الله عنهما قال / (كان رسول اله
صلي الله عليه وسلم أجود الناس بالخير / وكان أجود ما يكون في رمضان / حين يلقاه
جبريل / وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان / فيدارسه القرءاَن / وكان رسول الله صلي
الله عليه وسلم / إذا لقيه جبريل عليه السلام / أجود بالخير من الريح المرسلة ). / إنه الكرم المحمدي / الذي يوضح عظمة الرسول الكريم صلي
الله عليه وسلم / وبركة الوحي / وفضيلة القرءاَن الكريم / وبركة لقاء الصالحين /
إنه الكرم الذي يشمل الحياة بأسرها / روي الإمام احمد رضى الله عنه بسنده / عن
النعمان بن بشير رضى الله عنهما قال / رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه
وسلم الله عليه وسلم الله عليه وسلم الله عليه وسلم الله عليه وسلم / " مثل
المؤمنين في توادهم / وتراحمهم / وتعاطفهم / كمثل الجسد الواحد / إذا اشتكى منه
عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمي
)السيوطي ص498
أيها
المسلمون / إن التكافل الاجتماعي في مغزاه ومؤاده / أن يحس كل واحد في المجتمع /
بأن عليه واجبات لهذا المجتمع / يجب عليه أداؤها / وأنه إن تقاصر في أداَئها / فقد
يؤدي ذلك إلي انهيار البناء عليه وعلي غيره / فيجب علي العالم أن يعين الناس بعلمه
/ والغني يعنيهم بماله / والشجاع بشجاعته في سبيل الحق / وأن يكون المسلمون يداً
واحده / تتكافأ دماؤهم / ويسعي بذمتهم أدناهم / روي الإمام البخاري رضي الله عنه
في صحيحه عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما / عن النبي صلي الله عليه وسلم قال /
(مثل القائم علي حدود الله والواقع فيها / كمثل قوم استهموا علي سفينة / فصار
بعضهم أعلاها / وبعضهم أسفلها / فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا
علي من فوقهم / فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً / ولم نؤذ من فوقنا / فإن
تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً / وإن أخذ وا علي أيديهم نجوا / ونجوا جميعاً )3423
(كتاب الترغيب والترهيب)
روي
الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن أنس رضي الله عنه قال /قال رسول الله صلي الله عليه وسلم /(والذي نفسي بيده / لا يؤمن
أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)/ 3765 كتاب الترغيب والترهيب)
وروي
الإمام أبو داود رضي الله عنه بسنده / علي عبد الله بن عمرو رضي الله عليه عنهما /
أن النبي صلي الله عليه وسلم قال / (المسلم أخو المسلم / لا يظلمه / ولا يسلمه /
ولا يخذله / ولا يحقره / ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته / ومن فرج عن مسلم
كربه / فرج الله عنه بها كربه من كرب يوم القيامة / ومن ستر مسلماً ستره الله يوم
القيامة / ومن يسر علي معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة / بحسب امري من الشر
أن يحقر أخاه المسلم / كل المسلم علي المسلم حرام / دمه وعرضه وماله)3457 (كتاب
الترغيب والترهيب)
وروي
الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال / قال
رسول الله صلي الله عليه وسلم / (من كان معه فضل ظهر فليعد به علي من لا ظهر له /
ومن كان معه فضل من زاد فليعد به علي من لا زاد له / فذكر من أصناف المال ما ذكر
حتى رأينا أنه لاحق لأحد منا في فضل ) رياض الصالحين صـ212ـ
وفي
مجال التكافل الغذائي / يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم / أيها أهل عرصة (أي
منطقة) / أصبح فيهم امرؤ جائعاً / فقد برئت منهم ذمة الله تبارك وتعالي /
وروي
الإمام الطبراني رضي الله عنه بسنده / عن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال / قال
رسول الله صلي الله عليه وسلم / ( ما ءآمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع إلي جنبه
