الخطبة الأولى
الإسلام دين الحوار
والاعتراف بالأخر
الحمد لله رب العالمين
ذات العظمة والجبروت والملك
الملكوت الذي أنشأ من الأرض نسبا؛ ويسر
لنا منها ارزقا وقسما واستعمرنا فيها أجيالا وأمما
اشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له القائل في
كتابه الحكيم هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا
فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور)الملك15
وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله سيد المرسلين وإمام المتقين الذى لا ينطق عن الهوى بل ينطق
عن وحى يوحى ليهدى الناس إلى الصراط المستقيم وقد كانوا من قبله لفي ضلال مبين
اللهم صل وسلم
وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ومن اهتدى الى يوم الدين أما بعد0
فيا أيها المسلون إن الإسلام هو دين الحوار والاعتراف
بالآخر فلإسلام هو الدين الوحيد الذى أقر الاختلاف بين البشر فى لغاتهم وألوانهم
وأجناسهم بل وعقائدهم وكل هذه أدوات للاختلاف الحضاري لقد رأى الإسلام إن هذا
الاختلاف مدعاة للتلاقي والتعاون من أجل مصلحة البشرية لإبعادنا عن الفرقة والصدام
والصراع مصدقا لقول الحق تبارك وتعالى
وأصدق القائلين (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم
وألوانكم إن فى ذلك لآيات للعالمين
)الروم(22)
وقوله أيضا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ
لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ
عَلِيمٌ خَبِيرٌ )الحجرات(13)
إنها دعوة صريحة إلى التحاور القائم على المعرفة؛
فالتواصل الناجح يحتاج إلى معارف مشتركة حول رؤية كل طرف للعالم وحول موقف كل طرف من الطرف الأخر
فالله سبحانه وتعالى استخلف الإنسان في هذه الأرض ليعمرها مصدقا لقول الحق
تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين( وإذ قال ربك للملائكة أنى جاعل في الأرض خليفة
؛قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء
ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ؛قال انى أعلم مالا تعلمون)البقرة(30)
فالله سبحانه وتعالى
فالله سبحانه وتعالى استخلف الإنسان في الأرض ليعمرها وسخر له ما في الأرض
وما في السموات مصدقا لقول رب العزة تبارك وتعالى (الم تروا أن الله سخر لكم ما فى
السموات وما فى الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنه)لقمان(20)فالإسلام لا يعترف
بالعنصرية ولا يحابى جنسا على حساب جنس أخر فالمفترض أن هذا العمران الحضاري حق
لكل أهل المعمورة ؛ ولا يتيسر ذلك لهم دون الأخذ والعطاء المتبادل وهذا هو المقصود
من الحوار بين الحضارات مصدقا لقول الحق تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين (وتعاونوا
على البر والتقوى ؛ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ؛واتقوا الله ان الله شديد
العقاب )المائدة(2)
فلابد من عمل مراكز أبحاث مشتركة بين دول العالم فتاريخ
البشرية ملحمة متصلة تضبط سيرها سنن ونواميس لا تختلف ولا تتبدل مصدقا لقول الحق
تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ
وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ
كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ
كَالْفُجَّارِ (28) كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا
آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)ص(27:29)فالحضارات التي تعرض
عن هدي الله سبحانه وتعالى وتكفر بنعم الله
وتتحيز وتتبع أهواءها وتفعل الفواحش تستحق عقوبة الله مصدقا لقول رب العزة
تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا
فيها ؛ فحق عليها القول فدمرناها تدميرا)الإسراء(16) وقوله أيضا ( وكم أهلكنا من
قرية بطرت معيشتها ؛فتلك مساكنهم لم تسكن من قبل الا قليلا وكنا نحن
الوارثين)القصص(58)
فلابد من الحوار بين الحضارات للتخلص من قضايا البيئة
والمخدرات والإرهاب الدولي والجريمة المنظمة ؛وأسلحة الدمار الشامل وإمراض العصر