وهو يعلم )/3780(كتاب الترغيب
والترهيب)
وروي
الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه / عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال /
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم / (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو / (أي
انتهي طعامهم أثناء القتال في المعركة مع العدو) / أو قل طعام عيالهم بالمدينة /(أي
حدث نقص في الغذاء وقت السلم) جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد / ثم اقتسموه بينهم
في إناء واحد بالسوية /(أي أن كل منهم / يأخذ علي قدر حاجته )/ فهم مني وأنا منهم
) رياض الصالحين صـ212ـ صلاة وسلام عليك يا رسول الله / يا معلم الإنسانية الأعظم
كيفية التكافل الغذائي / وفي مجال البر والإحسان إلي الضعفاء / يقول رسول الله صلي
الله عليه وسلم / (ابغوني الضعفاء / (بمعني اطلبوا لي الضعفاء) / فإنما تنصرون /
(أي تنتصرون علي أعدائكم) وترزقون
بضعفائكم / (أي ترزقون المطر والفىء ببركة وجود
ضعفائكم فيكم / ودعائهم لكم ) رياض الصالحين صـ119
وروي
الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه / عن أبي هريرة رضي الله عنه قال / قال رسول
الله صلي الله عليه وسلم / (الساعي علي الأرملة والمسكين / كالمجاهد في سبيل الله
/ وأحسبه قال / وكالقائم الذي لا
يفتر / وكالصائم الذي لا يفطر ) رياض الصالحين صـ117ـ
أيها
المسلمون / إن فرض الزكاة فرض من فوق سبع سماوات / وأن الزكاة تحتل مكانه الركن
والعبادة في الإسلام
روي
الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه / عن ابن عمر رضي الله عنهما / أن رسول الله
صلي الله عليه وسلم قال / (بني الإسلام علي خمس / شهادة أن لا إله إلا الله / وأن
محمداً رسول الله / وإقام الصلاة / وإيتاء الزكاة / وصوم رمضان / وحج البيت)521
(كتاب الترغيب والترهيب)
أيها
المسلمون / إن الهدف من فرض الزكاة / هو تحقيق الترابط والتماسك في البناء
الاجتماعي بين المسلمين / والقضاء علي التوترات النفسية / والأمراض الطبقية
والاجتماعية / وزكاة الفطر هي الصدقة التي يؤديها المسلم في ءاَخر شهر رمضان / فهي
تجب بالفطر من رمضان / وشرعت زكاة الفطر لعدة أهداف منها / تطهير الصائم مما عسي
أن يكون وقع في صومه من الخلل / والشعور بالوحدة في عيد الفطر / ووحدة السرور
والغبطة بين الفقير والغني / فكما تساووا جميعاً في الصيام / فيكون الفرح شاملاً /
والانشراح عاماً / روي الإمام أبو داود رضي الله عنه بسنده / عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال / (فرض رسول الله صلي الله عليه وسلم زكاة الفطر / طهرة للصائم من اللغو
والرفث (أي تطهيراً للصائم مما عساه أن يكون قد سقط فيه من لغو الكلام / وطعمة
للمساكين (أي طعام المساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة / ومن أداها بعد
الصلاة فهي صدقة من الصدقات ) سبل السلام حـ2 فزكاة الفطر شكر لله عز وجل علي فضله
وتوفيقه للصائم / وإعانته له علي أداء فريضة الصيام وسنة القيام / حتى يستوجب من
ربه المزيد من الهداية / مصدقاً لقول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين( وَإِذْ
تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ
عَذَابِي لَشَدِيدٌ {7}إبراهيم كما أن زكاة الفطر امتحان عملي للصائم / ومدي
تخلقه وتنفيذه لدروس مدرسة الصيام / كالرحمة والرفق بالضعفاء ومواساتهم / ومدي
إحساسه بهؤلاء / وموقفه منهم / كما أن زكاة الفطر إشعار للفقراء بالعزة والكرامة
الإنسانية / وذلك بمد أيديهم بهذه الصدقة إلي من هم دونهم (أي من هم أفقر منهم) /
وربما دفعهم ذلك إلي العمل علي التخلص من الفقر / لتعلوا أيديهم معطية / لا لتمتد
سائلة طالبة
أيها
المسلمون / إن زكاة الفطر زكاة بدنيه / زكاة رؤوس / وليست زكاة مال / فهي تفرض علي
المسلمين كلهم / غنيهم وفقيرهم / مادام
يملك قوت يوم وليلة / وحُرهم وعبدهم
/ ذُكورهم وإناثهم / صغيرهم وكبيرهم / طالما كان
موجوداً علي قيد الحياة عند غروب شمس ليلة العيد ./ وصاع من
غالب القوت / وليكن 2 كيلو ونصف خبز ليزكي به / لا
يقف عملياً حائلاً دون أداء زكاة الفطر / لأن من لا يملك قوت يوم وليلة / سيصير
بتسلمه زكوات الفطر / قادراً علي إخراجها / فيخرجها كل مكلف عن نفسه وعلي من يعول
ممن لا يقدر علي إخراجها عن نفسه. / أخي
المسلم / يجب عليك أن تعطي صدقتك للمتقين / وذلك لتكون تقوية له علي طاعته / وأعلم
أن الصدقة علي الأقارب وذوي الأرحام / هي صدقة وصلة رحم / أي أن أجرها مضاعف مرتين
/ كما أن الصدقة تطفئ الخطيئة / كما يطفئ الماء النار / وتدفع ميته السوء /1287(كتاب
الترغيب والتهريب)

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين
الحمد لله علي نعمة
الإسلام وكفي بها نعمة / الحمد لله الذي جعلنا علي كلمة التوحيد / وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له / وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
"
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " آل عمران{102}

والصاع 2 كيلو
ونصف
جرام (قمح أو خبز أو شعير أو تمر أو زبيب أو أقط / أي جبنة قريش / أو أرز) كما أجاز علماء الحنفية إخراج القيمة نقدا/ إذا كان ذلك فىمصلحة الفقير
روى الإمام ابن القيم رحمه الله بسنده/ عن أنس رضى الله
عنه قال :سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أى الصوم أفضل ؟/فقال صلى الله عليه
وسلم شعبان لتعظيم رمضان/قيل فأى الصدقة أفضل؟ قال صلى الله عليه وسلم صدقة رمضان.
وزكاة الفطر لاتسقط عن غنى بها بمضى زمنها/ بل هى باقية
فىذمته حتى يخرجها /وسبب ذلك أنها حق الله سبحانه وتعالى / وهى كأى حق من حقوق
الله عز وجل /لاتسقط بفوات وقتها وإنما تستمر دينا على من لم يؤدها/ ويكون
فىتأخيرها إثم على من أخرها وهى دين فىذمته حتى تؤدى ولو فىآخر العمر/ وإذا مات
قبل آدائها فعلى ورثته أن يخرجوها من تركته قبل تقسيمها روى الإمام البيهقى رحمه الله
بسنده عن عبد الله ابن عمر رضى الله عنهما أنه كان يقول نزلت هذه الأية (قَدْ أَفْلَحَ مَن
تَزَكَّى {14} وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى {15}فىزكاة الفطر أى يعطى
زكاة الفطر ثم يصلى . والحمد لله
رب العالمين / اللهم إنك عفو تحب العفو فأعف عنا / اللهم فقهنا في ديننا / اللهم
اجعل القرءان الكريم ربيع قلوبنا / وجلاء همومنا / وذهاب أحزاننا / ربنا أتمم لنا
نورنا واغفر لنا إنك علي كل شئ قدير / ربنا ءاَتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا
رشداً / ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما / اللهم
أغننا بحلالك عن حرامك أغننا بفضلك عن من سواك / اللهم شتت شمل اليهود ومن عاونهم
/ اللهم رد المسجد الأقصى وما حوله للمسلمين / اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين /
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لما تحبه وترضاه / اللهم انصرهم علي أعداءك أعداء
الدين / اللهم اجعل مصر بلداً ءآمناً وسائر بلاد المسلمين / اللهم أشف أمراضنا
وأمراض المسلمين / اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات / والمؤمنين والمؤمنات / الأحياء
منهم والأموات / أنك سميع قريب مجيب الدعوات أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
ولكافة المسلمين / وصلي الله علي سيدنا محمد
وعلي ءآل سيدنا محمد وسلم تسليماً
"وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" العنكبوت{45}
خطبة عيد الفطر
الخطبة
الأولي
الحمد
لله رب العالمين/ الْحَمْدُ
لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ
وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً {111} / الله أكبر الله
أكبر الله أكبر
الله
أكبر الله أكبر الله أكبر
الله
أكبر الله أكبر الله أكبر
أما
بعد / فيا أيها المسلمون / هذا يوم العيد / هذا يوم التكبير / زينة أعيادنا نحن
المسلمين التكبير / روي الإمام الطبراني رضي الله عنه بسنده / عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال / قال رسول الله صلي الله عليه وسلم / (زينوا أعيادكم بالتكبير)
الله
أكبر الله أكبر الله
أكبر لآ إله إلا الله الله أكبر ولله الحمد
أيها
المسلمون / إن أعياد المسلمين أجمل الأعياد / وأجود الأعياد / وأرقي الأعياد /
وأشمل الأعياد / بل لا يقارن غيرها بها / فمصدر الأعياد الإسلامية الوحي الإلهي
المحفوظ / لذلك فهي محفوظة معصومة من التناقض والتغيير / لارتباطها بالأصول
الثابتة للإسلام / فأعياد الإسلام ثلاثة لا تزيد ولا تنقص / ثابتة لا تتغير ولا
تتبدل / وهي عيد الفطر / وعيد الأضحى / وعيد الجمعة / روي الإمام أبو داود رضي
الله عنه بسنده / عن أنس رضي الله عنه قال :/ قدم رسول الله صلي الله عليه وسلم
المدينة / ولهم يومان يلعبون فيهما / فقال صلي الله عليه وسلم / قد أبدلكم الله
بهما خيراً منهما / يوم الأضحى / ويوم الفطر ) سبل الإسلام ج2 ص122
وأما
العيد الثالث وهو عيد الجمعة الأسبوعي / فقد سماه النبي صلي الله عليه وسلم في
أكثر من موضع بهذا الاسم / وأفرد الله عز وجل في القرءاَن الكريم سورة كاملة تحمل
هذا الاسم أيضاً / جاء فيها قول الحق تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين :"يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ
فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن
كُنتُمْ تَعْلَمُونَ"الجمعة{9}
أيها
المسلمون / إن الرسالة الأولي للعيد / هي إشاعة الحب بين المسلمين / ليحل الصفاء /
وتذهب الشحناء / ويكون صلاح ذات البين / روي الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه /
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال / قال رسول الله صلي الله وسلم / (والذي نفسي بيده
لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا / ولا تؤمنوا حتى تحابوا / ألا أدلكم علي شئ إذا
فعلتموه تحاببتم / أفشوا السلام بينكم )3978 (كتاب الترغيب والترهيب)
وصدق
من قال / من أراد أن يعرف أخلاق أمه / فليراقبها في أعيادها / إذ تنطلق السجايا
علي فطرتها / وتبرز العواطف والميول علي حقيقتها / والمجتمع السعيد هو الذي تسمو
أخلاقه الإجتماعية في العيد / إلي أرفع ذوره / ويمتد شعوره الإنساني إلي أبعد مدي
/ وذلك حين يبدو في العيد متماسكاً
متعاوناً متراحماً / وصدق الرسول الله صلي الله عليه وسلم حين قال / (المؤمن
للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ) رواه مسلم
لذلك
كان سلفنا الأكرمون رضي الله عنهم / يقدرون الأعياد الإسلامية حق قدرها / ويهتمون
بالمعاني السامية / والدروس النافعة التي تنطوي عليها / فكانوا يزيدون النفقة علي
الفقراء / ويتوسعون في البر في ظلالها / ويمسحون دموع اليتامي والبائسين / إنهم
فطنوا إلي قيمة التكافل والتأزر فيما بينهم / فأخذوا وأعطوا / وتعاونوا جميعاً في
محيط الخير العام / ولهذا سعدوا كل السعادة بأعيادهم / وسعدت بهم /
بقول
الإمام الواقدي رحمة الله / كان لي صديقان أحدهما هاشمي / وكنا كنفس واحدة /
فنالتني ضائقة شديده / وحضر العيد / فقالت امرأتي ! أما نحن في أنفسنا فنصبر علي
البأس والشده / وأما صبياننا هؤلاء فقد قطعوا قلبي رحمة لهم لما عليهم من الثياب
الرثه / فانظر كيف تعمل لكسوتهم / فكتبت إلي صديقي الهاشمي أساله التوسعة علي /
فوجه إلي كيساً مختوماً فيه ألف درهم / فما استقر في يدي حتى كتب إلي الصديق الآخر
/ يشكو مثل ما شكوت إلي صديقي الهامشي / فوجهت إليه الكيس بختمه / ثم أخبرت امرأتي
بما فعلته / فاستحنته ولم تعنفني عليه /
فبينما أنا كذلك / إذ وافاني صديقي الهاشمي ومعه الكيس كهيئته / فقال لي أصدقني
عما فعلت بالكيس الذي وجهته إليك / فعرفته الخبر / فقال إنك حين طلبت مني المال /
لم أكن أملك إلا ما بعثت به إليك / ثم أرسلت إلي صديقي الثالث أسأله المواساه /
فوجه إلي الكيس الذي بعثت به إليك / يقول الإمام الواقدي رحمة الله / فتقاسمنا
الألف درهم فيما بيننا / كل واحد ثلاثمائة / ثم أخرجنا للمرأة مئه درهم / ونما
الخبر / أي وصل الخبر / إلي خليفة المسلمين المأمون رحمة الله / فدعاني وسألني /
فشرحت له الخبر/ فأمر لنا بسبعة ألاف دينار / لكل واحد منا ألفا دينار وللمرأة ألف
دينار
فهذه
القصة توضح أن تعاليم الإسلام وقيمه / كانت أحب إليهم من المال / وإن كانوا في أمس
الحاجة إليه / وهناك تكافل من لون ءاَخر / لا يتمثل في الصلة بالمال / ولا الإهداء
بالكساء / وهذا اللون من التكافل يمس الروح قبل أن يمس الجسد / ويهدي الضمير
والوجدان / قبل أن ينال الأفواة
والبطون / وهو تواص بالصبر علي شظف العيش / وخشونة الحياة / لقد رأي أمير المؤمنين
سيدنا عمر رضي الله عنه / ولداً له يوم عيد / وعليه قميص خلق / (أي قديم وبالي) /
فكبي / فقال الولد ما يبكيك ؟/ فقال أمير المؤمنين / يابني أخشي أن ينكسر قلبك في
يوم العيد إذا رءاَك الصبيان بهذا القميص الخلق / فقال إنما ينكسر قلب من حرمه
الله رضاه / أو عق أمه وأباه / وإني لأرجو أن يكون الله راضياً عني برضاك / فبكي
أمير المؤمنين سيدنا عمر رضي الله عنه / وضمه إليه / ودعا له ./
ولقد
مر النبي صلي الله عليه وسلم بصبية يلعبون في يوم عيد / ووجد بجانبهم طفلاً لا
يشاركهم فىلعبهم / وعليه أثر
الحزن / فدنا منه وسأله عن أمره / فأجابه بأنه يتيم الأب / وأن أمه تزوجت بغير
والده بعد موته / وليس له من يعوله / وهذا سبب حزنه / فسري عنه عليه الصلاة
والسلام / وقال له ألا ترضي أن محمد لك أبا/ وعائشة أما / وفاطمة أختا / فمضي فرحاً مسروراً / وتربي بين سيد
الآباء / وأجل الأمهات / وخير الإخوان /
أيها
المسلمون / إن أعيادنا الإسلامية أعياد مباديء / وهذه
المبادئ تتركز كلها وتتبلور في كلمة الإسلام / والإسلام هو هدف كل العبادات
والتكاليف الإسلامية / وهو إسلام الوجه لله / واستعلاء علي المادة وسيطرتها واستعبادها للبشر / ولهذا كان من مظاهر الأعياد الإسلامية / الإستعلاء
علي المادة ببذ لها /
وإنفاقها في سبيل الله /
فأعياد
المسلمين كلها مسرات ومبرات / ومساعدة وتكافل ومودة وألفة بين الناس / فلا توجد
عداوة ولا بغضاء بين المسلمين / وإنما فرح وصفاء بين طبقات المجتمع بمطاردة الفقر
/ فتشريع زكاة الفطر والأضحية أعظم برهان علي ذلك / إذ أن كليهما استعلاء علي
المادة / وتضحية بها / يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين قَدْ
أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى {14} وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى {15} .روي
الإمام البيهقي رحمة الله بسنده / عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما / أن هذه
الإية نزلت في زكاة الفطر / فيمن يعطي صدقة الفطر ثم يصلي 1641(كتاب الترغيب
والترهيب) روى الإمام الطبرانى رحمه الله
بسنده عن عبادة بن الصامت رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:من
احيا ليلة الفطر وليلة الأضحى لم يمت قلبه يوم تموت القلوب)1644ت وروى الإمام
الأصبهانى رحمه الله بسنده عن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال /قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم :من أحيا الليالى الخمس وجبت له الجنه/ ليلة التروية /وليلة عرفة
/وليلة النحر وليلة الفطر وليلة النصف من شعبان )1643ت
والحمد لله رب العالمين /وقال ربكم ادعونى أستجب لكم
/ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابه
الخطبة
الثانية
الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ
فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ"سبأ{1}
الله
أكبر الله أكبر الله أكبر / الله أكبر الله أكبر
الله أكبر الله أكبر /وأشهد أن
لا إله إلا الله / جعل الأعياد مواسم الإحسان والرضوان / وأشهد أن سيدنا محمداً
رسول الله / المبعوث بصفوة الأديان /
اللهم
صل علي سيدنا محمد وعلي ءآل سيدنا محمد وسلم تسليماً /
يا
أيها الذين ءآمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون / أما بعد فيا
أيها المسلمون / اتقوا الله / واعرفوا نعمته عليكم بهذا العيد السعيد فإنه اليوم الذي توج الله به شهر الصيام /
وافتتح به أ شهر الحج
إلي بيته الحرام / وأجزل فيه للصائمين والقائمين جوائز البر والإكرام / عيد امتلأت
القلوب به فرحاً وسروراً / وازدانت به الأرض بهجة ونوراً / لأنه اليوم الذي يخرج
فيه المسلمون إلي مصلاهم لربهم حامدين معظمين / وبنعمته بإتمام الصيام والقيام
مغتبطين / فهو يوم الجائزة / روي الإمام الطبراني رحمة الله بسنده / عن سعد بن أوس
الأنصاري عن أبيه رضي الله عنه قال / قال رسول الله صلي الله عليه وسلم / (إذا كان
يوم عيد الفطر / وقفت الملائكة علي أبواب الطرق فنادوا / اغدوا يا معشر المسلمين
إلي رب كريم يمن بالخير / ثم يثيب عليه الجزيل / لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم /
وأمرتم بصيام النهار فصمتم / وأطعتم ربكم / فاقبضوا جوائزكم / فإذا صلوا نادي مناد
/ ألا إن ربكم قد غفر لكم / فأرجعوا راشدين إلي رحالكم / فهو يوم الجائزة / ويسمي
ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة )1646(كتاب الترغيب والترهيب)
وروي
الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه / عن أبي أيوب رضي الله عنه / أن رسول الله صلي
الله عليه وسلم قال :
(من صام رمضان / ثم أتبعه ستاً من شوال / كان كصيام الدهر) 1594(كتاب الترغيب
والترهيب)
وفي
رواية أخري للإمام الطبراني رحمه الله بسنده / (خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)1517
(كتاب الترغيب والترهيب)
والحمد
لله رب العالمين / اللهم إنك عفو تحب العفو فأعف عنا / اللهم فقهنا في ديننا /
اللهم اجعل القرءان الكريم ربيع قلوبنا / وجلاء همومنا / وذهاب أحزاننا / ربنا
أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك علي كل شئ قدير / ربنا ءاَتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا
من أمرنا رشداً / ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما
/ اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك واغننا بفضلك
عن من سواك / اللهم شتت شمل اليهود ومن عاونهم / اللهم رد المسجد الأقصى وما حوله
للمسلمين / اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين / اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لما
تحبه وترضاه / اللهم انصرهم علي أعداءك أعداء الدين / اللهم اجعل مصر بلداً ءآمناً
وسائر بلاد المسلمين / اللهم أشف أمراضنا وأمراض المسلمين / وصلى الله على سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته وكل عام وأنتم بخير من السنة من جاء من طريق
فليرجع من طريق آخر ليشهد له الطريقان يوم القيامة ومن السنة التواصل والتزاور
فىهذا اليوم وعدم زيارة القبور والأموات فىهذا اليوم فاحرصوا على إحياءسنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)