المنشطرة ؛فالرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه معلم الإنسانية الأعظم شبه
الجماعة البشرية بركاب السفينة وهو تعبير دقيق مثلما يتداول فى تلك الأيام بعد
ثورة الاتصالات وتقارب العالم كأنه قرية واحدة فلقد شبه الرسول صلوات الله وسلامه
عليه المجتمع الانسانى بركاب سفينة تسخر عباب البحر وفيها فرد أو جماعة تريد العبث
بها متجاهلة مصير الآخرين وقد حث النبى صلى الله عليه وسلم ركاب السفينة جميعا على
التعاون على مواجهة هذا الفساد الى ترتكبه طائفة منهم لآن ضرهم سوف يعم السفينة
ويضر المجتمع البشري كله
روي الإمام البخاري رضى اللله عنه فى صحيحه عن النعمان
بن بشير رضى الله عنهما قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا سفينة
فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان
الذين فى أسفلها اذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا فى نصيبنا خرقا ولم نؤذ
من فوقنا فان يتركوهم وما أرادوا هلكوا
جميعا وان اخذوا على أيديهم نجوا ونجوا
جميعا)البخاري كتاب المظالم باب هل يقرع فى القسمة والاستهام ص75ج2
يأيها المسلمون ان صراع الحضارات لا تنطلق من الحضارة
الإسلامية وإنما ينطلق من الحضارة الغربية التى تسعى لفرض سيطرتها على الشعوب
الأخرى وإقصاء الثقافات الأخرى مما يؤدى الى الظلم والتهميش
وبالتالي النزاع والحروب فالحوار
بين الحضارات لايسعى الا بالضغط على
الآخرين بالتخلي عن انتمائهم الحضاري فيجب ان يكون الحوار بين الحضارات قائما على
الصدق والعدل مثلما وضح القرءان الحكيم وذلك (قَالَ أَلَمْ
نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18)
وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَ
فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا
خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21)
وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ)الشعراء(18:22)
وأن يقوم التحاور بين الحضارات قائما على الادلة الحقيقة
مصدقا لقول الحق تبارك وتعالى وهو اصدق القائلين (قل هاتوا برهانكم ان كنتم
صادقين)النمل(64)
وان يقوم التحاور بين الحضارات على الحقائق الثابتة وان
يتجنب الإشاعات مصدقا لقول رب العزة تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين(يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ
تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ )الحجرات(6)كما يجب فى حوار الحضارات عدم تعميم
الأحكام مصدقا لقول الله تبارك وتعالى وهو اصدق القائلين (والعصر؛ ان الإنسان لفي
خسر ؛ إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)العصر(3:1)
كما يجب يجب فى حوار الحضارات تحديد المصطلحات واحترام
خصوصية كل طرف كما ان وظيفة حوار الحضارات لا تعنى بالضرورة هداية الطرف الاخر
وقبوله للرأى الذى نراه فان ذلك ليس باستطاعة البشر لان هداية القلوب لتقبل الحق
والانتفاع به والاذعان له أمر بيد الله وحده0
فالاختلاف بين الحضارات لا يعنى العنف وانهاء الخصومات
بواسطة القوة وتلك أسوا صورة او بواسطة تحكيم جانب ثالث فالاختلاف بين الحضارات لا
يعنى استخدام العنف .
ايها المسلمون ان الحضارة الاسلامية لا تهتم بالانجاز
الحضارى فقط فى الدنيا بل تهتم ايضا
بالحياة الاخرة الباقية الدائمة حيث ان الحياة الدنيا فانية بمنجزاتها فالحياة الدنيا ليست هدفا فى حد ذاتها وانما هو
تهيئة الحياة الدنيا لعبادة الله وحده
وايجاد المناخ المناسب لممارسة الاستخلاف فالحضارة الاسلامية لا ترفض العلم
والحكمة فالحكمة ضالة المسلم من أي وعاء
خرجت فهو احق بها فالإسلام لا يرفض العلم الاوروبى الملائم لتقاليدنا وديننا
فالتنوير والعلم فى الإسلام اشمل من العلم والتنوير فى الفهم الاوروبى والحمد لله
رب العالمين وقال ربكم ادعوني استجب لكم
ادعوا الله وانتم موقنون بلاجابة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق